كتب ميشيل كلاغاصي متحدثا عن الحرب المائية، "يخطئ من يعتقد أن الحرب على سوريا بدأت عام 2011 , و مخطئ من لا يرى اليد الصهيونية تقف وراء كل تفصيل و جزئية ٍ فيها، على الرغم من التقاء مصالح العديد من دول العالم المشاركة فيها . و لم يكن من الصعب على السوريين و متابعي يوميات و تفاصيل الحرب، ملاحظة شراسة العدو و قسوة الحرب الشاملة التي شٌنت على سورية دفعة ً واحدة، فمن الحرب الإعلامية إلى العسكرية، النفسية، الاقتصادية، الصناعية، الزراعية، الديموغرافية، إلى الحروب المائية .. الخ. لذلك تم اعتبارها حربا ً وجودية ً و بامتياز . و من الملاحظ أن الحرب المائية تحتل مساحة ً كبيرة في مسار الحرب على سوريا، الأمر الذي يكسبها أهمية ً خاصة في حزمة الحرب الكبرى . و ليس من المستغرب أن يُظهر العدو اهتماما ً خاصا ً بالمسألة المائية، مع اعتماده علما ً تمتد رمزيته من الفرات إلى النيل، الأمر الذي يعكس الحلم الصهيوني لإقامة " دولته " المنشودة التي تقوم على حدود مائية بعكس و خلاف كل دول العالم التي تعتمد على الحدود الجغرافية و التاريخية، من خلال اتفاقية سايكس و بيكو عام 1916 عندما طلبت الحركة الصهيونية أن يكون للوطن القومي اليهودي و المحدد بوعد بلفور حدود مائية تمتد من نهر الأردن شرقا ً و مرتفعات الجولان في الشمال الشرقي و نهر الليطاني اللبناني شمالاً، و الهدف الواضح من وراء ذلك السيطرة على مصادر المياه العربية، لما له من أهمية ٍ على كافة النواحي و ارتباطها و تأثيرها سلبا ً على الأمن الغذائي و القومي للدول العربية مباشرة . لقد بدا واضحا ً منذ بداية الحرب تركيز العدو الإسرائيلي و أدواته الإرهابية في السيطرة على مصادر المياه و الأنهار و السدود و مضخات التحويل في الأرياف و المدن. و لعل مدينة حلب ستبقى النموذج الساطع للاستدلال على طبيعة استهداف الدولة السورية والحياة فيها، إذ يخطئ البعض في التفسير، و يعزي سلسلة الاعتداءات على المصادر المائية إلى محاولة الضغط السياسي و العسكري على الدولة السورية، في حين تكمن الحقيقة في اختبار قدرة الدولة السورية على ابتكار البدائل، و استنزافا ً كبيرا ً للمياه الجوفية، خاصة ً في المدن ذات الكثافة السكانية العالية كمدينة حلب، والتأكد من نفاذها قبل فتح المعركة المائية الحقيقية، لضمان إركاع الدولة السريع مقابل حفاظها على حياة مواطنيها، ناهيك عن الاّثار السلبية للاستجرار الزائد للمياه الجوفية، الأمر الذي يجعل إمكانية سقوط و إنهيار الأبنية جراء خلخلة الطبقة الصخرية تحتها، نتيجة الفراغ الحاصل من سحب الماء، و تعرض الطبقة الصخرية الواحدة للعديد من الثقوب و الفتحات نتيجة حفر الاّبار الجديدة و الكثيرة .. بالإضافة للأضرار الناتجة عن تمليح التربة و العديد من الأضرار الزراعية و البيئية . ففي هذا السياق يصبح من السهل فهم تحركات المجموعات الإرهابية و أهداف مشغليهم، وعليه فإن المجموعات المسلحة منذ بداية الأزمة السورية، سعت إلى وضع السد ما بين محافظتي الرقة ودير الزور تحت سيطرتها. وفي حلب لا تزال جبهة النصرة تتحكم بمضخات المياه وصماماتها و قطعت المياه لعدة أسابيع عن أهالي حلب، و تحويلها إلى مياه مهدورة في مجرى نهر قويق . و في دمشق لم يسلم نبع الفيجة