تقدمة ديوان (ظلال حسناء ).للشاعرة السورية فتاة عيد والذي صدر عن مؤسسة سوريانا للإعلام .. بقلم الباحث والناقد المصري عبد الحافظ متولى
(مدير عام الإدارة العامة للنشر بالهيئة العامة لقصور الثقافة)
القراءة النقدية :
مع بداية التسعينات من القرن العشرين بدأ يتصاعد نوع من الاهتمام بأدب المرأة إبداعا ونقدا وأخذت المواكبة النقدية تستوعب هذا النتاج الأدبي الروائي مع نحث مفاهيم وطروحات ساهمت في إغناء الحركة النقدية النسائية عبر كشفها عن التيمات والعلامات التي تمنح كتابة المرأ ة ملامحه الخاصة ..
وديوان الشاعرة ..فتاة أحمدعيد ..يحيلنا إلى نوع مغاير من الكتابة النسائية ، فالشاعرة لم تكتب ذاتها أو تشخص تجاربها أو ترسم خارطة الجسد عبر نتاجها الشعري ، بل هى مسكونة بالهم الوطنى والحالة الإنسانية التى توشك على الانهيار..
وهنا يمكننا رصد خصوصيات هذه الكتابة وبالتالي وضع اليد على الخصائص المميزة له ،والذي يشكل إضافة حقيقية للإبداع الإنساني بشكل عام، ويثبت لهذا الديوان صفة الإبداع ويؤكد بالخصوص على أن للمرأة في الكاتبة تصورا مختلفا للمسكوت عنه بمقدار الفروق الفردية بين الجنسين ،والطريقة الخاصة في التعبير ،وعلى مستوى الجرأة فيطرح بعض المواضيع ذات التضاريس المجروحة في كينونة عمقنا الثقافي وأنها قادرة على فضح مشاعر المكبوتات الوطنية والنفسية والذاتية..
لذلك جاءت نصوص الديوان موزعة على فضاءات مختلفة وأزمنة مختلفة وأمكنة مختلفة ، تتنوع في موضوعاتها ، غير أنها تبقي نصوصا شاهدة على واقع الشاعرة المؤثر بشكل لافت في تجربتها التى تحمل قضيتها ..
فجاءت نصوص الديوان تمجد الشهداء وترسم دوائر موت الذات والعالم وتنتصر للوطن المجروح وتؤرخ لنضاله ، وتهمس للسائرين على درب الوطن بتاريخ النضال المجيد ، والشاعرة فتاة أحمد عيد مهمومة بقضايا الشعر منخرطة في قضايا المجتمع والوطن لا بحس الأنثى التى تقطف وردة أو تسكب دمعة ..وإنما بحس المناضل الذى يصوب فوه البندقية في وجه من يتربصون بوطنها ، وهى تتجول بنصوص ديوانها أيضا داخل مواج الذات والعالم واصفة تارة ومحللة تارة وفاضحة تارة وكاشفة أقنعة الزيف المخاتل والمحاصر للذات
( راياتنا خفاقة)
يا أيها الوطن المقيمُ
بمُهْجَتي وفُؤَادِي
إنِّي بِحُبِّكَ قد سَكَبْت وِدَادِي
وطنٌ عَشِقْنا أَرْضَهُ وسَماءَهُ
ومدائن الأحلام والأجْوَادِ
وتُشيرالقراءة الكاشفة للمستوى المعجمي إلى أن نصوص الديوان تنفتح على محورين كبيرين يكوّنان المفاصل الأساسية لهذا الديوان وينفتح كل محورمنهما على مجموعة من المعاجم الفنّية الخاصة به.
-المحورالأول: محور الذات والوطن والشهيد والعزلة الاغترابية والموت..
-المحورالثاني: محورالحب والآخر والحياة ومفردات الطبيعة ..
