المهندس سائر مقصود .jpg)
قرأت في السفير صباح هذا اليوم خبرا مفاده : رحيل كلوفيس مقصود.. "خطيب القضيّة العربيّة"
لم يستوقفني تاريخ الرجل المليء بالقرارات والمواقف الجريئة
ولم تستوقفني بطبيعة الحال ، كنيته ، فهذا أبعد ما يمكن أن أفكر فيه
علما أن صوت المذيعين و المذيعات ما يزال يرن في أذن طفولتي ومراهقتي عن موقف أو عن تصريح لكلوفيس مقصود مندوب "الجامعة العربية " لدى الأمم المتحدة
استوقفتني عبارة " خطيب القضية العربية " لرجل استقال من منصبه في عام الغزو العراقي للكويت ، ولرجل استفاض في الحديث عن "أزمة اليسار العربي " إبان الحلم بيسار عربي حقيقي
ولكن ،
استوقفتني عبارة "خطيب القضية العربية " لأمرين اثنين
الأول : أي قضية عربية في زحمة القضايا المصيرية التي يمر بها العالم العربي إن استطعنا أن نتجاوز كل شيء ولا نسأل : هل هناك ، حقاً ، عالم عربي ؟ّ ، وشعب عربي ؟! يعيش الإنسان فيه ضمن أمة لا ترتب درجاته الإنسانية حسب الدين أو الطائفة أو المذهب أو العرق .
وأي العواصم هي التي يحق لها أن تنادي بقضايا العرب المصيرية ، وترتبها في جدول الاهتمام والمهام ، وأي القضايا العربية يمكن أن توضع في هذا الجدول وكيفية ترتيبها ، لأن أساس الجواب يحدد أس هذا العالم العربي
إن البيئات العربية باتت في حالة صراع طاحن في تحديد ماهية القضية العربية التي تشغل الموقع الأهم وتنفي الأخريات أو تؤجلها أو لا تعترف بها .
سيقول قارئ أن الدكتور كلوفيس رجل القضية العربية وهي قضية فلسطين …
أحقا ما تزال قضية فلسطين هي قضية العرب ، ونجد الهجمات الانتحارية المباركة في بيت مال العرب تحدث في العراق وسوريا
أحقا ما تزال قضية فلسطين هي قضية العرب ، ونجد الجيوش العربية منهمكة في دراسة تضاريس الجغرافيا العسكرية لليبيا واليمن والعراق وسوريا وجنوب لبنان
أحقا ما يزال هناك يسار عربي ؟!، وهل يحدث أن نقول أن هناك يسار عربي وأرقى وظائفه مراسل صحفي أو مندوب إعلامي لمشايخ دين، وآيات نفط …
والأمر الثاني : استذكاري لعمي "أبو سعيد"
أبا سعيد هذا ، حقيقة ماثلة ، وليس سردا استعاريا لأغنية اليسار العربي يوما ما " حكيولي عن بوسعيد حكمو كريزة نهار العيد …" راجع أغنية مارسيل خليفة – الله ينجينا من الآت
أبا سعيد هذا هو استعارتي للأمر الثاني ، محاولا أن أوارب قليلا لضرورة الجناس الأدبي ، لا اقتيادا بتجربة " وليد بك جنبلاط"
قصة أبو سعيد
حينما غادر سوريا إبان دموية الإخوان في ثمانينات القرن الماضي ، توجه للعمل في أبو ظبي
عاد إلى سوريا في منتصف التسعينات ، بعيد "انفتاح العالم العربي على سوريا" بعد خصومات القضية العربية ..
أراد أبي سعيد بروحه الشابة أن يبدأ عملا نهضويا في سوريا موجها للشباب ، ولملاحظته الدعم الكبير الذي بدأ في سوريا باتجاه المعلوماتية ، فقد بدأ مشروعه السوري بعد اغتراب " مركز متخصص ومتميز في علوم الحاسوب : دورات متميزة ومحاضرات نوعية إضافة إلى خدمات تقنية كانت تغطي نفقات المحاضرات وتزيد" ، وقد أعطى هذا المركز اسما يستدل منه على التاريخ الحضاري لمدينته…
حقق المشروع ربحا جيدا ، والأهم من ذلك استقلالية صاحبه عن الواقع ، عن البيئة ، فبني عالمه الخاص المليء بالتي أصبحت في منتصف العقد الأول من الألفية الثالثة متناقضات لا يغيّبها إلا حديث الذكريات …
لم يكن المجتمع هو ذاته لا في سوريا ولا في دول اليسار العربي كذلك، فقد أصبح الشيوعي شيخا ، واليساريّ بأنماطه المتعددة يلهث لأن يظهر مذهبه قبل رأيه السياسي ، والمربية الفاضلة صار شغلها الشاغل أن توبخ البنات على عثرة في ارتداء غطاء الرأس ، أو فك بعض أزرار تلك "الجاكيت" الطويلة التي تصل الأرض من جهة وتحف أطرافها الرقبة من جهة أخرى…
في إحدى جلسات "يسار الذكريات العربي" لم يوقف حدّة النقاش حول تموز 2006 بين أصدقاء أبي سعيد إلا تحوله في الحديث نحو أرداف صبية من المارة في الطريق …
في نهاية العقد الأول من الألفية الثالثة وقع أبو سعيد في ضائقة مالية ونفسية ، فولده الذي أراد أن يورثه المشروع رفض ، وأراد أن يشق لنفسه طريقا آخر ، ونمط العمل دخل عليه الكثير من التبدّل والتطور ، ودورات مركزه خرجت أناسا واثقين بأنفسهم حد مضاربتهم بذات العمل وفي نفس الموقع على عمل أبي سعيد مستندين إلى علاقات لا تبنى على نظرة اليسار العربي الذي صار أضعف في الحقيقة ، كما روحه الشابة ، مما توقعه .
وحينما جاء "الربيع العربي" بديلا عن "اليسار العربي" ظهر النشطاء بشكل جعل هذا اليساري يُخرج مارد الانفعال من قمقمه فاستشاط بالنشطاء سبابا وتعنيفا ومنعهم من ارتياد ذات المقهى الذي يرتاده ، فخرجوا اليه من فضائيات ، وبعضهم أبناء صحبة سابقة ، أو معارف ، لم تسمح له سنواته العشرين في الامارات أن يجعلهم يصدقوه بديلا عن هؤلاء " النشطاء " فكمد يساره العربي ونزف .
رحل كلوفيس مقصود ، في واشنطن ، كما رحل اليسار العربي في الخليج وحروبه "المقدسة "… بانتظار ولادة جديدة -بعيدة بعض الشيء عن المنال الآن- لآلام هذي الأرض التي أولدتها الظروف الدولية قضايا أخرى لم تكن في رحمها بل كانت في أماكن أخرى من جسد الأمة …
أخيرا ً : سألني ابني البارحة من باب الحزازير : بابا ، من هي الدولة العربية التي جزء منها مال ، وجزء تراب ؟! ، وحين رفضت أن أجاوب قال لي مستهجنا "قلة ذكائي" : فلس طين