مقاطع مختارة من قصيدة / البعل و الموت/ .قدم لها و نقلها الى العربية .فايز مقدسي
تنقسم النصوص الادبية الشعرية التي عثر عليها في انقاض مملكة اوجاريت السورية / موقع رأس الشمرة/ في منتصف القرن الماضي على الساحل السوري الى مجموعتين الاولى تقص اخبار و اعمال و مآثر القوى السماوية في التصور الروحي السوري و على رأسها /البعل حدد/ أو السيد الواحد.و الثانية ملاحم انسانية تقص اخبار القوى السماوية و على رأسها /الله/ أو/ عل/ او / العلي/ و علاقتها مع البشر. و كيف انها تتدخل لمد يد العون للبشر في محبة الهية-انسانية نادرة.فالله في النصوص التي نتحدث عنها ليس الها متعاليا على البشر و لا بعيدا عنهم بل هو معهم و يسكن بينهم على ضفاف الانهار او المياه كما تخبرنا النصوص و هو ربّ يحب مخلوفاته و يعتبر الناس ابناء له/بن-عل/ في الاصل الكنعاني. ايّ ابناء الله او مخلوقات الله و هو مسؤول عنهم
و يساعده في ذلك السيد البعل ابن الله الذي يخاطب الله في النصوص و الحكايات ب / يا ابي/ .و هو ابن سماوي و لكن الله يقبل موت ابنه
في سبيل استمرار حياة البشر على يد القوة السماوية المدعوة / موت/ و تمثل كما هو واضح /الموت/ او ملاك الموت. و حيث ينتصر الموت على البعل و يهبط هذا الاخيرالى الجحيم او الى دار الموتى و حيث يعم القحط على الارض و يكاد الناس و الحيونات يهلكون جوعا و عطشا لو تدخل القوة السماوية المؤنثة/ عنات / و اسمها يعني ينابيع المياه حيث تقوم بقتل الموت و استرجاع البعل الذي يبعث حيا من جديد فيعود الخصب الى الارض بعودته من حيث انه السيد المكلف بالمطر الذي تقوم عليه الزراعة اساس حياة الناس و حيث تبتهج الارض بعودة البعل من الموت فتتزين كالعروس و حيث يقيم الناس الافراح و تعقد حلقات الرقص في ساحة المدينة و ينشد الناس الاهازيج و الاناشيد التي تدل على فرحهم بقيام البعل من الموت و هي اهازيج لا زالت محفوظة الى اليوم في الغناء الشعبي في كل ارجاء بلاد الشام و خاصة في الاماكن الريفية حيث يتناقلها الناس ابا عن جد و الى اليوم .وهي انماط غنائية يرافقها المزمار و الناي و الطبول و الصنوج كما تخبرنا القصائد و المعروفة اليوم باسم رقصة /الدبكة/ و اغاني الميجانا و الكلمة / م ج ن /
هي كلمة كنعانية قديمة تدل على الفرح و دخلت الى العربية في صيعة / مجون / و فيها جذر كلمة / جنة/ و كلمة / جنينة/ التي تعني اليوم الحديقة المزهرة. و كذلك اغاني ابو الزلف .و الزلف كلمة كنعانية سورية قديمة تدل على الجمال و الحلاوة.و ايضا النوع المعروف بغناء
العتابا / و الكلمة قد دخلت بدورها الى العربية في فعل /عاتب/يعاتب/ و اسم /عتاب/ الذي يفضي الى حل المشاكل و اللجوء الى الصلح .و لذلك يقول المثل السوري المعروف/ بعد العتاب بين الاحباب صلح و بعد الصلح حلاوة الصلحة اي القبلة او البوسة بالاضافة الى اغاني اخرى شهيرة/
يظن الكثيرون انها جاءت من الجزيرة العربية بينما هي سورية خالصة و غير معروفة عند العرب مثلها في ذلك مثل اشكال اخرى من الموسيقى و الغناء التي يرجعها المؤرخون الجهلاء و العقائديون و اصحاب الغايات( و هم كثيرون) الى بدو الصحراء مثل الموشح و رقص السماح و القدود و رقص الدراويش الذي يردونه الى اصل فارسي -ايراني بينما هو رقص سوري قديم مذكور في اكثر الوثائق القديمة و كان الملوك يشاركون فيه على انغام الموسيقى للاحتفال بنصر عسكري او احتفال ديني الطابع و كان الهدف منه الوصول الى حالة من النشوة الروحية للاتحاد بالذات الالهية او تلقي الوحي الالهي او التنبؤ بما سوف يحدث في المستقبل عن طريق الوصول الى السماء روحيا و الكشف عن الاسرار.