كتب د.احمد مصطفى في موقع الوطن العمانية حول موضوع يعتبر الشغل الشاغل لنا والجدل الاكثر حدوثا رغممرورسنوات علىاحداث ما اسموه مواقع التواصل الاجتماعي واعتقد ان الجدل لن ينقطع قريبا وان الوصولالى قناعةموحدةغير وارد كحاالة مطلقةجاء عنوان مقالةالدكتور مصطفى
كعكة التواصل الاجتماعي
”ربما يجوز هنا القول إنه لا يجوز أن تتحمس لشيء ثم تنهى عنه في الوقت نفسه. وبالنسبة للموقف من وسائط التواصل الاجتماعي؛ فالمقصود أنه لا يمكنك التعامل معها كوسيلة، وبالتالي تشجيع انتشاره وإضفاء مصداقية عليها، وفي الوقت نفسه تشكو من أنها ضارة ومصدر عدم استقرار. الحجة المنطقية هنا هي أنه لا يمكن تجاهل تلك الأداة المؤثرة، وهذا صحيح مئة بالمئة.”
د.احمد مصطفى
لا يجادل أحد في أهمية وسائل التواصل الاجتماعي، خاصة في عالمنا العربي حيث منافذ التعبير عن الرأي محدودة، وهناك توجه لدى الأجيال الجديدة لكسر التقاليد القديمة فيجدون في وسائل التواصل الاجتماعي متنفسا مناسبا لهم. ولا خلاف على أن فيسبوك وتويتر أصبحا مصدرا للمعلومات والأخبار لأغلبية مستخدمي الهواتف الذكية في المنطقة. يعود ذلك لأسباب كثيرة من بينها أن وسائل الإعلام التقليدية لم تعد تلبي حاجة المتابع العربي إلى جانب التغيرات التي طرأت على نمط استهلاك الأخبار والمعلومات. ورغم سعي المنافذ الإعلامية الرئيسية للاستفادة من تلك الموجة إلا أن التطورات التكنولوجية السريعة وانتشار الوصول إلى الإنترنت خاصة عبر الهواتف الذكية يجعل وسائل التواصل الاجتماعي متقدمة على وسائل الإعلام التقليدية.
هناك عامل مهم هنا، وهو سعي السياسيين والحكومات للاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي كأداة “توصيل” ربما بديلة للإعلام التقليدي، وهذا يضعف من تأثير وسائل الإعلام التقليدية ويزيد من تأثير وسائل التواصل الاجتماعي. في الوقت نفسه تواجه الحكومات مشكلة أحيانا تهدد الاستقرار الاجتماعي ـ وربما الأمن القومي للدول ـ نتيجة انتشار الإشاعات والمعلومات المفبركة في شكل أخبار عبر وسائط التواصل الاجتماعي. ولا يقتصر الأمر على استغلال الجماعات الإرهابية والتنظيمات المتطرفة لتلك الوسائط لنشر أفكارها وجذب مؤيدين خاصة في أوساط الشباب، بل يصل إلى إثارة الفتن والافتئات على السلطات والأعمال بشكل يهدد باضطرابات سياسية ومجتمعية.
