خاص بالقلم
د. عادل محمد عايش الأسطل
شكّلت العبارة السابقة، العنوان الرئيسي لصحيفة (يديعوت أحرونوت) الإسرائيلية، والتي ربما كانت من الصحف الأقل شماتة برئيس الجمهورية التركية "رجب طيّب أردوغان"، بعد إخفاق حزبه (العدالة والتنمية) في الحصول على نسبة ساحقة خلال الانتخابات البرلمانية التي جرت بالأمس، باعتبار ذلك الإخفاق يُمثّل نهاية موجعة للأغلبية المطلقة من الحكم المستقر والمتصل للحزب، على مدار 13 عاماً، بعد أن كان يأمل في حيازتها حتى قبل الانتخابات بيوم واحد، طمعاً في تعظيم أثقال الحزب من جهة، ولتمرير دستور جديد يهدف إلى جعل نظام الحكم رئاسياً، على غرار نظام الحكم الأمريكي، من جهة أخرى.
كرّست كل الصحف الإسرائيليّة، اليمينيّة واليساريّة، مساحات كبيرة على صفحاتها الأولى للحديث عن فشل "أردوغان" باعتباره فشلاً ذريعاً يقضي بإشاعة البهجة والسرور، شماتةً فيه، وعقاباً له في ذات الوقت، وبدا ذلك بوضوح حتى في أكثر تقاريرها برودة، بسبب أنّه هو الذي قاد تركيا بعيداً عن "إسرائيل" وضدّ مصالحها السياسيّة والأمنيّة، وحتى على صعيد معاداة الساميّة والصهيونيّة أيضاً.
لا شك في أنّ الصحافة الإسرائيلية عكست سرور القادة الإسرائيليين، قبل أن تنتشر بين عامة الجمهور الإسرائيلي، لأنّ ذلك الإخفاق يبعث لهم أملاً حقيقيّاً نحو كسر الأنفة التركيّة، وباعتباره بشرى جيّدة لإعادة العلاقات التركية – الإسرائيلية، كما كانت عليه قبل حادثة (مافي مرمرة) عام 2010، والتي قام خلالها الكوماندوس الإسرائيلي بقتل 9 ناشطين أتراك، عقِب تنفيذهم هجوماً دموياً على سفينة مرمرة التركيّة، أثناء محاولتها كسر الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع، والتي كانت سبباً رئيساً في تدهور العلاقات بين الجانبين.
كما أن هذا الفشل يُمثل لدى الإسرائيليين أملاً آخر نحو إمكانيّة استعمال "أردوغان" بشأن دفعه نحو قطع تعاونه باتجاه الفصائل الفلسطينية وتحديداً حركة حماس، وتحويلها بما له من تأثير وقدرة تمكّنانه من تشجيعها على قبول شروط الرباعيّة الدولية، بما فيها الاعتراف بـ"إسرائيل"، وذلك من أجل الاختراق نحو تسوية نهائيّة، وكانت الولايات المتحدة قد قامت بسلسلة طويلة من جهودها الدبلوماسيّة لإحلال مصالحة إسرائيليّة- تركيّة، تهدف إلى تجنيد "أردوغان" في هذا الصدد.
مظاهر الفرح والسرور، لم تقتصر على الإسرائيليين وحدهم، بل شاركهم فيها المجتمع الدولي أيضاً، بدءاً من الولايات المتحدة ومروراً بالدول الأوروبية، وانتهاءً بالعديد من الدول العربيّة. وبغض النظر عن إبراز البهجة الغربية، فإنه يمكن الشعور بالفرح العربي، فكلٌ من مصر، سوريا، الأردن، فلسطين، وغيرها من الدول، لم تستطع إخفاء ارتياحها من الإخفاق الحاصل، وبما أن ذلك ليس مترتّباً على نمو تركيا وتطوّرها على يديه، ولكنّ باعتباره احتجاجاً على تدخلاته في شؤونها الداخليّة، من خلال ممارسته دوراً مشبوهاً، وشراكته للولايات المتحدة بشأن تنفيذ مشروعات خطِرة، تهدف إلى تقسيم المنطقة، والسيطرة على اقتصادياتها.
ويمكن إضافة تخوّفات تلك الدول من الإسلام السياسي، الذي يعتمده العدالة والتنمية كمسارٍ له وكمنهجٍ حياة، برغم محاولته في تثبيت صورته كحزب إسلامي علماني، باعتباره يبرز صورة واهية، بالنظر إلى الاتجاه العميق نحو تديين الدولة، وتعظيم جملة الطقوس والشعائر الدينيّة في أنحائها، كما أن تاريخه حافل بشأن احتضانه لإسلاميين، يتبعون جماعة الإخوان المسلمين وغيرهم.
سبق الانتخابات هجمة دوليّة شرسة (سياسية ودينيّة) ضد تركيا والعدالة والتنمية تحديداً، وذلك على خلفيّة مجازر الأرمن، والتي تُتهم الدولة العثمانية بارتكابها منذ أواخر القرن 18 وأوائل القرن 19، والتي تطالب تركيا بالاعتراف بمسؤوليتها عنها، وبما يلتحق بها من اعتذارات وتعويضات، حتى على الرغم من إنكار "أردوغان" ومن يمشي في ركابه، تلك المجازر، وقيامهم بالتصدّي لتلك الاتهامات، والوعيد بتدفيع الثمن الأعلى، لمن يُداوم على تكرارها في المستقبل.
ربما يتوجّب الحذر قبل الحكم بانتكاسة "أردوغان"، وقبل المضي في الفرح بصورة مضمونة، أيضاً، بسبب أنّ الفائز هو حزب العدالة والتنمية نفسه، ولا تزال بيديه الفرصة في تشكيل حكومة ائتلافية من أحزابٍ معارضة، كحزب الشعب الجمهوري بمفرده أو بضم حزب الشعب الديمقراطي بمفرده أو كليهما معاً، ومن ثمّ إدارة البلاد لمدّة قانونيّة جديدة، يصحو خلالها من غفلته، وينهض من كبوته.
كما أن لدى الحزب الفرصة، نحو إحباط أمنيات كثيرة ضدّه، وبغض النظر عن سقوط طموحاته الفائتة، وذلك من خلال توجيه اهتمامه فقط – وهذا الذي ربما سيستقر رأيه عليه- نحو تشكيل حكومة بمفرده – لفترةٍ ما- من خلال 270 مقعداً التي حصل عليها، وذلك تمهيداً لانتخابات مبكرة جديدة.