و اسم درويش انما هو مركب من كلمتين سوريتين قديمتين الاولى /دار/ و تعني في الاصل /بيت/لان اول شكل هندسي معماري للبيوت في الهلال الخصيب كان مدورا يتطابق مع الحركة الكونية و منه اتى فعل /دار–يدور-دورة – ومن كلمة /ايش او عيش / التي تعني العيش او الحياة .فيكون المعنى لكلمة /در-ايش/ دورة الكون او الحياة التي تطابق دورة الاجرام و الافلاك السماوية . و هو الامر الذي عناه مولانا الرومي من الرقص .اي التطابق مع الدورة الكونية ليتحد الراقص-الدرويش بالكون و يكتشف الالوهة . و برد كل هذه الاشكال الموسيقية الى غير السوريين فقد حرمت بلاد الشام من ارثها الموسيقى الثمين الذي ، و مع الزمن ، و بعد ظهور المسيحية ، تحول الى اناشيد دينية دخلت الكنيسة لترافق القداس بعد تغيير كلماتها و اضفاء صيغة مسيحية عليها لابعاد الصيغة الوثنية عنها كما زعم ارباب الكنيسة الاولى . و كل تلك الاناشيد و الالحان اعاد المفكر و الموسيقي السوري الشهير /بارديصان/ القرن الثاني للميلاد وضعها في صيغ متجددة و كلمات مختلفة انتشرت في كل المشرق و انكرت كلماتها الكنيسة مما دعا الشاعر و الموسيقى السوري الشهير بدوره/ افرام السوري او السرياني/ القرن الرابع بعد الميلاد الى استعارة الحان بارديصان و وضع كلمات جديدة لها فيها صيع مسيحية كنسية .و هي الحان لا تزال شائعة الى اليوم كما هو حال اناشيد الموسيقى السوري الحمصي المعروف/ رومانوس
منتصف القرن السادس للميلاد الذي تراءت له العذراء مريم في الحلم كما تقول الحكاية و لقنته اسس الموسيقى فلما نهض من النوم راح يغني و يؤلف انغاما ساحرة الجمال عرفت باسم / القنداق / و صارت اساسا للموسيقى الكنسية السورية -البيزنطية .و هي موسيقى نقلها البابا غريغوار التاسع الى روما بعد زيارته لبيزنطا حيت اشتهرت هناك و لا تزال معروفة الى اليوم باسم الغناء الغريغوري نسبة الى البابا المذكور.وهي شائعة و معروف في كل انحاء اوروبا الى اليوم. و ينبغي ان لا ننسى الدور الموسيقى الذي قام به يوحنا الدمشقي القرن السابع للميلاد في دمشق و الذي يعتبر احد اركان الفكر الديني المسيحي ككاتب و فيلسوف فيما يخص اللاهوت المسيحي و الذي يبدو انه كان بمثابه رئيس وزراء على عهد الملك السوري /معاوية الاموي/ مؤسس الدولة السورية الاموية و ذلك قبل ان يعتزل الحياة الدنيوية و يمضي لعيش حياة نسكية على اطراف دمشق. و من يقرأ حوليات مملكة /ماري/ السورية الشهيرة على شاطئ الفرات الالف الثاني ق.م يشعر بالدهشة من كثرة الوثائق الموسيقية التي تم العثور عليها في انقاض تلك المملكة كما تم العثور في اوجاريت على ما يظن العلماء المختصون انه اول كتابة موسيقية مدونة في التاريخ و قد قام فريق مختص من علماء الموسيقى في الولايات المتحدة الامريكية و اوروبا بدراسة تلك النوطات المدونة على لوح حجري و استطاعوا عزف تلك الكتابة الموسيقة
و استخراج ما فيها من الحان و هي معروفة اليوم عند المختصين في الغرب و يمكن شراء اسطوانة عليها تلك الاصوات الموسيقية التي تعود الى الالف الثاني ق.م . و هناك من الموسيقين في اوروبا من لا يزال يحاول تأليف سيمفونية تعتمد على تلك الاصوات الاولى.بينما انكر بعض علماء الموسيقى ان تكون تلك الموسيقى شرقية لانها و كما هي منوطة قريبة جدا من اسس الموسيقى الغربية.و نسوا ان مملكة اوجاريت في الالف الثاني قبل الميلاد كانت مرفأ كبيرا تأتي اليه السفن و تبحر منه الى كل انحاء العالم المعروف انذاك و انها كانت مدينة عالمية/كزوموبولتية/ تعددت فيها اللغات و اللهجات و الاجناس و الثقافات و الافكار كما هو حال المجموع السوري منذ البدء و حتى اليوم. و هو امر يدل على تنوع مذهل و كل تقدم في التاريخ يكون نتيجة الامتزاج و ليس نتيجة الانغلاق على الذات الذي لا يؤدي الى حضارة
