يجلس أبو نمر في غرفته البسيطة في الاسكندرية ويتحدث مع زوجته عبر الهاتف. نجحت زوجته وإثنان من بناته في الوصول إلى ألمانيا بعد رحلة استغرقت خمسة أيام. وحتى اليوم لم يدفع شيئاً مقابل سفرهن، لأنه اقترض المبلغ من أحد الوسطاء. في الاسكندرية يوجد ثلاثة أو أربعة وسطاء كلهم سوريون، يعرفهم أبو نمر. وهؤلاء الوسطاء يتواصلون مع المهربين، الذين ينسقون العبور إلى السواحل الشمالية للبحر المتوسط.
قبل حوالي سنتين وصل أبو نمر مع عائلته إلى الاسكندرية واستقرا في منزل بسيط بحي 6 أكتوبر. تقدم بنته القهوة التي يفتخر بأنه أحضرها معه من سوريا. حي 6 أكتوبر يمكن أن يطلق عليه اسم “دمشق الصغرى”، لأن معظم سكانه من السوريين. فالاسكندرية هي محور أنشطة مهربين من وإلى مصر. ومن لا يمكنه الدفع مباشرة، يحصل على مكان على متن قارب ويمكنه الدفع لاحقاً: “على الائتمان”. ويشرح أبو نمر إن زوجته وابنتيه استقرضتا المال لسفرهن وعليهن سداد المبلغ خلال سنة.
نظام دفع متطور
لا يفكر أبو نمر في السفر إلى أوروبا حالياً. في سوريا أطلق مجهولون النار عليه وأصابوه ونجا بأعجوبة، وحين يتحدث أبو نمر طويلاً يشعر بالتعب. ويقول عن الوسطاء السوريين، الذين أقرضوه المبلغ لزوجته وبنته إنهم يأخذون فوائد على القرض، ويضيف: “إذا كان القرض 4000 دولار، فعليك إرجاع 5000 دولار. وهم يدفعون لك المال هنا ويستردونه في أوروبا، حيث يوجد لديهم أقرباء يتولون هذه المهمة”.
تبلغ ديون أبو نمر 5000 دولار، وهي تكلفة سفر زوجته وبنته الكبرى، أما بنته الصغرى والبالغة من العمر أحد عشر عاماً، فسافرت مجاناً. وعن نظام التهريب والإقتراض يقول محمد الكاشف من المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، إنه نظام متطور ويصفه بنظام “الضمان طويل الأجل”، ويضيف: “لا يدفع السوريون مقدماً للسفر. إنهم يتركون المبلغ لدى شخص ثالث يقوم بتسليمه حين وصول اللاجئين إلى الساحل الأوروبي”.
تتكون شبكة المهربين عادة من وسيط سوري يعيش بين اللاجئين السوريين. وهو الذي يبحث عن الراغبين في السفر إلى أوروبا، حيث يتوسط بينهم وبين المهربين. ومقابل كل عشرة أشخاص يحصل الوسيط على مكان سفر لشخص واحد بالمجان. سافرت زوجة أبو نمر وابنتاه من الاسكندرية إلى إيطاليا قبل أيام قليلة من كارثة غرق قارب يقل مئات المهاجرين قبالة السواحل الليبية في 19 نيسان/ أبريل. ويقول أبو نمر: “كدت أن أصاب بالجنون. كان رأسي ثقيلاً جداً. بحثت في الإنترنت والفيسبوك، إلى أن تأكدت أنهن على قيد الحياة وأن القارب الذي غرق ليس قاربهن
” تحت المجهر