حرفٌ على كتِفِ التَّنَهُّدِ مُمْتَشَقْ= غضبانُ يلعَنُ ما تُسَوِّقَهُ الفِرَقْ
يحدوهُ نبض كادَ مشتعلاً بما= أفتى الأعاربُ من أفانينِ المِزَق
يعدو بهذا التيه يصرخُ وحدهُ= فتردُّ أصداءٌ وينغلقُ الفَلَق
وتضيقُ بالكلمات بيضُ صحائفٍ= ويكادُ يشتعلُ اليراعُ مع الورق
يعدو وأتبعه لعلي أن أخُـطـْ=طَ همامةً حرى بها وجدي نطق
يا أيها الحرفُ النبيلُ سلبتني= نومي وعشتَ بنبض قلبي ما خفق
فعلامَ تهربُ من أنامليَ التي- مَهَرَتْ فصيح القولِ ترسمُه ألَق
أتراكَ قد تخشى عليّ منَ الذي= فرضَ الرَّقابةَ فوقَ أوراقِ الحَبََق
أنا مثلُ هذا الوردِ طيبي أحرفي= وأفوحه هديا وصدقي المُنطَلَق
لم أبتَذلْ قولي وفعلي مُحصنٌ= بضمير وعيٍ لم يدنِّسُهُ الملق
أشدو كطير البرِّ في خضر ِالرُّبا= ويلمني عش المودة في الغسق
وأطير في حلمي إلى أفقِ السَّنا= فأحطُّ صحواً بعدَ ما أخفى الشَّفق
وأهيم بالضاد انتسابا باذخا= متبرِّئاً من مُلْحِنِ عِوجا نطق
هلا أعدتَ إلى انتسابي زهوه= يا حرف ُتطريباً وإحقاقاً لحق؟
أرقتْ جفوني من تبذُّلِ أمتي= في لُجَّة تودي لمحتوم الغرق
ركبت قياداتٌ متون شعوبها= وتناوبوا التجديف والبحر اختنق
ملكوا بلا عرش فكل عروشهم= رهن بتغريب وشرع مختلق
وقصيدتي تتلو عليّ َشرائعي = يا حرف أدركنا ولا تبد النزق
عتقت فيها من سلافاتي التي= أورثت من جدِّي الأصيل ولم أبق
ولرُبما أبدو حزينا إنما= فرحي تفاؤل ناهض بغـــد وثق
أنا ما أنا إلايَ أنبضُ هاجسي= وأرتِّلُ الرؤيا نشيداً من عَبَق
ما كذبت رؤياي إلا عصبةٌ = تنتابها الشبهاتُ في السطرِ الأدق
مابين ساطعة الحقيقةِ والعمى=بونٌ سحيقٌ وعيه كم يستحق
هذي الأخاديد التي يجتازها= واعي البلاغةِ حائزاً قصب السَّبق
عرصاتها اختمرت بوعيي فانتمى=من غير لبسٍ واكتشفت المفترق
مابينَ زيف يمينها ويسارها=وتوسُّطٍ طلقتُ والوعي انبثق
وهمى عليَّ وضيحَ دربٍ رابعٍ= متلألئاً بنجاةِ وعيي إذ بَرق
يا أنصع الصفحاتِ هذي أحرفي= مسكٌ يسوِّدُ فوق خديكِ الألق
فتقبلينا ما عهدتكِ سلطةً = تختارمن وإلى وترفضُ من سمق
هاني درويش (أبونمير)
من مجموعة(قصائد للحب والحياة)