هذه الدورة الكونية نجدها على الارض في دورة الفصول من شتاء الى ربيع الى صيف الى خريف و على نحو دائم و متكرر اذا اصابه الخلل تكف الحياة عن ان تكون.و دورة الفصول المتعاقبة هي الاساس الذي قام عليه الاساس الاول للفكر السوري القديم .ولكي يضمن الناس عدم اختلال الدورة الكونية فقد ابتكروا قوى سماوية / ضرب من الملائكة/ و على رأسهم الله محب-ودود-لطيف-فيه صفة الابوة يبكي و يحزن و يفرح لما يحدث للبشر ابناؤه و يفعل ما في وسعه لاسعادهم و هو على تواصل دائم معهم عن طريق الحلم كما تخبرنا نصوص مملكة اوجاريت السورية و التي فيها نعثر على اسماء الله التي ذكرناها كما هي في الاصل السومري -الكنعاني ا- البابلي -الحثي -الارامي. و في الكنعانية -الفينيقية
الله او /عل/ هو / دد/يعني ودود/ و ابدي-خالد/ شن-م/ يعني ابو السنين و ابوالدهور و / لطفن/ يعني اللطيف. و / سنم/ يعني السناء او النور و / احبت/ يعني المحب .كما ان البعل او الذي في العلى
هو راكب أو فارس الغيوم و الذي يقود السحاب كما يقود فارس مركبته حاملا معه المطرحتى يضمن دوام حركة الفصول.و هو عندما يتكلم فصوته الرعد الذي ينبئ بقرب سقوط المطر ليطمئن الناس .و اما علامة قرب حضوره فهي البرق الذي يحمل بشارة اقتراب هطول المطر و ضمان استمرار الدورة الكونية بعد جفاف الصيف. و هذه الدورة الكونية تمثلها رمزيا و صوتيا درجات و سلم الموسيقى و ما فيهم من تنافر و من انسجام يجب البحث عنه للتوصل الى الطمأنينة.و هو ما تفعله الموسيقى في النفس و الى اليوم فهي و حسب اللحن و الايقاع و الالات اما ان تثير الجزن و اما الفرح و اما الحماس و اما البهجة العارمة حيث يتحرك الانسان ليرقص و يحرك جسده فنكون قد عدنا الى الدرويش و مماثلة دوران الكواكب.
و حياة و موت و بعث البعل/ او دموزوي او تموز او تيشوب او ادونيس/ هو بمثابه مطابقة للدورة الكونية و الموسيقية
او هي بمعنى من المعاني ما اطلق عليه فيما بعد و بلغة الفلسفة : العود الابدي
و الى القارئ بعد هذه المقدمة الضرورية المقاطع الاساسية من قصيدة البعل و الموت
و قد حاولت ان تكون ترجمتي لها شبه حرفية و استخدمت كل الكلمات الواردة في النص الاصلي تقريبا كما هي في الاصل
…………………………………………………………………………………………………………………………………..
عندما يصبح النص المحفور على لوح حجري صالحا للقراءة بسبب تهشم بعض المقاطع نرى الملاك / موت/ و يعني اسمه الموت يشتكي و يندب نفسه مقارنا بين وضعه و وضع البعل.فبينما يتغنى الناس بماثر البعل مكرمين اياه و شاكرين له افضاله فان /موت/ يعاني الامرين.و هو امر لا يليق بقوة سماوية مثله.لذلك فاننا نراه يوجه رسولين الى مقر البعل على جبل / صفن/ او جبل التأمل / اليوم اسمه الجبل الاقرع / ليسأله ان يقبل ان يموت و النزول الى جوف موت
أي نزول رمزي الى الجحيم
و النص يبدأ على النحو التالي و على لسان الرسولين اللذان يحملان رسالة موت
ايها البعل
بينما انت تضرب التنين
الافعى التي تنسل
و تسحق رأس / شليط / الحية الهاربة
و ترض رؤوسها السبعة
بينما تبرق السماوات
و تصب غيومها مطرا و مياهاً
كالعرق الذي يتصبب من جسدك
هانذا و رغم عزتي
طعامي هو زرق الطيور
و موتي مناحة
فقم ايها البعل
و اهبط إلى اغواري
إلى هاويتي أنا الملاك العتيد
الذي اصطفاه الله
………………………………………………………
يمتثل البعل لإرادة موت
و يعلن لرسولي موت
سوف يمتثل البعل لارادة موت
سوف يهبط البعل إلى اغوار موت
سوف يتهاوى البعل في هاوية شدقه
ما ان يدرك اليباس اشجار الزيتون
و يجف غرس الحقول
و يشح عطاء الارض
فامضيا الى سيدكما القوي موت
و زفا اليه البشرى و قولا له
السلام عليك يا من اصطفاه الله
انا عبدك
و عبدك اكون الى الابد
…………………………………………………….
