جاك زينغر وجوزيف فولكمان – هارفارد بزنس ريفيو:
الآن وبعد أن أخذ جيل الأشخاص الذين ولدوا في أعقاب الحرب العالمية الثانية بالتقاعد ليحلّ مكانهم مدراء جدد، فما هي أوجه التشابه والاختلاف بين مهاراتهم ومهارات المدراء الأقدم عهداً الذين يحلّون مكانهم؟
بطبيعة الحال، كان افتراضنا يقوم على أنّ المدراء الأقدم عهداً الذي يصحّ وصفهم بالمحاربين القدماء هم أكثر فعالية في كل جبهة من الجبهات تقريباً. ولاختبار هذه الفرضية، قمنا بدراسة البيانات التي راكمناها حول أكثر من 65 ألف قائد. وقد ركّزنا على القادة الذين يقلّ عمرهم عن 30 عاماً (455 قائداً) لنحدّد الخصائص التي تميّز كل مجموعة من هاتين المجموعتين.
40% من أفراد الفئة الأكثر شباباً كانوا من النساء، مقارنة مع 38.5% بين صفوف القادة الأكبر عمراً. وهذا الأمر أرضى بشكل جزئي رغبتنا بوجود تشابه بين المجموعتين. لكنّ الحقيقة التي تشير إلى أن المدراء الأكثر شباباً كانوا قد رقوا إلى مناصب إدارية في عمر صغير نسبياً دلّت على أنّ هؤلاء الأشخاص كانوا بصورة أساسياً من الأشخاص ذوي القدرات الكامنة العالية. فليس من الشائع ترقية الشخص إلى منصب في الإدارة في عمر مبكّر. وبالتالي فإن هؤلاء الأفراد تمكّنوا من البروز والتفوّق على أقرانهم. وضمن صفوف المجموعة الأكثر شباباً، 44% حلّوا في الربع الأعلى للفعالية الإجمالية للقيادة مقارنة مع جميع القادة الموجودين في قاعدة بياناتنا. وفي المقابل، وضمن صفوف المجموعة الأكبر سنّاً، فإن 20% فقط كانوا ضمن الربع الأعلى. وهذه النتيجة تبعث برسالة ملفتة حول المدراء الأكبر سناً.
إن الأداة الشاملة للتغذية الراجعة التي نستعملها تجمع معلومات حول 49 سلوكاً قيادياً. وعندما طابقنا نتائج المجموعتين في هذه الخصائص التسع والأربعين، كان تصنيف المجموعة الأكثر شباباً أكثر إيجابية في كلّ صفة من هذه الصفات. وهذا خبر ممتاز يشير إلى أن هناك قادة أكثر شباباً موهوبين ضمن مؤسساتنا سيكونون قادرين على شغل المناصب الرئيسية.
غير أنّنا حدّدنا أيضاً مجموعة من السلوكيات والتصوّرات التي تشكّل تحدّياً للقادة الأكثر شباباً الذين درسناهم. وقد برزت القضايا التالية:
هم لا يحظون بالثقة الكاملة. لم يكن أعضاء الفريق يثقون على الدوام بالأفكار والآراء التي يطرحها القادة الأصغر عمراً والأقل خبرة. وقد كان هناك دائماً قدر أكبر من التشكيك بالأحكام التي كان يطلقها هؤلاء المدراء الشباب. وعلى المستوى الشخصي، كان هناك قضايا تخصّ الثقة بين صفوف المدراء الأصغر عمراً، والمرؤوسين المباشرين، والأقران.
وهذه قضية نواجهها بشكل متكرّر في عمليات الإرشاد والتوجيه التي نوفّرها للقادة الشباب. فأعضاء الفرق الأكبر عمراً لا يشعرون بالارتياح تجاه العمل تحت أمرة مدير شاب، الأمر الذي يصعّب على القادة الشباب بناء علاقات إيجابية مع زملائهم الأكبر سنّاً.
هم يفتقرون إلى الخبرة والمعرفة العميقة. رغم أن المدراء الأصغر عمراً يمتلكون عادة معلومات أحدث عهداً، ويكونون قد خضعوا لتدريبات أكثر عصرية، إلا أن افتقارهم إلى الخبرة يجعل الآخرين يشكّكون بخبرتهم التقنية ومهاراتهم الاحترافية. وبسبب قصر المدّة التي شغلوا خلالها مناصبهم الوظيفية، فإنهم يفتقرون أيضاً إلى المعرفة العميقة التي يمتلكها الآخرون في المؤسسة.
