….حلـــــــــــب الشهبــــــــاء درة من درر الكــــــــــون .jpg)
…………..حاضــــــرة سيــــف الــــــدولة وديـــوان المتــــــــنبي
……………كل حضــارات العــالم انطلـقت أو مـرت في حـــــلب
ـــــــــــــــــــــالمحامي الاستاذ محمد محسن ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سؤال يكاد يطبق على عقول كل الدول والقوى المتورطة والمشتركة في الحرب العدوانية على سورية ، وهو السؤال ذاته الذي يكاد يمسك بتلابيب خناق معارضات العمالة والتآمر التي انتقلت من مواقع المعارضات إلى مواقع الإرهاب ، والتي تبتهل ليل نهار لسيطرة " داعش والقاعدة "على البلاد التي كانت وطنهم . ويحير ذات السؤال كل الذين يقبعون في المنطقة " الرمادية " من الحالمين الذين لم يتمكنوا من تجاوز أحقادهم .
………ما هـــو سر صمــــــــــــــود حــــــــــــــــــــــلب ؟!!
من يقرأ التاريخ منذ فجره الأول لا يفاجأ بمواقف الشعب العربي في حلب ، لأن لحلب إسهاماتها وبصماتها في كل قفزة نوعية من انتقالات التاريخ الحضارية ، ويزول عنه العجب عندما يعرف أن التاريخ كان يعبر من بوابات حلب ، فمنها مر طريق الحرير الذي ربط الغرب بالشرق تجارياً وثقافياً ، لذلك كانت الطريق والممر الاجباري لحضارات الدنيا تؤثر وتتأثر بكل ما تنتجه الإنسانية من معرفة لأنه يمر منها وعبرها ومن خلالها فتأخذ منه وتضيف إليه ما يغنيه ، وكانت عبر تاريخها حامية للثغور والقادرة دائماً على رد هجمات الروم ، واعتبر المؤرخون انطاكية الشقيقة التوأم لحلب ، كانتا موئلاً للفلاسفة والمفكرين ، حتى أن كتب التاريخ تؤكد أن أرسطو وغيره من فلاسفة اليونان كانوا قد تتلمذوا على يد فلاسفتهما.
ولقد بلغت حلب ذروة نشاطها العلمي والمعرفي في عهد الدولة الحمدانية حيث أصبحت موئلاً للعلم والأدب وبخاصة في عهد الأمير سيف الدولة ، حيث باتت قبلة للشعراء والأدباء والتراجم ، ويكفيها أن شاعر العربية الأول المتنبي قد عاش في ربوعها ، الذي قال أجمل ما قيل شعراً في العربية حيث قال :
……..مادحاً سيف الدولة بعد عودته من معركة ظافرة مع الروم .
.
" وقفت وما في الموت شك لواقف …. كأنك في جفن الردى وهو نائم "
.
هذه الحاضرة كانت ولا تزال مخرزاً في عين تركيا ، التي حاولت في عهد السلطنة العثمانية الظلامية إلغاء هوية حلب العلمية والانسانية عبر قرون الاستعمار التركي الأربعة ، كما عممت التخلف في كل أرجاء الجغرافيا التي وقعت تحت حكم السلطنة ، : لكن حلب كانت نصب عينيها الهدف الأهم فعملت ولا تزال على تحجيمها والتضييق عليها على أمل الانقضاض عليها واغتصابها في أية فرصة سانحة ، و سنذكر ببعض المحطات التاريخية التي قاست فيها حلب من ظلم الأتراك ولا تزال .
.
1. عندما احتلها العثمانيون الظلاميون باسم الإسلام قتلوا كل فلاسفتها وعقلائها ومفكريها ، وحولوها من حاضرة للعلم والمعرفة إلى مدينة تابعة إلى عرش السلطنة ، وحولوا الدين فيها كما فعلوا في جميع مستعمراتهم من أداة للإرشاد ودعوة للأخلاق وبث روح المحبة بين الناس ، إلى مجرد طقوس وحركات تؤدى في أوقاتها ، فسلبوا الدين روحه ومراميه ، وانصب جل اهتمامهم على الشكليات والقشور ــ كيف تدخل إلى الحمام ، كيف تتوضأ ، المرأة كلها عورة ، طقوس الحج ، وغيرها ــ من الأمور الثانوية التي لا تؤدي أي دور اجتماعي تنويري ، بل تبقي المجتمع في حالة فراغ وجهل ، ولقد أنصف المؤرخون تلك الحقبة التي دامت أربعة قرون عندما وصفوها ــ بعصور الظلام ــ ، وواهم من يعتقد أن مجتمعاتنا قد تعافت من تلك العقابيل وهذه الإفرازات ، والطفرات الإرهابية ليست إلا الأبن الشرعي لعصور الظلام تلك ، ويكفي أن نعرف أن الحركة الوهابية التي تكفر جميع المذاهب الإسلامية قد نمت وترعرعت في أحضان العثمانية المقيتة تلك .
