إيهاب زكي – بيروت برس –
لولا إعلام النفط لما كان لوقاحة التصريحات الغربية من تأثير في عالمنا العربي إلا السخرية، فيقول أوباما مثلًا "لن نغير استراتيجيتنا في محاربة الإرهاب، سنحارب داعش ونستمر بدعم المعارضة المعتدلة في سوريا"، وكأنّ "المعارضة المعتدلة" مخلوقات فضائية وليست مخلوقات داعشية، ويقول هولاند "نرجو أن تؤدي العمليات الإرهابية في فرنسا إلى أن تغير روسيا من موقفها، فتحارب الإرهاب دون تقديم الدعم للأسد"، وهولاند يبدو صغيرًا جدًا حين يحاول ارتداء قبعة دولة عظمى. ثم يقول كيري "نساعد تركيا في تأمين حدودها مع سوريا، وقد فعلنا ذلك بنسبة 75%"، وهذا يعني أنّ تلك النسبة المؤمَّنة أمريكيًا هي مناطق كردية، وهو حتمًا ليس أمانًا تركيًا، فهو يهدد تركيا باليمين ويعطيها 25% لتهدد سوريا بالشمال، من خلال تكريس الدعم للإرهاب. وكل هذه التصريحات وأشباهها بفضل إعلام النفط تصبح مناطًا للتحليل ومرتكزًا لبناء السياسات، فلولا إعلام النفط لكان أكثر هذه التصريحات رصانة مدعاة للتندر، كما أيام إذاعة القاهرة وخطاب الرئيس جمال عبدالناصر الشهير الذي قال فيه "بيقولوا عني في إذاعاتهم إنّي كلب، ثم أردف مقهقهًا، طب دا إنتو ولاد ستين كلب".
ولولا إعلام النفط لما أصبحت سحنة أفيخاي أدرعي وأمثاله البغيضة سحنات مألوفة عربيًا، تقتحم بيوتنا وتحملق في عيون أطفالنا المشدوهين بكذبنا، حيث أننا نخبرهم بأنّ الصهاينة قبيلة من القرود تخفي ذيولها، وقد احتلوا أرضًا بشرية، فإذا بإعلام النفط يؤنسنها، فتمر عيونهم على تلك السحنات ببرود، دون نظرة بغضٍ أو بصقة تحية. فإنّ كل صهيوني يمشي آمنًا ويمسي مطمئنًا على أرض فلسطين هو سُبّة تتوارثها الأجيال لولا إعلام النفط، فقد منحه الحقوق والإنسانية وإمكانية التعايش بل والتوغل فينا حد استعبادنا. ألم يقارن إعلام النفط "إنسانية جيش" العدو بـ"وحشية" الجيش السوري، ألم يقل عبدالناصر "إن حذاء شهيد جندي مصري يساوي تيجان آل سعود"، بينما كل تيجانهم ونفطهم لا يساوي رباط حذاء جندي سوري حيًا أو شهيدًا، ألم يقل فيصل القاسم باسم إعلام النفط "ذبحتوا ربنا بفلسطين"، فلولا إعلام النفط لكان هؤلاء مضربًا للأحذية ممنوعين من التجول، ويحسبون كل صيحةٍ عليهم، ولولا إعلام النفط لما تعايش العقل العربي مع شيزوفرينا "الجهاد" في سوريا واستكانة السلام في فلسطين.
ولولا إعلام النفط لما استكانت الشعوب مع المحتل، ولولا إعلام النفط لما ثارت على نفسها، كان يُخيل للمتابع لأحوال الوطن العربي أن شعوبه مستكينة حد الموت، مجرد جثة تتحرك دكّة غسل الموتى ولا تهتز لها قصبة كما قال الشاعر مظفر النواب، فمن وخز تلك الجثة لتستيقظ اليقظة الخاطئة إلا إعلام النفط، ومن طبَّع عقولنا مع احتلال العراق واستقبال المارينز كفاتحين إلا إعلام النفط، ومن جعلنا نصفق لطائرات الناتو وهي تقصف ليبيا كأنها طير الله الأبابيل إلا إعلام النفط، ومن جعل إيران في اليمن ومن جعل من بيوت فقرائها وأسواقها وتراثها أهدافًا مشروعة، ومن جعل تدمير اليمن وقتل شعبه صحوةً عربية إلا إعلام النفط، ومن جعل من منشأ الضاد في اليمن عدوًا لمن ورث الضاد عنه ومنه، ومن جعل من المرتزقة مقاومة ومن الشهداء ميليشيات وخونة إلا إعلام النفط، ومن جعل من هدم سوريا شعبًا وأرضًا وحضارةً وموقفًا وصيةً نبويةً وأمرًا إلهيًا إلا إعلام النفط، ومن جعل الشعوب بين خيارين، ستار أكاديمي أو داعش، ومن جعلهم بين ثقافتين، ثقافة الاستهلاك الجائف وثقافة الاستعلاء الزائف إلا إعلام النفط.
لولا إعلام النفط لما أصبح درة تاج الأمة السيد نصرالله شاخصًا للتصويب ومحطًا للعداء، ومن الذي جعل من الرئيس الأسد قاتلًا لشعبه إلا إعلام النفط، ومن ربط صموده ودفاعه عن وطنه بل وأمته بالمنصب وشهوة الحكم، ومن جعل من الجيش السوري "عصابة أسدية" إلا إعلام النفط، وفي المقابل من جعل من انبطاح شيوخ النفط وأمرائه حكمة، ومن عبوديتهم واقعية، ومن جعل من انقيادهم لكل المشاريع الاستعمارية الهدّامة جنوحًا قرآنيًا للسِلم إلا إعلام النفط، ومن جعل من تركيا عضو الناتو وحليفة "إسرائيل" شقيقًا للعرب حريصًا على مستقبلهم، ومن جعل من إيران عدوة أمريكا و"إسرائيل" داعمة مقاوماتهم عدوًا للعرب أولى بالقتال إلا إعلام النفط، إن إعلام النفط شوَّه فطرتنا ولوَّث إنسانيتنا، إعلام النفط حوّلنا إلى قطعانٍ لا تدري متى تُعلف ومتى تُذبح، إعلام النفط جعل منا أهل خنا لا غيرة فينا على وطن ولا على موقف ولا حتى على محرّمات، إعلام النفط جعل من المقاومة خيانة ومن الخيانة مقاومة، وجعل من الممانعة نكتة ومن التطبيع رصانة، إعلام النفط جعلنا منحطين فخورين بالقاع.