هو أحد أبرز الأسماء اللامعة في فضاءات الكتابة للمسرح والسينما البريطاني والحائز على جائزة نوبل للآداب لعام 2005 وهو الفنان الانسان الذي اشتهرت أعماله الفنية بالعمق الفكري وتجسيد معاناة الفرد في التغلب على كل ما يهدد حريته، مثلما اشتهرت مواقفه السياسية النضالية القوية بالجرأة والالتزام حيال القضايا الانسانية المختلفة.
وكان قد برز اسمه في الأشهر التي سبقت شن الحرب على العراق كأحد كبار المعارضين لها، ولسياسات الولايات المتحدة واسرائيل في الشرق الأوسط، وسياسات العولمة لدول الشمال الصناعي في محاولاتها الهيمنة والاستحواذ على مقدرات دول الجنوب الفقير، ورغم جذوره اليهودية إلا أنه اشتهر بمناصرته القوية للقضية الفلسطينية، وكان صوته قوياً في دعم الشعب الفلسطيني وإدانة الكثير من الممارسات الاسرائيلية وكان يجمع التوقيعات من يهود بريطانيا لإدانة اسرائيل على جرائمها ضد الفلسطينيين، وفي الحفل الأخير الذي نظم في لندن تكريماً لذكرى الشاعر الراحل محمود درويش بعث بقصيدة قرأت بالنيابة عنه.
واشتهر عنه وصفه الرئيس الأمريكي جورج بوش بأنه «قاتل جماعي» ورئيس الوزراء البريطاني بأنه «أبله مخدوع» وشبه ادارة الرئيس بوش بألمانيا في عهد هتلر، وقال: «الجرائم التي ترتكبها الولايات المتحدة في شتى أرجاء العالم جرائم منظمة ومتواصلة ومحددة الأهداف وقاسية وموثقة بالكامل، لكن ما من أحد يتحدث بشأنها».. ويذكر أيضاً انه كان من أبرز ناشطي «حملة التضامن مع كوبا» المناصرة للرئيس فيدل كاسترو، وبالاضافة الى ذلك انعكس نشاطه السياسي هذا على أعماله في فترة التسعينيات، وهو ما ظهر جلياً في أعماله الأدبية «النظام العالمي الجديد»، و «من الرماد الى الرماد»، والمجموعة الشعرية حرب الصادرة عام 2003، وضمّنها قصائد تتناول بشاعة الحرب التي شنتها الولايات المتحدة وبريطانيا على العراق، وراح يرثي الضحايا، أطفالاً ونساء، والأبرياء الذين قتلوا ظلماً.
أبدع في الكتابة فقدم 29 نصاً للمسرح من عناوينها المهمة «مدبر المنزل» (1959) و«العودة للديار» (1964) و«الخيانة» (1978)، و26 سيناريو للسينما من أشهرها «الخادم» اخرجه جوزيف لوزي عام (1963) و«عشيقة الضابط الفرنسي» (1980) من اخراج التشيكي كارل رايز الذي رشح للاوسكار، وأعمالاً عديدة للإذاعة والتلفزيون ومقالات للصحف وأشعاراً، كما قام بإخراج أكثر من 50 عملاً مسرحياً وسينمائياً، وقد تلقى عدداً كبيراً من الجوائز والشهادات الفخرية، توجها بجائزة نوبل للآداب، وقالت الأكاديمية السويدية التي تمنح الجائزة لدى اعلانها فوز بينتر بأنه أبرز ممثل للمسرح الدرامي الانكليزي في النصف الثاني من القرن العشرين، لأنه «يكشف الهوة الكامنة خلف ثرثرة الحياة اليومية ويفرض دخول غرف القمع المغلقة».
ولا غرابة أن ينتفض هارولد بينتر في سبعينه وينتقد كل ما يجري حوله، فقد كان طوال حياته الخصبة نصيراً لهذه القيم التي تتبخر، فقد عاش في «ستوك نيوانجتون»، حيث ولد في 10 تشرين الأول 1930 وفي «هاكني» شرق لندن حي الفقراء، والسود لعائلة تنتمي الى الطبقة العاملة.
وفي سنوات طفولته الأولى كانت الغارات الألمانية لا تتوقف عن قصف بريطانيا أثناء الحرب العالمية الثانية، وفي عام 1941 عانت عائلته من النزوح وبقيت ذكرياته عن تلك الفترة راسخة في كل أعماله الأدبية تعكس مشاعر الوحدة والعجز والحرمان والفقد، وناضل في حركات سياسية وضعت العدالة الاجتماعية في أعلى سلم القيم، وطالبت بنظافة المواقف السياسية وشفافيتها، ونشر عدداً من قصائده في عمر مبكر واشتغل بالتمثيل تحت اسم «ديفيد بارون»، وفي عام 1948 التحق بالأكاديمية الملكية لفنون الدراما، إلا أنه فصل منها بعد عام لعدم التزامه بالحضور، وفي عام 1949 عندما كان «بينتر» في الثامنة عشرة من عمره تم تجنيده للانضمام للجيش البريطاني، لكنه رفض الانصياع للأوامر وأصر على أن الحرب تتعارض مع مبادئه الانسانية، وكان لهذه الحادثة الأثر الكبير في تشكيل اتجاهاته السياسية، اذ سرعان ما انضم الى حركة لنزع الأسلحة النووية البريطانية، وعام 1957 عرض طلاب جامعة بريستول مسرحيته للمرة الأولى «الغرفة»، والتي تلخص بحسب أغلب النقاد والباحثين في مسرح بينتر فلسفته العبثية في أغلب مسرحياته، كصرخة احتجاج حادة في وجه تداعيات التمايز الطبقي ثم قدم مسرحية «حفلة عيد الميلاد» التي تم تحويلها الى فيلم سينمائي في سنة 1968، بعد النجاح الكبير الذي حققته مسرحيته الاذاعية «الوجع» سنة 1959 التي تم عرضها فيما بعد على أحد مسارح لندن استطاع بينتر أن يضمن لنفسه نجاحاً آخر في مسرحية «الوكيل» التي تم تحويلها من فيلم سينمائي في سنة 1963.
في حين ساهمت مسرحية «العودة» في تعزيز شهرته كمبتكر طروحات مسرحية مميزة، والى جانب تلك الأعمال المسرحية الأولى فإن أعمالاً أتت فيما بعد مثل «المشهد» (1969) و«الصمت» (1969) و«ليل» (1969) و«الأيام الخوالي» (1971) ساهمت وعلى نحو أكثر قوة في إلغاء الطقوس المسرحية التقليدية القديمة التي تعتمد على الحركة الجسدية، وعلى النحو ذاته توالت نجاحاته في أعمال مثل «الأرض الحرام» (1975) و«الخيانة» (1978) وأطلق النقاد على أعماله الأولى وصف «كوميديا الخطر».
ويذكر أن بينتر تأثر كثيراً بالكاتب المسرحي الآيرلندي صموئيل بيكيت بدءاً من أعماله المبكرة، وكان هذا في حد ذاته دافعاً لصداقة قوية بينهما.
وفي حقبة السبعينيات من القرن الماضي تفرغ للإخراج وأصبحت مسرحياته أكثر قصراً ومحملة برموز تدين الاضطهاد والعنصرية والقمع، كما زاد نشاطه السياسي دفاعاً عن الحقوق والحريات.
رحل بينتر عن هذا العالم في 25 كانون الأول عام 2008 بعد معاناة طويلة مع مرض سرطان الحنجرة .
إعداد : محمد عزوز