.
2. حاصرها العثمانيون وضيقوا عليها مجالها الجغرافي ، كما ضيقوا عليها مجالها العلمي والمعرفي والقيمي ثانية ، عندما أغلقوا عليها كل المنافذ البحرية والبرية ، فسلخوا لواء الإسكندرون الذي كان مرفأ حلب الوحيد والشريان الذي يصلها بالعالم الخارجي كحاضرة علمية وكمدينة تجارية وصناعية ، " وبسلخه " قطعوا أهم أوردتها التي كانت تمدها بالحياة ، وحولوها بذلك من حاضرة للعلم والمعرفة والتجارة ، وصلة الوصل بين الغرب والشرق ، لا تدانيها مدينة في الشرق ولا تنافسها أية مدينة تركية ، فحولوها إلى مدينة محاصرة جغرافياً تتكئ بكل مستلزماتها الاقتصادية على ما يأتي إليها عبر البوابات التركية . لقد تم سلب لواء الإسكندرون من أرضه الأم سوريا برضا وتشجيع الدولة المستعمرة فرنسا ، شراءً لموقف تركيا من الحرب العالمية الثانية ، وحتى تسهم تركيا في الإطباق على الثائر ابراهيم هنانو ، وتقول بعض المصادر أن ذلك لاقى قبولاً لدى بعض الحكومات السورية المتعاقبة في حينه لأسباب دينية مرضية .
فاللواء السليب لم يكن مطلاً وشرياناً بحرياً لحلب فقط ، بل كان منطلقاً لحركة التحرر العربية ، التي قادها المناضل المفكر والفيلسوف زكي الأرسوزي ، والذي تخرج من مدرسته رفاقه ــ ساطع الحصري ، وسليمان العيسى ، وصدقي اسماعيل ، والدكتور وهيب الغانم ، وغيرهم من المناضلين ــ كما كان جغرافيا تزيد مساحته عن 6000كم2، ويشكل حوضاً مائياً كبيراً يصب فيه نهران ــ العاصي ، ونهر الأسود ــ .
وكانت تركيا العثمانية المستعمرة البغيضة قد اغتصبت قبل ذلك وسرقت من وطننا الحبيب جميع الأراضي الواقعة جنوب جبال طوروس وزغروس التي كانت تشكل الحدود الطبيعية والجغرافية بين بلاد الشام والدولة الطورانية ، والتابعة لولاية حلب وتسمى " كليكيا " وأهم مدنها ديار بكر ــ موطن قبيلة بكر العربية ــ وأورفه ، ونصيبين ، وغيرها وبذلك تكون دولة العدوان قد حاصرت حلب من الشمال والشمال الشرقي ، وهي أرض خصبة يصب فيها نهران سيحون وجيحون وتشكل أيضاً حوضاً مائياً كبيراً وينبع من جوارها نهر الخابور العظيم ، وتزيد مساحة " اللواء وكليكيا " المغتصبتين عن مساحة لبنان ، بذلك تكون تركيا العثمانية وبعد أن أطبقت حصارها على حلب الشهباء وحرمتها من ثلاثة ارباع مجالها الاجتماعي والاقتصادي ، تكون قد ألحقت بها ضرراً لا يمكن أن يعوض إلا باسترجاع الأراضي التي سلبت .
من هنا يمكن قراءة " أرضية التحدي " التي تقف عليها حلب ضد عدوها اللدود القديم الحديث تركيا .
.