بعد اختفاء البعل يحل الجفاف و تموت الطبيعة يبدأ الناس يشتكون من المجاعة فيقوم ملاكان و يصعدان الى بيت مقر الرب
عند منبع الانهار
وسط مجرى المياه العظمى و الغمر الاول
فلما وصلا الى مفام رب الدهور
رفعا صوتهما قائلين
لقد جبنا افاق الارض
من اقاصيها الى اقاصيها
و حتى طرق البحر مضينا
لكننا لم نعثر على البعل
اجل ايها الرب
البعل اختفى
نزل الى اعماق الارض و توارى
في هاوية موت
الامير سيد الارض قد مات
تأتي السيدة /عنات/ البتول ربة اليانبيع الى مقر الرب
و تسمع بالخبر
و هي و الرب يعلنان الحداد
الرب ضرب رأسه متفجعاً من الاسى
و السيدة / عنات /قطعت ضفيرتها و صاحت و هي تنوح
لقد مات البعل فما مصير جموع البشر يا حسرتي
ثم جلست و بكت و ناحت و كالخمر شربت دموعها
…………………………………………….
ثم تنطلق / عنات/ البتول للبحث عن البعل
و تحاول اخراجه من الجحيم غير ان موت يرفض طلبها
و هكذا تمضبي الايام و الناس يعانون من القحط و الجدب
و البتول /عنات/ تبحث عن البعل و لا تجده
قلبها يحنو عليه و يخفق لذكره
و لكنها اخيرا تقرر دخول الحرب ضد موت
و لما ظفرت به في نهاية المطاف
بالحربة طعنته
و بالمنسف ذرته
و بالنار احرقته
بحجر الرحى طحنته
و على الحقول طرحته
لكي تأكل الطيور الجوراح لحمه
و تنهش بقايا جثته
هكذا يقوم البعل من بين الاموات
كمن وطأ الموت بالموت
ثم و بعد ب ان يبعث حياً
يحمل سيفه و يهوي به على المياه العظمى
يدك اليم
و يضرب بعصاه هدير الامواج فيهدأ البحر
يقوم فيرمي بموت ارضاً
و يقضي عليه
ثم يستوي على عرش ملكه من جديد
و بعودة البعل
راحت السواقي تسيل عسلاً
و راحت السماوات تمطر رغداً
و عاد الناس يعيشون في سعادة
غير انه و بعد انقضاء سبع سنين
ينبري موت للبعل من جديد و يصيح به قائلا
من جرائك ايها البعل تجرعت مرارة القهر
في غربال غربلوا جسدي
بسببك قاسيت طعنة الحربة
و ذقت النار التي احرقتني
و بحجر الرحى طحنوني
ثم قام موت فصعد الى قمة جبل صفن
و باعلى صوته صاح في صفوف الملائكة
يا اخوتي هانذا اجعل البعل مرجاً ارعاه
يا ابناء امي هاهو البعل ضحيتي
ثم تلاحم البطلان
طورا ترجح كفة البعل
و طورا ترجح موت
تناطحا كعجول البرية المتوحشة
جوله للبعل
و جولة لموت
كافاعي لدغ الواحد الاخر
حينا البعل يغلب
و حينا موت يغلب
ثم و عند هذا الحد من القتال ظهرت الشمس في الاعالي
و طلبت من موت ان يكف عن قتال البعل
و قالت له مهددة
الاتخشى ان يسخط الله عليك ؟
فامتثل موت لها و ترك البعل و مضى بعيدا
فقام الملائكة فحملوا البعل
و اقاموه على عرش ملكه
و ثبتوه على كرسي حكمه و سلطانه
………………………………………………………..
هكذا تنتهي الملحمة
و نقرأ في اسفل اللوح هذه الكلمات
هذا التص دونه /ايلي.ملكو/ رئيس كهنة مملكة اوجاريت
على عهد الملك
نقمد