ويمثّل المحور الأول
قطب النص الشعري وبؤرته ،فتنضوي ضمنه عدة محاور فرعية، تصبّ كلها في محورالموت، والوطن والشهيد وإذا ضربنا لذلك مثلاً بالبنية الصغرى التالية:
"أمَّ الشَّهيدِ إذا ألمّ َمُصابُ
، صَبَرت وفي القلبِ الحزين عذابُ
،والله يمنحُها التَّصبُّر رَحمةً
،إنَّ التَّصبّر نِعمةٌ وثوابُ
،جادت ْبفلذتِها تُوَّكلُ ربَّها
،وإلى الإله فأوبةٌ ومآبُ"
وجدنا أن الإذابة تتضمّن في السياق المصاب والصبر والحزن والعذاب والموت معاً بما يشكل حالة من ذوبان الذات وتلاشيها في مقابل انهيار الوطن وموت الشهداء وهذا الذوبان أوالتلاشي حاضر في بنية النص التحتية كحضورتأسيسي للخطاب النصي عند الشاعرة..
ويمثل المحور الثانى: صدى الذات وهامش حضورها في رسم خرائط علاقتها بالآخر الذكر في حاجتها البيولوجية لكنه حضور فلسفى لا يري الحب بشكله الرومانسي الحالم وإنما يراه بشكل الإنساني الواسع فيتحول خطاب النصوص في هذا المعنى من الخطاب النفعي البرغماتي إلى الخطاب الشاف الذي سيسمو بإنسانية الإنسان ، وتأتى البنيات الصغرى أيضا دالة على هذا التأسيس الهامشي:
"فأنتَ حبيبي وبحرُ غرَامي،
وأنت َرَجَائِي وأنت َسلامِي
، تعالَ إليَّ لنَزرع حُلماً
،يُرفرِفُ فيهِ جناح ُالحَمَامِ"
هنا خطاب الذات المفتوحة على الإنسانية والمحبة والسلام المتقاطع مع الحب والمتماهى به..
وفى تقديري أن هذا الديوان يضم ثلاث دوائر أساسية تشكل محاوره المفصلية جماليا ودلاليا ولابدّ ،للوصول إلى حركةالعلاقات الداخلية ،من الإمساك أولاً بخيط الدلالة السطحية للوصول إلى ماتحته ا،أوللحفرتحت هذهالدلالة للبحث عن النصوص الغائبة المتخفية فيما تريد الشاعرة قوله ،ولابدّ من معرفة البؤرالدلالية التي تتضمنّها نصوص الديوان:
– الدائرةالأولى: معاناة الذات المتكلمة الغربة ونكوص الوطن.
– الدائرة الثانية: الذاتالغائبةمؤثرة في وجدان الذات الحاضرة ومشكلة لخطابها ومؤطرة لحياتها ، وهى ذات الآخر المخاطب الغائب وذات الروح الهزومة
– الدائرة الثالثة: لاتستطيع الذات المتكلمة العيش من دون الذات الغائبة ،فالحياة على هذه الحال متعذّرة ،والذات المتكلّمة مرتبطة بوجودها بذات الشمس التي تدل من جهةخفيّة إلى الذات الغائبة، لما لها من سلطة قوية على حياة الذات الحاضرة وأن انفصالها يعنى الموت ، لذلك فالنصوص الشعرية متوهجة بين الحضور والغياب تعلو وتهبط جماليا وفق حالة الحضور والغياب وتوهجها ايضا هذه هي الدلالة المهيمنة على سياق القصيدة ،وهذ اما تلمّسناه في وحدات دلالية تشكّل مناخاً من تأزّم الذات المتكلّمة وانسحاقها تحت وطأة الحبّ والهزيمة إزاء غياب الذات الأخرى ظاهرياً وحضوره بقوّة فعليّاً،وفقدان التوازن العام في الحياة. وهكذا تتجلّى ،في الدوائر الدلالية السابقة وفي العلاقات الداخلية التي تتواشجها،حركة النص الهابطة من الحضور إلى الهجران إلى الموت إلى الوطن وغير ذلك…
وإذا كان هذا الديوان هو التجربة الأولى للشاعرة فإنه يمثل صوتا شعريا واعيا بخطابه الشعرى وبنياته الصغرى والكبرى الدالة بعمق على سمو التجربة وسيطرة الموهبة وانثيال اللغة كجريان النهر بين شاطئ النص الشعرى
===
مبارك للشعر كل هذا الجمال – مبارك للشعر مبدعة تنطلق بثبات تعرف كيف تضع الحرف حيث يكون التميز –
مبارك لسورية شاعرة تعتز بها ..