3……………. أطماع تركيا القديمة والحديثة بحلب الشهباء :
لم يكن هدف تركيا العدوانية سلخ اللواء وكليكيا فقط بل كان الهدف دائماً حلب كل حلب ، فعينها عليها عبر تاريخها ، ومطامعها تلك لم تغب عن الساحة السياسية يوماً ، وما انخراط تركيا الكامل بهذه الوحشية وبذلك الزخم في الحرب العدوانية على سورية ، إلا توطئة لتحقيق هذا الحلم العتيق ، ولقد اهتبل أردوغان السلطان العثماني الجديد هذه الفرصة ، فزج بجيشه وأجهزته الاستخبارية وكل عملائه بهذه الحرب ، فسلح ومول ودرب وسهل مرور الإرهابين ، وتخادم معهم استخباراتياً ، واشترى النفط المسروق ، ثم سرق معامل حلب بعد أن فككها قطعة قطعة ، ونقلها لتباع في الأسواق التركية " كخردة " والتي كانت المنافس الأهم للصناعات التركية ، كل ذلك وأردوغان يحلم بالليل والنهار بأن حلب قد تكون جائزته الكبرى على اسهاماته " الجلا "في هذه الحرب القذرة .
ولكن حلب " خربطت " جميع معادلاتهم وخططهم واربكت استراتيجييهم العسكريين والسياسيين ، وأذهل صمود أهل حلب الدنيا أصدقاء وأعداء ، حتى أن الكثيرين شبهوا صمودها بحق بصمود " ستالين غراد " الروسية .
نعم صمود حلب هو من صمود الشعب العربي في سورية ، وتحرير حلب الشهباء بسواعد وعقول جيشنا البطل وحلفائه وأصدقائه ، فضلاً عن أنه سيكون مكافأة يستحقها أهلنا الأعزاء في حلب ، سيكون أيضاً المخرز الذي سيفقأ عيون حلف العدوان بكل أطرافه من الولايات المتحدة وصولاً إلى تركيا الإخوانية والسعودية الوهابية وأعوانهم وجميع أدواتهم الإرهابية ، وسيضع اللبنة ما قبل الأخيرة في صرح الانتصار القادم ، الذي بناه شعبنا بصبره ، بثباته ، بتحمله ، وبمواجهاته المديدة عبر سنوات ست .
…………….هل سيأخذون العبرة ويتعظون ؟!!
……………………لا لـــــن يتعــــــــــظوا !!
ما دامت أحلام دول العدوان قد تبخرت أو في طريقها إلى ذلك ، وكل آمالها وأمانيها قد تبددت أو في طريقها إلى التبدد ، وعلى صخرة الصمود الحلبي قد تحطمت ، فهل سيكون الصمود الحلبي النذير الذي سيدفعهم لإعادة حساباتهم والعودة عن غيهم ؟
هذا الاحتمال يتردد في أذهان البعض ويغلب على كتاباتهم وتحليلاتهم ، ويبني عليه البعض مواقف واستنتاجات لا تمت للواقع ولا للمنطق بصلة ، لأن دول العدوان بما فيها تركيا ومنذ أن بدأت الحرب ، كانت تراهن على هزيمة المعسكر المعادي لإسرائيل ، وبهزيمة هذا المعسكر المؤلف من سورية وحزب الله وايران والذي سيمس مصالح روسيا الاتحادية بالضرورة .
بهذه الهزيمة المأمولة تترسخ الهيمنة الغربية ، ويضاف عقوداً إلى عمر المملكة السعودية العتيقة الآيلة إلى السقوط حتماً ، لذلك لا يوجد حل وسط بين المعسكرين ، فلا بد من هزيمة معسكر العدوان ودحره ، وهذه الهزيمة سينتج عنها قوة دفع ارتدادية توازي بل تزيد عن الحالة التراجعية التي ستلحق بمعسكر العدوان ، وستوظف كإنجازات تاريخية جذرية لصالح المعسكر الذي يواجه العدوان بكل شجاعة واستبسال ،
إذن الحرب هي حرب بين معسكرين ، لا يمكن أن نتوقع حلولاً وسطاً بينهما ، ولا يجوز أن نبني على العلاقة الروسية التركية الجديدة أي امر دراماتيكي يغير مجرى الحرب ، فتركيا العثمانية الطورانية عدوة العرب في الماضي والحاضر وفي المستقبل ، وهي حليفة طبيعية لكل أعداء العرب ، وكما لا يجوز أن نبني آمالاً على تغيير الموقف التركي كذلك لا يجوز أن نعتقد أن السعودية قادرة على تغيير جلدها الوهابي التكفيري المهدد لتاريخ الإسلام ومستقبله ، وهذا التوصيف ينطبق على أعداء الإنسانية الاستعمار الغربي بقيادة أمريكا .