هم لا يُنظر إليهم بوصفهم قدوة تُحتذى. يجد الأقران والمرؤوسون المباشرون معاناة في تصوّر المدراء الأصغر سنّاً كقدوة تُحتذى. فهم غالباً ما يرون القادة الأصغر عمراً لا يطبّقون عملياً الوعود التي يقطعونها. فالمدراء الأصغر عمراً أميل إلى قطع وعود ليس بوسعهم الإيفاء بها، ليس لأنهم يريدون تعمّد تضليل الآخرين، ولكن لأنّ الآخرين يتحكّمون بالمحصلات. فبالنسبة للقادة الأصغر عمراً، غالباً ما يكون الطريق إلى النجاح قد جاء بسرعة، الأمر الذي يصعّب عليهم التعاطف مع معاناة الآخرين.
هم ينتقصون إلى الحساسية تجاه احتياجات الآخرين. بما أنّ القادة الأصغر عمراً كانوا قد واجهوا تحدّيات أقل خلال مسيرتهم المهنية، فإنّهم يعانون كثيراً في الموازنة بين الحاجة إلى تحقيق النتائج، وإبداء الاهتمام المناسب باحتياجات الآخرين. فهم لا يمانعون العمل لمدّة 80 ساعة أسبوعياً ولا يفهمون لماذا يبدي الآخرون التذمّر. وهذا الأمر لا يعود إلى عدم قدرتهم على إبداء الاهتمام والعناية بالآخرين، وإنما هم يميلون إلى تجاوز هذه القضايا عوضاً عن التوقّف للحظة للتأمّل والتدبّر والتجاوب مع الأشياء التي تقلق بال الآخرين.
هم غير قادرين على تمثيل المؤسسة. عندما تختار مؤسسة ما شخصاً يمثّلها في اجتماع حسّاس أو لدى أحد الزبائن الرئيسيين، فإنّها تريد شخصاً يشبه العلامة التجارية ويمثّلها ويستطيع الإجابة عن الأسئلة الصعبة. وحظّ القادة الأصغر سنّاً بأن يُنظر إليهم على أنّهم قادرون على شغل هذا الدور أقل.
هم يفتقرون إلى النظرة الاستراتيجية. عادة ما تكون النظرة الاستراتيجية للشخص متوافقة مع خبرته وتجربته في قطاع معيّن. والقدرة على التطلّع إلى الأمام تتعزّز بالنظرة التي تأتي من الماضي. والقادة الأصغر عمراً يُنظر إليهم بوصفهم يتمتّعون بقصر النظر وبأنّهم ذوو نظرة استراتيجية أقل بالمقارنة مع كبار السن من أقرانهم. فهم يركّزون بشكل أكبر على التفاصيل والقرارات اليومية بينما يكون تركيزهم على النظرة البعيدة المدى أقل.
لكننا اكتشفنا أيضاً عدداً من الأبعاد التي يتمتّع المدراء الأكثر شباباً فيها بميزة تجعلهم يتفوّقون على نظرائهم الأكبر سنّاً. وفيما يلي الأشياء التي يبرع القادة الشباب فيها:
هم يرحّبون بالتغيير. يُعتبرُ القادة الأصغر عمراً أميل إلى تبنّي التغيير وإظهار مهارات عظيمة في تسويق أفكارهم. فهم يتحلّون بالشجاعة اللازمة لإجراء تغييرات صعبة، ربما لأنّ افتقارهم إلى الخبرة يجعلهم أكثر تفاؤلاً تجاه مقترحاتهم الخاصّة بالتغيير. وهم أكثر استعداداً من زملائهم القادة الأكبر عمراً ليكونوا هم من يقود عملية التغيير.
هم يشكّلون مصدر إلهام للآخرين. يعلم القادة الأصغر عمراً كيف يبثون الحماسة بين صفوف الآخرين وكيف يحفّزونهم لإنجاز الأهداف. وهم قادرون على إلهام الآخرين بحيث يدفعونهم إلى إظهار مستويات أرفع من الجهد والإنتاجية مقارنة مع نظرائهم الأكثر خبرة. فزملاؤهم الأكبر عمراً يميلون إلى ممارسة القيادة من خلال “دفع الآخرين” في حين أن القادة الأصغر عمراً يقودون عبر “جذب الآخرين”.