من عبث الإرهابيين، ومن محاولة استثمار قطع مياهه للضغط على الجيش العربي السوري ومنع تقدمه في عملياته العسكرية في الفوطة الغربية و الزبداني وتحويلها إلى نهر بردى. كذلك في العراق قام مسلحو "داعش" بقطع إمدادات المياه في مدينة الرمادي و إغلاق السدود التي يسيطرون عليها، كسد النعيمية في مدينة المفلوجة , و سد الرمادي. إن ملفات الحروب المائية العربية مع الكيان الغاصب ليست بجديدة، و تتصل مباشرة ً بالأمن القومي العربي، و قد تفوق حروب النفط و الغاز، لارتباطها الوثيق بوجود الإنسان العربي و بقاؤه على قيد الحياة. وبما أن أغلبها يأتي من خارج حدود الوطن العربي الجغرافية، الأمر الذي يرفع إمكانية " الحروب المائية " مع دول الجوار العربي، و مع الكيان الغاصب في قلب الوطن العربي . إذ لم تعد الدول محبوسة داخل حدودها الجغرافية و السياسية مما أدخل الدول في علاقات صراع و عداوة، و أصبح من الضروري لكل دولة أن تضع و بحسب هذه الأبعاد الإستراتيجية و الجيو – سياسية خططا ً أو استراتيجيات لإستثمار مصادرها المائية إلى أقصى درجة. وكلنا يذكر التهديد التركي بقطع المياه عن نهر الفرات عام 1990 مما أثار الخوف و القلق لدى كل من سوريا و العراق. و إذا اتجهنا نحو حوض نهر الأردن نجد أن المشكلة تزداد تفاقماً بسبب الممارسات الإسرائيلية للسطو على المياه و حرمان الأردن و سوريا و فلسطين من حقهم العادل في المياه. هذا ما يجعلنا نعتقد أن المياه هي أحد الأسباب التي دفعت تركيا للانخراط في الحرب على سوريا، وترجمة تحالفها الشيطاني مع الكيان الصهيوني، إذ لم تتوان في إنشاء العديد من السدود و المشاريع المائية على مياه نهري دجلة و الفرات و دون مراعاة للقوانين الدولية التي تنظم توزيع الحقوق و تخصيص المياه بين دول المنبع و المصب. مما لا شك فيه أن القرن الحادي و العشرين سيشهد نزاعات مقبلة في مناطق عديدة من آسيا و أفريقيا و الشرق الأوسط خصوصا ، فالصراع على الموارد الإستراتيجية كان و لا يزال سمة ً من خصائص السيكولوجيا البشرية و من المرجح أن الدول ستستخدم المياه كأداة ٍ و هدف لإشعال الحروب التي من شأنها أن تؤدي إلى زعزعة الاستقرار و الأمن العالميين . فدول كمصر و السودان ( الشمالي و الجنوبي ) و أوغندة و إثيوبيا تشترك بمياه نهر النيل، في حين تشترك سوريا و تركيا بمياه نهري الفرات و دجلة، و تعاني كل من الأردن و سوريا و فلسطين المحتلة من استغلال " إسرائيل " لمياه نهر اليرموك و نهري الليطاني و الوزاني و نهر الجليل في الجولان المحتل .
أما دول الخليج فقد لجأت و كما هو معروف إلى تحلية مياه البحر لتأمين مياه الشرب، دون أن تنجح في تأمين المياه للزراعة مما يعني فشلاً كبيرا ً في خطط الأمن الغذائي . و في ظل هذه الصراعات ، تبدو تصريحات الرئيس عبد الفتاح السيسي، حول تشكيل مصر و السعودية جناحي الأمن القومي العربي، تصريحات مضحكة، إذ لم تستطيع مصر أن تضمن حقوقها الكاملة في مياه نهر النيل ، وأذعنت للسدود التي أقامتها إثيوبيا بدعم ٍ إسرائيلي صرف، في حين يكفي صاروخ إسرائيلي واحد للإطاحة بمحطات تحلية مياه البحر السعودية . و نعتقد ملف الحرب المائية الحالية على سورية و العراق ، جزء أساسي من الحروب المائية الكبرى القادمة .