……إذن الحرب سجال ، وكلما صرخ الغرب وتباكى على ضرورة تقديم المساعدات الإنسانية ، كان المؤشر يؤكد
………على أن العدو في مأزق وأن النصر قريب …وأن النصر قريب
…………………………………….هذا هو المعيار
.jpg)
…………..حاضــــــرة سيــــف الــــــدولة وديـــوان المتــــــــنبي
……………كل حضــارات العــالم انطلـقت أو مـرت في حـــــلب
ـــــــــــــــــــــالمحامي الاستاذ محمد محسن ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سؤال يكاد يطبق على عقول كل الدول والقوى المتورطة والمشتركة في الحرب العدوانية على سورية ، وهو السؤال ذاته الذي يكاد يمسك بتلابيب خناق معارضات العمالة والتآمر التي انتقلت من مواقع المعارضات إلى مواقع الإرهاب ، والتي تبتهل ليل نهار لسيطرة " داعش والقاعدة "على البلاد التي كانت وطنهم . ويحير ذات السؤال كل الذين يقبعون في المنطقة " الرمادية " من الحالمين الذين لم يتمكنوا من تجاوز أحقادهم .
………ما هـــو سر صمــــــــــــــود حــــــــــــــــــــــلب ؟!!
من يقرأ التاريخ منذ فجره الأول لا يفاجأ بمواقف الشعب العربي في حلب ، لأن لحلب إسهاماتها وبصماتها في كل قفزة نوعية من انتقالات التاريخ الحضارية ، ويزول عنه العجب عندما يعرف أن التاريخ كان يعبر من بوابات حلب ، فمنها مر طريق الحرير الذي ربط الغرب بالشرق تجارياً وثقافياً ، لذلك كانت الطريق والممر الاجباري لحضارات الدنيا تؤثر وتتأثر بكل ما تنتجه الإنسانية من معرفة لأنه يمر منها وعبرها ومن خلالها فتأخذ منه وتضيف إليه ما يغنيه ، وكانت عبر تاريخها حامية للثغور والقادرة دائماً على رد هجمات الروم ، واعتبر المؤرخون انطاكية الشقيقة التوأم لحلب ، كانتا موئلاً للفلاسفة والمفكرين ، حتى أن كتب التاريخ تؤكد أن أرسطو وغيره من فلاسفة اليونان كانوا قد تتلمذوا على يد فلاسفتهما.
ولقد بلغت حلب ذروة نشاطها العلمي والمعرفي في عهد الدولة الحمدانية حيث أصبحت موئلاً للعلم والأدب وبخاصة في عهد الأمير سيف الدولة ، حيث باتت قبلة للشعراء والأدباء والتراجم ، ويكفيها أن شاعر العربية الأول المتنبي قد عاش في ربوعها ، الذي قال أجمل ما قيل شعراً في العربية حيث قال :
……..مادحاً سيف الدولة بعد عودته من معركة ظافرة مع الروم .
.
" وقفت وما في الموت شك لواقف …. كأنك في جفن الردى وهو نائم "
.
هذه الحاضرة كانت ولا تزال مخرزاً في عين تركيا ، التي حاولت في عهد السلطنة العثمانية الظلامية إلغاء هوية حلب العلمية والانسانية عبر قرون الاستعمار التركي الأربعة ، كما عممت التخلف في كل أرجاء الجغرافيا التي وقعت تحت حكم السلطنة ، : لكن حلب كانت نصب عينيها الهدف الأهم فعملت ولا تزال على تحجيمها والتضييق عليها على أمل الانقضاض عليها واغتصابها في أية فرصة سانحة ، و سنذكر ببعض المحطات التاريخية التي قاست فيها حلب من ظلم الأتراك ولا تزال .
.
1. عندما احتلها العثمانيون الظلاميون باسم الإسلام قتلوا كل فلاسفتها وعقلائها ومفكريها ، وحولوها من حاضرة للعلم والمعرفة إلى مدينة تابعة إلى عرش السلطنة ، وحولوا الدين فيها كما فعلوا في جميع مستعمراتهم من أداة للإرشاد ودعوة للأخلاق وبث روح المحبة بين الناس ، إلى مجرد طقوس وحركات تؤدى في أوقاتها ، فسلبوا الدين روحه ومراميه ، وانصب جل اهتمامهم على الشكليات والقشور ــ كيف تدخل إلى الحمام ، كيف تتوضأ ، المرأة كلها عورة ، طقوس الحج ، وغيرها ــ من الأمور الثانوية التي لا تؤدي أي دور اجتماعي تنويري ، بل تبقي المجتمع في حالة فراغ وجهل ، ولقد أنصف المؤرخون تلك الحقبة التي دامت أربعة قرون عندما وصفوها ــ بعصور الظلام ــ ، وواهم من يعتقد أن مجتمعاتنا قد تعافت من تلك العقابيل وهذه الإفرازات ، والطفرات الإرهابية ليست إلا الأبن الشرعي لعصور الظلام تلك ، ويكفي أن نعرف أن الحركة الوهابية التي تكفر جميع المذاهب الإسلامية قد نمت وترعرعت في أحضان العثمانية المقيتة تلك .
