غسان القيم
………………………..
سورية عبر تاريخها الطويل وحضارتها الزاهية وفنونها المتعددة الغنية بكل ما هو حيوي وجميل جديرة بأن يكون لها مكانها اللائق في هذا المجال .
لأن الغنى والتنوع الموجود في أزياء أهلنا التقليدية وملابسهم عبر التاريخ قلّ وجوده في أي منطقة أخرى من مناطق العالم ,, صحيح أن هناك متاحف في أكثر من محافظة خصصت لها أمكنة وقاعات لعرض بعض الأزياء الشعبية التقليدية ولكن هذا لا يتناسب مطلقاً مع عظمة ما نملك ونطمح لأن تكون هذه الأزياء لها دورها في حركة الحياة لأنها في النهاية تمثل شكلاً من أشكال التعبير الفني والتراثي . من منطلق أن الملابس تمثل أكثر من مجرد الحماية إزاء عناصر الطبيعة لأنها توصل العديد من العلامات والرموز المتعلقة بمرتديها فهي في الجوهر لغة بصرية تسمح لنا أن " نقرأ" حتى قبل أن نشرع في الكلام وتقوم بنقل رسائل مؤثرة من حقب وثقافات اندثرت منذ زمن طويل . فقصتها وألوانها تخبرنا عما كنا عليه ذات يوم . لقد أدركت الدول المتقدمة أن " الموضة " القديمة وتطوراتها عبر العصور والأزمنة تستحق العناية والدراسة الجدية فأنشأت لها المتاحف الخاصة فثمة ما يزيد عن مئة متحف في العالم مكرسة للملابس والأزياء دون أن نذكر تلك التي تخصصت في مجال الأحذية ومساحيق التجميل والتطريز والفرو والمجوهرات وأشغال الأبرة والحرير والمنسوجات والأزياء الموحدة والغزول وغيرها .. إن المجال الحضاري والتراثي والفولكلوري لسورية يتيح لنا بحرية ودقة البحث عن مصادر الأزياء والملابس التي كانت منتشرة فيها منذ عصورها الموغلة في التاريخ وحتى اليوم . وهناك أكثر من هيئة أو مؤسسة أو جمعية أهلية يمكن أن تقوم بهذا العمل الذي يمكن أن يشكل مادة غنية جيدة لدراسة الثقافة والمجتمع في سورية . إذ أن الملابس والأزياء تضم الكثير من المعلومات عن المجتمع وقيمه وطقوسه وأفراده .. وتؤدي الملابس دورها في نقل المعلومة والرسالة بين الفرد والجماعة وتقدم رؤية لذواتهم أي هويتهم التي تشتمل على فكرة الانتماء إلى إحدى فئات السن أو الجماعة الاجتماعية أو المهنية . إن القيام بهذا المشروع الحضاري بكل أبعاده ومدلولاته سوف يتيح لنا أن نرى كيف كنا نعيش في عصورنا القديمة واستكشاف مفاهيم الجمال والتدرج الاجتماعي والطقوس الانتقالية والتكنولوجيا والتجارة ووسائل الوقاية والجاذبية البشرية . والأهم من كل هذا وذاك أن حيوية هذا العمل سوف تفتح أمامنا مجالات واسعة للتعرف على كنوز حقيقية ليست في اهتمامنا في وقتنا الراهن ولكنها ستكون بكل تأكيد مصدر إبداع وإلهام .
غسّان القيّم…