ربما يجوز هنا القول إنه لا يجوز أن تتحمس لشيء ثم تنهى عنه في الوقت نفسه. وبالنسبة للموقف من وسائط التواصل الاجتماعي؛ فالمقصود أنه لا يمكنك التعامل معها كوسيلة، وبالتالي تشجيع انتشاره وإضفاء مصداقية عليها، وفي الوقت نفسه تشكو من أنها ضارة ومصدر عدم استقرار. الحجة المنطقية هنا هي أنه لا يمكن تجاهل تلك الأداة المؤثرة، وهذا صحيح مئة بالمئة. لكن كيف يمكن أن تتعامل مع تلك الكعكة الإعلامية الهائلة لتأكل منها دون أن يصيبك التلبك المعوي أو تضر بصحتك. ينسحب ذلك على الأفراد والمجتمعات والدول والحكومات، فالكل يستخدم تلك الوسائط ويشكو منها في الوقت نفسه. وامتدادا للحجة المنطقية سالفة الذكر، كيف يمكن أن تستفيد من تلك الوسائط وتتقي شرها في الوقت نفسه؟
هذا السؤال يتجاوز مثال الكعكة، ويجعل الأمر أكثر تعقيدا ـ ربما بذات تعقيد تأثير انتشار الإنترنت بشكل هائل منذ مطلع القرن والتطورات التكنولوجية المتسارعة التي تستند إليها، وكذلك التطور المستمر في أجهزة تصفحها وخاصة الهواتف الذكية. ومن المهم الإشارة هنا إلى أن المستفيد الأكبر من كعكة التواصل الاجتماعي حتى الآن هو الجماعات ذات التوجه الذي قد لا يقبله التيار السائد في مجتمعاتنا، سواء كانت متطرفة أو متشددة دينيا أو تلك التي تمثل عناصر تشذ عن السياق العام. صحيح أن تلك الوسائط لعبت دورا مهما في الحشد للاحتجاجات التي أدت إلى تغيير ما في بعض الدول فيما سمي “الربيع العربي” قبل سنوات، لكن منذ ذلك الحين تراجع “فعلها” الجماهيري هذا دون أن يقلل من خطورتها وتأثيرها المتنامي.
ربما يفضل البدء من نقطة أساسية، وهي إلى أي مدى تسهم وسائط التواصل الاجتماعي في زيادة الشفافية والمباشرة وتحسين العلاقة بين السلطات والجماهير؟ سبق وكتبنا هنا في هذه الزاوية عن أن “الوفرة” لا تعني بالضرورة أمرا إيجابيا، بل على العكس قد تكون ضارة. وفي حالة المعلومات والأخبار يكون ذلك واضحا تماما، بل ويوفر مناخا مناسبا لنمو الطفيليات (من دس معلوماتي وفبركة أكاذيب). وبما أنه لا يمكن لأي سلطة كانت الآن أن توقف انتشار تلك الوسائط، لأسباب كثيرة في مقدمتها أنها ضرورة اقتصادية الآن، فعلينا التفكير في كيفية التعامل معها بما يقلل الضرر ويعظم الفائدة.
بداية، هناك خطورة في التحول التام للتعويل عليها كقناة اتصال رئيسية بين صانع الخبر والحدث ومتلقيه، كما أن التعليم في مراحله الأولى يمكن أن يكون القناة الأفضل لتعليم النشء كيفية التعامل معها. لا نغريهم بحلاوة الكعكة ولا ننفرهم منها، لكن ليكن تعليمهم بالتجربة والدليل أنها وسيلة من الوسائل لا تغني عن التدقيق والتمحيص والبحث التقليدي والتفكير. فالمدارس القديرة لا تسمح للطلاب باستخدام ويكيبيديا كمصدر في البحث وكتابة فروضهم التعليمية. وإذا كانت ويكيبيديا مساحة مطروحة للتدقيق من قبل المستخدمين، والشطب والتعديل، إلا أنها تظل “مصدرا مفتوحا” ليس علميا ولا أكاديميا. وينطبق الأمر أيضا على وسائل الإعلام الكبيرة والقوية التي تمنع صحفييها من استخدام مواد ويكيبيديا في قصصهم الإخبارية ـ حتى للخلفية المعلوماتية للخبر.
يمكن أيضا لمؤسسات التعليم أن تساعد في ترسيخ طريقة الاستفادة من وسائط التواصل الاجتماعي واتقاء شرها في آن واحد، فلنتابع من نعرف ونتحرى الدقة في غير ذلك. ليس الأمر سهلا بالطبع، لكن من الخطر عدم الانتباه لهذه المعضلة والتعامل معها بشكل سريع وحاسم قبل أن تتفاقم وتصبح خارج السيطرة تماما.