.
2. حاصرها العثمانيون وضيقوا عليها مجالها الجغرافي ، كما ضيقوا عليها مجالها العلمي والمعرفي والقيمي ثانية ، عندما أغلقوا عليها كل المنافذ البحرية والبرية ، فسلخوا لواء الإسكندرون الذي كان مرفأ حلب الوحيد والشريان الذي يصلها بالعالم الخارجي كحاضرة علمية وكمدينة تجارية وصناعية ، " وبسلخه " قطعوا أهم أوردتها التي كانت تمدها بالحياة ، وحولوها بذلك من حاضرة للعلم والمعرفة والتجارة ، وصلة الوصل بين الغرب والشرق ، لا تدانيها مدينة في الشرق ولا تنافسها أية مدينة تركية ، فحولوها إلى مدينة محاصرة جغرافياً تتكئ بكل مستلزماتها الاقتصادية على ما يأتي إليها عبر البوابات التركية . لقد تم سلب لواء الإسكندرون من أرضه الأم سوريا برضا وتشجيع الدولة المستعمرة فرنسا ، شراءً لموقف تركيا من الحرب العالمية الثانية ، وحتى تسهم تركيا في الإطباق على الثائر ابراهيم هنانو ، وتقول بعض المصادر أن ذلك لاقى قبولاً لدى بعض الحكومات السورية المتعاقبة في حينه لأسباب دينية مرضية .
فاللواء السليب لم يكن مطلاً وشرياناً بحرياً لحلب فقط ، بل كان منطلقاً لحركة التحرر العربية ، التي قادها المناضل المفكر والفيلسوف زكي الأرسوزي ، والذي تخرج من مدرسته رفاقه ــ ساطع الحصري ، وسليمان العيسى ، وصدقي اسماعيل ، والدكتور وهيب الغانم ، وغيرهم من المناضلين ــ كما كان جغرافيا تزيد مساحته عن 6000كم2، ويشكل حوضاً مائياً كبيراً يصب فيه نهران ــ العاصي ، ونهر الأسود ــ .
وكانت تركيا العثمانية المستعمرة البغيضة قد اغتصبت قبل ذلك وسرقت من وطننا الحبيب جميع الأراضي الواقعة جنوب جبال طوروس وزغروس التي كانت تشكل الحدود الطبيعية والجغرافية بين بلاد الشام والدولة الطورانية ، والتابعة لولاية حلب وتسمى " كليكيا " وأهم مدنها ديار بكر ــ موطن قبيلة بكر العربية ــ وأورفه ، ونصيبين ، وغيرها وبذلك تكون دولة العدوان قد حاصرت حلب من الشمال والشمال الشرقي ، وهي أرض خصبة يصب فيها نهران سيحون وجيحون وتشكل أيضاً حوضاً مائياً كبيراً وينبع من جوارها نهر الخابور العظيم ، وتزيد مساحة " اللواء وكليكيا " المغتصبتين عن مساحة لبنان ، بذلك تكون تركيا العثمانية وبعد أن أطبقت حصارها على حلب الشهباء وحرمتها من ثلاثة ارباع مجالها الاجتماعي والاقتصادي ، تكون قد ألحقت بها ضرراً لا يمكن أن يعوض إلا باسترجاع الأراضي التي سلبت .
من هنا يمكن قراءة " أرضية التحدي " التي تقف عليها حلب ضد عدوها اللدود القديم الحديث تركيا .
.
