غسّان القيّم..
…………………..
أعطينا وثائق رأس الشُمرة معلومات مفصلة عن أسطول أوغاريت التجاري وأنواع البضائع التي كان ينقلها وعن الأنظمة التي كانت تسود الحركة في المرفأ. إن ذلك التبادل التجاري جعل من أوغاريت مكاناً يقطنه أناس ينتسبون الى شعوب مختلفة والوثائق المكتشفة فيها برهنت على أن سبع لغات كانت معروفة في أوغاريت إضافة الى اللغة التي كان يستعملها سكان أوغاريت الأصليين. لقد تركت هذه العلاقات بصمات
واضحة في المجتمع الأوغاريتي تجلت في الصناعة والثقافة والأدب والدين. والمرافئ التي كانت تابعة لأوغاريت إضافة الى مينائها الرئيسي «مينة البيضا» تحتل مركزاً مرموقاً على المتوسط وكان بحرها الإقليمي يموج بالسفن المحملة بالبضائع المصدرة والمستوردة. واعُتبرت أوغاريت في تلك الفترة من الزمن من أكبر القوى البحرية. ذكرت المصادر أن اسطولها التجاري كان يضم حوالي /200/ سفينة تجارية وصلت هذه السفن أوغاريتية الى مالطا وخليج نابولي ومصر ونهر التيبر وكذلك الى البحر الأسود عبر الدردنيل وبحر مرمرة والبوسفور لذلك تنامى مع الأيام طمع دول المنطقة الكبرى للسيطرة على هذا المركز التجاري الهام. ومن بين الصادرات التي كانت أوغاريت تصدرها المنتجات الزراعية كزيت الزيتون والخمور المادتين الرئيستين وكانت تعبأ هذه المنتجات في جرار فخارية كبيرة ذات حجم موحد مصنعة في المدينة. واختصت أوغاريت أيضاً في انتاج بعض المنسوجات والأصبغة والصوف المصبوغ بالأرجوان الذي أدى الى شهرة المدنيين الفينيقيتين صيدا وصور. في الألف الأول قبل الميلاد، وقد ساعد قرب الغابات في إزدهار صناعات حرفية وخشبية ترافق نموها مع صناعات محلية وكان خشب البناء يصدر الى مصر وبلاد الرافدين وازدهرت الفنون التي تعتمد على النار كالتعدين والزجاجيات والخزفيات فالمواد الخام مثل النحاس والقصدير بالإضافة الىالمغنيز الحديدي وأوكسيدات الرصاص كانت هذه المواد تستورد ثم تصنع ويعاد تصديرها. أما واردات أوغاريت فيبدو أنها عاشت نظام اكتفاء اقتصادي وذاتي بالنسبة للمواد الاستهلاكية الأولية فالاستيراد انحصر في ميدان الكماليات كما شهدت على ذلك اللقى الأثرية وكان من بين الواردات الكهرمان الذي وجد في أوغاريت بشكل حلي واللازورد كان يأتي من بادشان «أفغانستان» حالياً والحلي والعاج يأتي إما من إفريقيا عبر مصر أو من الهند وكانت مصر مصدراً كبيراً للكماليات الفاخرة. مثل الصحون المرمرية الأوعية والحلي إضافة الى المنتجات المحلية ذهب مصنع حجارة صلبة أما الواردات التي تأتي من بلاد ما بين النهرين كانت ذات طابع ثقافي على وجه الخصوص. وتخبرنا الوثيقة وهي رسالة بعث بها ملك صور الى ملك أوغاريت يخبره فيها عن الكارثة التي وقعت بالقرب من صور يقول فيها: «السفينة التي أرسلتها أنت الى مصر قوية لكن ها هي تتحطم على شواطئ صور بعد أن وقعت تحت أمطار غزيرة لقد تسلم رئيس فرقة حرس السواحل الحمولة كاملة من البحارة وحمولتهم كلها تسلمتها أنا كما تسلمتهم جميعهم من يد رئيس فرقة حرس السواحل وأعدت إليهم حمولتهم وها هي سفينتك ترسو في عكا بغير حمولة وليس ثمة ما يقلق قلب أخي» والوضع الذي يضعه هذا النص يدل على علاقات الود والصداقة القائمة بين أوغاريت وصور…
أوغاريت ..ستبقى شاغلة الدنيا ومالئة الناس ..
..عاشق أوغاريت ..غسّان القيّم..