التقيته للمرة الأولى في صيدلية بأحد الأحياء الشعبية بمدينة دمشق ، ولم أكن أعرفه شخصياً من قبل رغم أنني جغرافياً أنتمي للمدينة ذاتها التي نشأ وعاش بها ردحاً طويلاً من الزمن .. إلا أنني كنت أسمع برنامجه اللغوي من إذاعة دمشق وأقرأ له زاويته المشابهة في جريدة تشرين السورية ..
كان يحاول أن يصوب للصيدلانية التي تبسم أمامه بعض كلامها ، ويعرفها بنفسه .. فوجئت به فانبريت أسلم وأعرفه بنفسي .. ارتفعت حرارة اللقاء عندما علم أنني أنتمي للأسرة التي تربطه ببعض أفرادها علاقات مميزة .. وانتقل إلي يصوب لي أنا الآخر بعض مفرداتي ولم أستغرب ذلك من لغوي متخصص ..
ثم توالت لقاءاتنا بعد ذلك بعد أن عاد كل منا إلى مدينته ( سلمية ) وكان في أواخر أيامه يحاول التغلب على بعض آلامه ويصحح لنا ويسهب .. ويسهب .. إلى أن يعيقه الألم والتعب ..
وعندما سعيت مع بعض الأصدقاء في جمعية أهلية لتكريمه ، لم يكن وضعه الصحي يسمح بلقائنا .. إلا أن وزارة الثقافة السورية ممثلة بمديرية ثقافة حماه أقامت له حفل تكريم لائق في كانون الأول 2006 .. كان يبدو عليه الإنهاك .. ألقى بعض أبيات من قصيدة له وشكر الجميع تسبقه أنفاسه المتعبة المتلاحقة ..
ولم يطل به العمر بعد ذلك .. ونادت مكبرات الصوت في جوامع مدينتا ( سلمية ) في 23/4/2007 معلنة وفاة الأستاذ حسن القطريب ( أبو زيد ) ..وبكته مدينته .. بكاه كل الناس .. لأنه أحب كل الناس بكافة شرائحهم ..
وهانحن في ذكرى وفاته .. نستحضر ذكرى عطائه كما يملي علينا واجب الإخلاص لرواد الكلمة ولمثقفي عالمنا العربي الذين ارتهنت حياتهم بعطاء لا ينضب .. فقد ولد هذا الرجل المعطاء في مدينة ( سلمية ) السورية عام 1931 وتعلم في مدارسها ثم انتقل للدراسة في حماه وبعد ذلك إلى جامعة دمشق التي لم يكمل دراسة الحقوق فيها بسبب الظروف السياسية السائدة .. انتقل بعد ذلك إلى لبنان ثم الكويت وعاد بعد زمن إلى سلمية ليدرّس اللغة العربية في مدارسها .. ظهر كشاعر في بداية عمره .. ونشر شعره في الصحف السورية .. وتحول بعد ذلك للبحث في اللغة العربية .. فعمل مصححاً ومدققاً لغوياً في جريدة تشرين السورية وأصدر سلسلة ( لغتنا الجميلة ) الصادرة عن دار تشرين /3 أجزاء/ وظل زمناً يقدم برنامجاً إذاعياً وآخر صحفياً في هذا الموضوع .. أصدر بعد ذلك ( معجم النحو العربي ) عام 1994 وهو معجم مهم سهل التبويب حسب حروف الهجاء ..
عاد إلى (سلمية ) بعد تقاعده من عمله .. ثم بدأت معاناته مع المرض حتى رحيله .. ليعلن كل المشاركين في حفل تأبينه أنه باق بيننا وأن بقع الضوء تبقى مشعة على الدوام ..
وقد صدر له بعد وفاته وبجهد من نجله الشاعر والصحفي زيد القطريب كتاب ( مفاتيح اللغة ) عام 2010 .
إعداد : محمد عزوز