يعتبر ملف حقوق الإنسان في السعودية من أكثر الملفات التي تثير جدلاً، خصوصاً لناحية المساواة بين الجنسين. وفي هذا السياق، أجرى موقع رصيف22 مقابلة مع الصحافية السعودية بثينة نصر، راسمًا خارطة الحقوق الاقتصادية والسياسية والاجتماعية للمرأة السعودية. وفي ما يلي نص المقابلة:
الحقوق الاجتماعية مهما بلغ علم المرأة السعودية أو مستوى شهادتها أو عمرها، فهي ممنوعة من التحرك من دون محرم، حتى في حالات الحاجة إلى إصدار وثائق رسمية، يجب أن يرافقها ذكر قد يكون أحياناً ابنها.
هذا المفهوم أودى بحياة نساء في بعض الأحيان. مثل حريق ثانوية مكة عام 2002، حين اتهم رجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بالتسبب بوفاة 15 فتاة وإصابة أخريات، لأنهم رفضوا إدخال رجال الدفاع المدني لإنقاذ الطالبات بسبب أنهن "لا يرتدين الحجاب، ولا يوجد معهن محرم"، وهذه الأحداث تتكرر.
المرأة في السعودية ممنوعة من السفر من دون موافقة ولي الأمر الذي يجب أن يكون رجلاً. أيضاً موافقته ضرورية كي تتمكن من العمل أو الدراسة أو الزواج، وحتى تلقي العلاج الطبي.
ويحق للولي بعد أن تتزوج برضاه، أن يرفع دعوى التفريق بين الزوجين لعدم تكافؤ النسب، وهو حق يمنحه له القانون. كما أنها إذا سجنت، أو أوقفت في مركز الشرطة لأي سبب كان، لا تخرج حتى لو ثبتت براءتها أو أنهت محكوميتها، إلا بتسلم ولي الأمر إياها وكفالته لها. وفي كثير من الأحوال يرفض ولي الأمر تسلم السجينة فتبقى في السجن مدى الحياة، وإن كانت راشدة أو موظفة أو طبيبة.
وهي محرومة من قيادة السيارة، وقد سجنت سيدات سعوديات لأنهن كسرن هذا الحظر، وعمدن إلى القيادة بأنفسهن فتم إيقافهن وسجنهن، وآخرهن لجين الهذلول وميساء العمودي.
نحو 12 عاماً مرت ولم يزل الجدل والتأجيل يسودان قضية إدراج مادة التربية البدنية في مدارس البنات للتعليم العام، ترافقهما فتاوى شرعية تحرّم الرياضة على الفتيات. هذه الفتاوى ترى أن الرياضة ستشجعهن على التخلي عن الحجاب والوصول إلى المشاركة في بطولات عالمية يظهرن فيها بلباس غير محتشم.
كذلك تُمنع النساء من الدخول إلى ملاعب كرة القدم بحجة أن هذا حرام لأن فيه اختلاطاً بين الجنسين. وحددت السلطات، عام 2014، شروطاً لدخول النساء إلى الملاعب، هي أن يكون حضورهن عائلياً وليس فردياً، وأن تجهز لهن أماكن منفصلة وعدم الاختلاط مع الرجال، وتخصيص لهن مداخل ومخارج ومواقف سيارات منفصلة.
رأت بثينة نصر، الصحافية السعودية المهتمة بملف المرأة، أن هذا المنع من الحقوق يعود إلى أن "قطاعات التعليم والقضاء والأحوال الشخصية وكثير من المناصب الهامة في الدولة، لا تزال تعاني من قبضة المؤسسة الدينية وأيديولوجيتها المرتبطة بعادات قديمة، حتى المجتمع تخطّاها، لكن رجال الدين يصرون على تثبيتها كصورة نمطية بالية".
هذه الأيديولوجية المرتبطة بالنظرة الدونية للنساء، لا تريد أن تصدق أن للمرأة حقوقاً مساوية لحقوق لرجل، فيتم التعامل مع المرأة مهما بلغ عمرها على أنها قاصر.
الحقوق السياسية
في ما يتعلق بالحقوق السياسية، قد تكون المملكة الدولة الوحيدة التي كانت تمنع النساء من التصويت والترشح للانتخابات، أي انتخابات. لكن العام الماضي، صدر أمر ملكي قضى بأن تكون المرأة عضواً في مجلس الشورى، وأن تشغل نسبة 20% من مقاعد العضوية حداً أدنى.