هم متقبّلون للتغذية الراجعة وآراء الآخرين. هم منفتحون تمام الانفتاح على تلقّي التغذية الراجعة والآراء من الآخرين. وهم يطلبون من الآخرين تقديم رأيهم بأدائهم بوتيرة أكبر ويبحثون عن طرق لاستيعاب هذه الآراء ووضعها موضع التطبيق. أمّا القادة الكبار في السن، في المقابل، فهم أقل استعداداً عموماً لطلب التغذية الراجعة والآراء من الزملاء والتجاوب معها.
يكرّسون وقتهم وجهدهم من أجل تحسين أنفسهم بشكل متواصل. قد يكون هذا الأمر ناجماً عن الاستثمار بقدر أقل في الماضي، لكن القادة الأكثر شباباً أكثر استعداداً لتحدّي الوضع الراهن. فهم في حالة بحث دائم عن طرق مُبتكرة لإنجاز العمل بكفاءة أكبر وبجودة أرفع.
هم يصبّون اهتمامهم على النتائج. حيث أنّ لديهم حاجة عالية إلى الإنجاز، وهم يُسَخِّرون كل طاقاتهم لتحقيق أهدافهم. وفي المقابل، عندما يكون المرء قد قضى دهراً طويلاً في مؤسسة ما، من السهل أن يشعر بالتراخي وبأن يعتبر الوضع الراهن كافياً وليس بحاجة إلى أي تغيير.
هم يجيدون تحديد أهداف عريضة يحاولون دفع حدودها وتوسعتها. لقد كان القادة الأكثر شباباً أكثر استعداداً لتحديد أهداف عريضة ومحاولة الدفع بها قدماً. فبعض القادة الأكبر عمراً كانوا قد تعلّموا كيف يثبّتون هدفهم بحيث أنهم لا يعودون مضطرين للعمل بشكل كبير، أو غير معرّضين لخطر التقصير في العمل. والقادة الأكثر شباباً هم على الأغلب أميل إلى وضع مجموعة من الأهداف العريضة القابلة للتوسعة، وإلى إلهام فريقهم لإنجاز مهام صعبة.
يمكن القول بأنّ كل المؤسسات ستحتاج فعلياً إلى تعيين قادة أحدث عهداً لملء الشواغر التي خلّفها تقاعد أسلافهم ممّن خدموا لفترة طويلة من الزمن. وبالتالي فإنّ فهم نقاط قوّة هذه المجموعة المؤلفة من المدراء الشباب والأحدث عهداً هو أمر في غاية الفائدة. فالقدرة على الاستفادة من نقاط القوّة هذه تمثّل فرصة كبيرة لزيادة الإنتاجية.
لكنّ إدراك نقاط ضعف القادة الأصغر عمراً هو أمر مفيد أيضاً. بعض هذه النقاط لن يصلحها سوى مرور الزمن. بينما يمكن التخفيف من آثار النقاط الأخرى من خلال تقديم خدمات الإرشاد إليهم والانتقاء المتأنّي للمهام التي تعطي المدراء الأصغر عمراً التجارب المطلوبة ليتطوّروا. لكنّ المدراء الجدد والقادة الذين يدعمونهم يجب أن يبدؤوا فوراً، فكلّما بكّرنا في معالجة التحدّيات واغتنام نقاط القوّة، كلّما كانت المكاسب التي سيحققها القادة الأصغر عمراً ومؤسساتهم أكبر. وهناك عدد كبير وزائد عن اللزوم من الشركات التي تنتظر سنوات حتّى تدرّب مدراءها الجدد. فلا تكونوا واحدة من هذه المؤسسات.
تنويه: نشرت هذه المقالة ضمن اتفاقية إعادة النشر باللغة العربية الموقعة بين هيكل للإعلام ونيويورك تايمز سينديكت لنشر مقالات من هارفارد بزنس ريفيو، وتمت ترجمتها في قسم التعريب والترجمة في هيكل ميديا، إن النسخ وإعادة النشر بأي شكل وفي أي وسيلة دون الحصول على إذن مسبق يعتبر تعدياً على حقوق الملكية ويعرض صاحبه للملاحقة القانونية. جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشينغ – 2015.