ما أقرب طريق الـ15 كيلومترا غرب السويداء الواصل إلى بلدة الثعلة، وما أبعده عن المتجه إلى مطارها، حيث تصبح الخطوات محسوبة على عقارب ساعة الموت، فهناك تحيط «جبهة النصرة»، بعدتها وعتادها، مطار الثعلة العسكري بقوس من الغرب إلى الشرق.
قد تكون الرحلة بذلك الاتجاه رحلة على طريق النهاية. وفي منتصف الطريق نحو المطار يظهر تل حديد وتل الشيخ حسين ومجموعة التلال التي رفرف على قممها العلم السوري. مجموعة جبال بركانية، ذات ارتفاع شاهق، وتموضع استراتيجي، ومدافعون يتعهدون بالصمود. هي العوامل التي أعادت رسم معالم البقاء ما بين الثعلة ومطارها.
على بوابة المطار يقف الجنود، حماة الطوق الخارجي، الذين مرّت عليهم أيام خاضوا خلالها أشرس الاشتباكات، حيث كان المسلحون يحيطون بهم من ثلاثة اتجاهات.
ويصف أحد الجنود حالة المطار منذ يومين، قائلاً، لـ «السفير»، إن «المطار كان بمثابة شبه جزيرة ضمن بحر من الإرهابيين، لا طريق إمداد أو إخلاء سوى الطريق إلى الثعلة الذي يصل إلى السويداء». وأضاف «كل تجمعات النصرة والفصائل الإرهابية التي هاجمت المطار انطلقت من ريف درعا الشرقي من المسيفرة إلى الكرك إلى رخم، وعلى طول الخط حتى المليحة الغربية والمليحة الشرقية، أطبقت بوقت واحد وزامنت نيرانها عبر ثلاث بوابات هجوم رئيسية وهي أم ولد ـ سكاكة ـ الأصلحة».
وتبدو ملامح المعركة الضارية بكل تفاصيلها واضحة على طول مدرجات المطار والمتاريس والتحصينات، خصوصاً آثار مئات وربما آلاف القذائف والصواريخ التي انهالت على القوات العسكرية.
المقاذيف والرصاصات الفارغة بمختلف أنواعها، تحكي تفاصيل صمود ومقاومة المدافعين عن الموقع.
وعلى أحد المفارق الرئيسية في ساحة المدرجات، يتجمع قادة التشكيلات العسكرية الموجودة في المطار: «إنها غرفة القيادة والعمليات». وليس من الغريب أن ترى السعادة ونشوة الانتصار تبدو على محياهم.
يتحدث أحد قادة مطار الثعلة لـ «السفير» عما أسماه بالصمود الأسطوري في الثعلة، حيث يرى أن كل الذي كانت تحضره الجماعات الإرهابية في الجنوب، من ريف درعا وريف القنيطرة وريف السويداء، كان هدفه البعيد الوصول إلى المطار.
ويضيف القائد «بالتأكيد الذي ساعدنا في إفشال الهجوم هو التكتيك العسكري الذي حضّرناه منذ فترة. إحكام السيطرة على التلال والمرتفعات ساهم مساهمةً رئيسيةً في إفشال نصف الهجوم، خصوصاً تل الشيخ حسين الذي خيضت على سفوحه معارك ضارية، بالإضافة إلى بعض العمليات الخاطفة التي نفذتها وحدات اقتحام نخبوية، أبرزها كان الهجوم إلى عمق بلدة أم ولد وعملية المناورة النوعية التي نفذتها القوات خلف خطوط الإرهابيين أثناء هجومهم، والعامل الرئيسي هو الحاضنة الشعبية للجيش ولصموده من أهالي بلدة الثعلة وأهالي السويداء. هذه العوامل كلها قادت الى هذا الانتصار العظيم».
نخرج من المطار لتأخذنا الخطوات قريبةً هادئةً إلى الطرف الشرقي لسوره. حتى وأنت تسير على أقدامك تنسى أنك على خط جبهة يمتد أفقياً عشرات الكيلومترات مع معاقل «جبهة النصرة». إنها بلدة الدارة التي عجنت ملامحها بالشكل العام بملامح قرى جبل العرب، حيث يتعانق المسجد والكنيسة في قلب الدارة، والأبنية التراثية المكونة من صخور البازلت الأسود.
لكن قبل أن يصل خطر العمران الحديث الذي طالما هدد بنية القرى التراثية، وصل عناصر «جبهة النصرة» بصواريخهم وأسلحتهم إلى محيط القرية، لكنهم فشلوا بالوصول إليها بعد أن ثبت عناصر «اللواء 52» مواقعهم في الدارة، في إطار عملية قرار القيادة العسكرية إعادة تجمع اللواء خارج موقعه الأساسي.
وعلى سطح أحد المنازل، يقف عناصر «اللواء 52»، يترقب أحدهم استهداف المدفعية والطيران لعناصر «النصرة» الذين يتحركون في أرض «اللواء» الساقط بيدهم منذ أيام.
يترقب الجندي تفاصيل المشهد داخل مقر اللواء عبر المنظار، على الرغم من أن صورته العامة واضحة بالعين المجردة. يبتسم قليلاً، ويقول بثقة «سنرجع يوماً إلى ثكناتنا، وأظن اليوم ليس ببعيد».