د. عادل محمد عايش الأسطل
فاتت بسلام تقريباً، حادثة مقتل الدروز ألـ 20 في سوريا على يد مقاتلين من (جبهة النصرة)، برغم عاصفة الاحتجاج التي قامت بها الطائفة الدرزية داخل إسرائيل، وعلى رأسها زعيمها الروحي "موفق طريف"، والمطالبة بالتدخل من أجل حماية أفرادها، باعتبار أن الدولة، ملتزمة بحماية أتباعها أينما تواجدوا، حيث وجّه المجلس الصهيوني- الدرزي، رسالة متطابقة إلى كل من رئيس الوزراء "بنيامين نتانياهو" ووزير جيشه "موشيه يعالون"، دعا خلالها إلى منع (محرقة درزية) قد تقوم بها جهات إسلامية متشددة، وخاصة (النصرة) وفي ظل تواجدها داخل مناطق درزية أو بالقرب منها.
خفوت أوار الحادثة، لم يحدث هكذا، أو بسبب قيام (النصرة) بتوضيح أن مقتلهم كان بمعزلٍ عن القيادة، أو بمسارعتها إلى تقديم اعتذار، أو بصرامتها ضد مقاتليها الذين قاموا بارتكابها، حيث نقلت الأنباء عن أن زعيمها "أبو محمد الجولاني"، قد قام إلى مراسلة إسرائيل من ناحية، والقيادة الروحيّة للطائفة من ناحيةٍ أخرى، تتضمن تقديم تعهّدات باجتناب عداء الدروز بخاصة، وبعدم التوغّل داخل مناطق نفوذهم في سورية، لكنّه ارتكز على عدّة حقائق واقعة.
وقبل الخوض بسرد بعض منها، فإنه يجب الإشارة إلى أن إسرائيل، لا تعدم الحجّة إذا ما أرادت التدخل، بحجة التزامها بحماية الدروز في أي مكان، أسوة بمواطنيها المتواجدين لديها، وكونهم متصلين ببعضهم في النسب والملّة والمذهب وعادات وتقاليد أخرى، تماماً كما هو الحال بالنسبة لمدافعة المسلمين – على سبيل المثال- عن مسلمي الروهينجا في دولة بورما، وهم ليسوا عرباً، أو محاولة الكنيسة في شأن حماية المسيحيين العرب ومن هم يتبعون أعراقٍ بعيدة عنها.
من هذه الحقائق، أن إسرائيل لم تصل إلى درجة الغباء التي تؤهلها للانغماس في تدخلات مباشرة، ومن أجل قضية بالتأكيد لديها (ثانوية)، وفي ظل أنه يمكنها الاستعاضة عنها بوسائل متباعدة عن الأعين، وتُعطي حصاداً جيّداً، وهي ترى بنفسها أن الولايات المتحدة، لاتزال تترفع عن التدخل مباشرة في أتونها، حتى بحجّة حمايتها- كما تقول- للإنسانية بعامّة من الأسلحة الكيماوية، حيث اكتفت بحلول سياسية.
كما أن الدروز في سوريا في الحسابات الإسرائيليّة، ليسوا بأي حال كالدروز لديها، وبغض النظر عن خدمة بعضهم داخل مؤسساتها وبخاصة مؤسسة الجيش، باعتبارهم مواطنين إسرائيليين، وهي مسؤولة أدبياً وأخلاقياً وأمنيّاً عنهم، بسبب علمها بأنهم يدينون بالولاء للقومية العربية وليس للدولة الإسرائيلية، وفي ضوء أن كثيرين داخل حدودها ويحملون جنسيتها، لا يزالون يعطون ولائهم للدولة السورية فقط، وكانوا وقفوا على مدار التاريخ الماضي إلى جانب الدولة في قتالهم ضد إسرائيل والمشروع الصهيوني برمّته، وهم بذاتهم يقفون الآن إلى جانب الرئيس السوري "بشار الأسد" ضد مناهضيه بشكلٍ عام.
السوري "بشار الأسد" ضد مناهضيه بشكلٍ عام.
ويأتي عدم تدخلها بشكلٍ علني، في إطار أن (النصرة) لا تقصد بأي حال أذيّة الطائفة، برغم مساعدة أبنائها لـ "الأسد"، وبرغم الملاحقة الدينيّة باعتبار الديانة الدرزية عقيدة منحرفة، يجب إعادة معتنقيها إلى الإسلام الصحيح، وبنفس القدر فإنها ليست معنيّة بخلق عداء مع إسرائيل، سيما وكما الاعتقاد السائد لدى كثيرين، بأنها تحتفظ بعلاقات سياسية وأمنيّة جيّدة معها، وإسرائيل تعلم بأن من تقوم بمعالجتهم في مستشفياتها، هم أفراداً تابعين لها، والذين كان لهم الفضل في احتواء الأزمة بين القيادات الدرزيّة وقيادات (النصرة) في سوريا.
والأهم هو، أن إسرائيل تعلم بأن لا الدولة السورية ولا الطائفة الدرزية ستكونان مسرورتان لتدخلها، بسبب أن التدخل سيكون بمثابة عدوان على سوريا، ربما لا تقوى على تحمّل نتائجه، كما أن الدروز أنفسهم لا يطلبون وليس في واردهم طلب الحماية من الخارج وبخاصّة حماية إسرائيلية، ليس مخافة الطعن في عروبتهم، وإنما لنباتهم العربي ولإيمانهم بوحدة المستقبل والمصير أيضاً.
إسرائيل وإن أظهرت عدم مبالاتها بشأن الأزمة السورية ككل، والتأفف من مسألة تفتيشها، باعتبارها (داخلية)، لكن ذلك لا يرفع عنها أنها منغمسة إلى قمّة رأسها بداخلها، باعتبارها ضالعة في كل مجرياتها، وقد بيّنت الأحداث وبشكلٍ صارخٍ نشاطات أياديها، والتي اشتملت كافة المستويات، المخابراتية، والسياسيّة، والعسكرية، والمتعلقة بتحديد أهداف وتقويضها أو بنشر الفتن وتنميتها، وكنّا شهِدنا قيامها- مستغلّة الأوضاع الدموية الحاصلة- بتنفيذ أعمال عسكرية ضد أهداف سورية وأخرى تابعة لتنظيم حزب الله اللبناني، منتهكةً القوانين الدولية بحجة الدفاع عن نفسها.
خانيونس/فلسطين
14/6/2015