3……………. أطماع تركيا القديمة والحديثة بحلب الشهباء :
لم يكن هدف تركيا العدوانية سلخ اللواء وكليكيا فقط بل كان الهدف دائماً حلب كل حلب ، فعينها عليها عبر تاريخها ، ومطامعها تلك لم تغب عن الساحة السياسية يوماً ، وما انخراط تركيا الكامل بهذه الوحشية وبذلك الزخم في الحرب العدوانية على سورية ، إلا توطئة لتحقيق هذا الحلم العتيق ، ولقد اهتبل أردوغان السلطان العثماني الجديد هذه الفرصة ، فزج بجيشه وأجهزته الاستخبارية وكل عملائه بهذه الحرب ، فسلح ومول ودرب وسهل مرور الإرهابين ، وتخادم معهم استخباراتياً ، واشترى النفط المسروق ، ثم سرق معامل حلب بعد أن فككها قطعة قطعة ، ونقلها لتباع في الأسواق التركية " كخردة " والتي كانت المنافس الأهم للصناعات التركية ، كل ذلك وأردوغان يحلم بالليل والنهار بأن حلب قد تكون جائزته الكبرى على اسهاماته " الجلا "في هذه الحرب القذرة .
ولكن حلب " خربطت " جميع معادلاتهم وخططهم واربكت استراتيجييهم العسكريين والسياسيين ، وأذهل صمود أهل حلب الدنيا أصدقاء وأعداء ، حتى أن الكثيرين شبهوا صمودها بحق بصمود " ستالين غراد " الروسية .
نعم صمود حلب هو من صمود الشعب العربي في سورية ، وتحرير حلب الشهباء بسواعد وعقول جيشنا البطل وحلفائه وأصدقائه ، فضلاً عن أنه سيكون مكافأة يستحقها أهلنا الأعزاء في حلب ، سيكون أيضاً المخرز الذي سيفقأ عيون حلف العدوان بكل أطرافه من الولايات المتحدة وصولاً إلى تركيا الإخوانية والسعودية الوهابية وأعوانهم وجميع أدواتهم الإرهابية ، وسيضع اللبنة ما قبل الأخيرة في صرح الانتصار القادم ، الذي بناه شعبنا بصبره ، بثباته ، بتحمله ، وبمواجهاته المديدة عبر سنوات ست .
…………….هل سيأخذون العبرة ويتعظون ؟!!
……………………لا لـــــن يتعــــــــــظوا !!
ما دامت أحلام دول العدوان قد تبخرت أو في طريقها إلى ذلك ، وكل آمالها وأمانيها قد تبددت أو في طريقها إلى التبدد ، وعلى صخرة الصمود الحلبي قد تحطمت ، فهل سيكون الصمود الحلبي النذير الذي سيدفعهم لإعادة حساباتهم والعودة عن غيهم ؟
هذا الاحتمال يتردد في أذهان البعض ويغلب على كتاباتهم وتحليلاتهم ، ويبني عليه البعض مواقف واستنتاجات لا تمت للواقع ولا للمنطق بصلة ، لأن دول العدوان بما فيها تركيا ومنذ أن بدأت الحرب ، كانت تراهن على هزيمة المعسكر المعادي لإسرائيل ، وبهزيمة هذا المعسكر المؤلف من سورية وحزب الله وايران والذي سيمس مصالح روسيا الاتحادية بالضرورة .
بهذه الهزيمة المأمولة تترسخ الهيمنة الغربية ، ويضاف عقوداً إلى عمر المملكة السعودية العتيقة الآيلة إلى السقوط حتماً ، لذلك لا يوجد حل وسط بين المعسكرين ، فلا بد من هزيمة معسكر العدوان ودحره ، وهذه الهزيمة سينتج عنها قوة دفع ارتدادية توازي بل تزيد عن الحالة التراجعية التي ستلحق بمعسكر العدوان ، وستوظف كإنجازات تاريخية جذرية لصالح المعسكر الذي يواجه العدوان بكل شجاعة واستبسال ،
إذن الحرب هي حرب بين معسكرين ، لا يمكن أن نتوقع حلولاً وسطاً بينهما ، ولا يجوز أن نبني على العلاقة الروسية التركية الجديدة أي امر دراماتيكي يغير مجرى الحرب ، فتركيا العثمانية الطورانية عدوة العرب في الماضي والحاضر وفي المستقبل ، وهي حليفة طبيعية لكل أعداء العرب ، وكما لا يجوز أن نبني آمالاً على تغيير الموقف التركي كذلك لا يجوز أن نعتقد أن السعودية قادرة على تغيير جلدها الوهابي التكفيري المهدد لتاريخ الإسلام ومستقبله ، وهذا التوصيف ينطبق على أعداء الإنسانية الاستعمار الغربي بقيادة أمريكا .
……إذن الحرب سجال ، وكلما صرخ الغرب وتباكى على ضرورة تقديم المساعدات الإنسانية ، كان المؤشر يؤكد
………على أن العدو في مأزق وأن النصر قريب …وأن النصر قريب
…………………………………….هذا هو المعيار