كذلك أقرت مشاركة المرأة في الترشح والانتخاب لعضوية المجالس البلدية اعتباراً من الدورة المقبلة لهذا العام. وتلفت نصر إلى أن التمييز السياسي الحاصل ضد المرأة في السعودية، يشمل الرجل أيضاً. تقول: "هناك نمط سائد مفاده ما يجري على الذكر يجري على الأنثى بالنسبة إلى الحقوق السياسية. فكلاهما محروم من حق الانتخاب لعضوية مجلس الشورى، ويتم تعيينهما بناء على قرار سيادي ملكي".
وتضيف: "لا نقابات طلابية ولا اتحادات جامعية ولا أحزاب سياسية يمكن للرجل أو للمرأة الانخراط في نشاطاتها، كونها كلها محظورة في نظام المملكة". أما في ما يتصل بوضع المرأة، فتشير إلى أن "أفق تمكين المرأة سياسياً متقهقر. فبعد تعيين وزيرة واحدة في الحكومة السعودية، لم نشهد وصول أي سيدة إلى مناصب أخرى".
الحقوق الاقتصادية
تعدّ السعودية على رأس قائمة الدول التي تحد قوانينها من الفرص الاقتصادية أمام المرأة. المساواة في الأجور وساعات العمل بين الرجال والنساء غائبة في المملكة، ومجالات العمل أمام النساء ضيقة، لأنهن محصورات في أعمال معينة يسمح لهن بامتهانها. تضاف إلى ذلك معوّقات تساهم في ابتعاد المرأة عن سوق العمل، منها صعوبة التنقل بسبب منعها من القيادة، وقلة خدمات رعاية الأطفال التي تجبر الكثيرات على التفرّغ لتربية أطفالهن بدل العمل.
أيضاً كلا القطاعين الخاص والحكومي يتطلب حصول المرأة على إذن من الوصيّ عليها قبل توظيفها. إلا أن العمل في محالّ الملابس والمدن الترفيهية وأماكن إعداد الطعام وكأمينات صندوق، فلم يعد يتطلب إذن الوصي. لكن الفصل الصارم بين الجنسين في مكان العمل لا يزال مطبقاً والنساء ممنوعات من الاختلاط بزملائهن.
كذلك يمكن لأصحاب العمل إجبار المرأة على الاستقالة أو فصلها، إذا قرر ولي أمرها أنه لم يعد يريدها أن تعمل. وتشغل غالبية النساء السعوديات العاملات مناصب في قطاعي التعليم والطب، وتشغل نسبة لا بأس بها مناصب أخرى، في مهن سمح للمرأة السعودية قانونياً بممارستها بعد عام 2010.
قبل ذلك، كان يمنع على المرأة العمل في المجال القانوني، أو في محالّ بيع المستلزمات النسائية، أو في المجمعات التجارية، أو كبائعة ملابس، أو كمحاسبة على الصندوق في مطعم أو محل تجاري مثلاً. وقد يكون فتح المجال أمام المرأة لمزاولة هذه المهن، يعود إلى نسبة البطالة بين الإناث، التي وصلت عام 2013 إلى 80%.
وتؤكد بثينة نصر أنه "لا يوجد قانون مكتوب يحظر على المرأة السعودية مزاولة أي مهنة، لكن هناك القانون الاجتماعي، أي العرف السائد، وقانون أصحاب السلطة الذين تتباين آراؤهم في شأن عمل المرأة".
لا شك أن معركة المرأة السعودية للحصول على جميع حقوقها لا تزال طويلة، وهي بدأت منذ التسعينيات من القرن الماضي، حين بدأت المرأة تطالب بحقها في قيادة السيارة عام 1990. وقد حصلت على بعض الحقوق التي تعدّها نصر "مكتسبات حصلت عليها بسبب الاجتهاد والعمل الدؤوب الذي تقوم به مجموعة كبيرة من السيدات، بمساندة عدد كبير من الرجال الليبيراليين".
علماً أن المرأة السعودية حصلت على حقوق سياسية واقتصادية تفوق حقوقها الاجتماعية، ويعود ذلك إلى سيطرة رجال الدين والمنظومة الدينية على مفاصل الحياة في المملكة، التي تعتمد على المؤسسة الدينية وتستمد منها شرعيتها.