المحامي الاستاذ محمد محسن
….التفـــــــــــــــــــــــــــــــــاؤل والتشـــــــــــــــــــــــــــــــــــاؤم
……………في المـراحل التاريخـية المصـيرية التشـاؤم يستــدعي القنــوط
……………الاحباط والقنوط والتشاؤم يمكن توظيفها ضد المصالح الوطنية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نحن في مرحلة تحول تاريخية كمن يخرج من عنق الزجاجة ، أو كأننا في حالة موات ، ونحن الآن نحاول الخروج من الشرنقة ، نعم نحن نعيش في أتون حرب لم تترك بشراً ، أو شجراً ، أو حجراً ، بدون أن تصبه بأذاً ، فنحن نواجه كل شرور العالم دفعة واحدة ، العسكرية ، والسياسية ، والاقتصادية ، والثقافية ، وأشر منها الأفكار الدينية الموغلة في القدم ، ونحن وبدون مبالغة بصمود شعبنا وتحمله وصبره المذهلين ، واقدام وشجاعة جيشنا البطل ، وصدق وانتماء حلفائنا وأصدقائنا ، بتنا في الربع الأخير من تجاوز المحنة أو المحن التي نزلت علينا زمهريراً اسوداً من الجهات الخمس تحت لافتة " ربيع كاذب فيه السم الزعاف " .
.
لذلك فالمسؤولية الوطنية كبيرة وملقاة على عاتق كل منا كل بحسب قدرته وموقعه ومجال عمله المتاح له ، وكل مواطن شريف مدعو بشكل دائم إلى توظيف طاقته الإيجابية لصالح وطنه ، الجندي في الخندق ، والعامل في معمله ، والفلاح في أرضه ، والصحفي ، والأديب ، والمفكر عليهم عبء تقديم الكلمة الصادقة ، ــ نعم الصادقة والمسؤولة ــ ورسم الواقع عبر شرح يومي مخلص للمواطن ، الذي ينتظر بشغف الاطلاع على ما يحدث على أرضه وبين مكونات شعبه ، من تحولات ووقائع ليكون مستعداً لكل طارئ ايجابياً ، كان أم سلبياً ، الكل يجب أن يكون مهتماً بعمله ، بوظيفته ، بمهمته ، أكثر من الظروف العادية ، هذا ما يجب أن يكون ، وبالتأكيد سيكون هناك تفاوت في الانتماء وفي الفهم وفي العمل ، ولن يكون جميع المواطنين على نفس السوية من الاهتمام ، والالتزام ، والمثابرة ، والأخلاق ، وبكل تأكيد يوجد من لا ينهض بواجبه الوطني ، كسولاً غير مهتم ، كما يوجد المتخاذل ، والحاقد ، والبائع عقله للشيطان ، والذي ينتمي إلى فكر لا يتعرف على المستقبل ، أو حتى العميل ، والخائن ، وفي بلادنا ظهر ــ مع الأسف ــ التكفيري ، والقاتل أمه ، وأخيه ، وجاره ، إلى جانب هؤلاء يوجد الفاسد ، والمفسد ، والمرتشي ، والسارق .
.
هذه الظواهر المرضية من الرشوة حتى الخيانة ، موجودة في كل شعوب الأرض ولكن بنسب متفاوتة ، وتكثر أو تزيد في الحروب أو في حالات الاختناقات السياسية ، أو الاقتصادية ، وبخاصة في الحروب الكبيرة ، كالتي تمر بها سورية الوطن الغالي الجريح الآن ، وهذه الظواهر المرضية هي عارضة مهما بلغ حجمها الآن ، وليست مقيمة كما أنها ليست خاصية من خصائص شعبنا ، بل هي صفة عامة تصيب كل الشعوب التي تمر بظروف تشابه ظروفنا ، لا نقول أنها ستتلاشى ولكنها وبكل تأكيد ستضمر إلى حدودها الدنيا ، لأن زخم عملية الانتقال التاريخية والخروج من عنق الزجاجة ، بتحقيق النصر المؤزر ، كلها ستعطي دفعاً قوياً جارفاً سيجرف في طريقه كل هذا الهوام المتطفل ، وستُظهر كل خائن ، وعميل ، وكل راش أو مرتش ، وكل سارق ، أو ناهب ، أو فاقد لإنسانيته ، وأصبح حيواناً يأكل لحم أخيه ميتاً ــ وهابياً كان أو إخوانياً ــ كل هذه الحثالات الاجتماعية ستنهار عند أول قفزة نحو الخلاص .
.
ــ ليس في هذا أدنى مبالغة ، ومن عاش تجربة الستينات من القرن الفارط في سورية يشاركني الرأي ويدرك أن هذه حقيقة ساطعة ــ وسأضرب لذلك مثلاً من تجربتي الحزبية والمهنية ــ القضاء كان نزيهاً ، وادارات الدولة العليا محافظين ووزراء كانوا في قمة النزاهة والالتزام ، لأن الدفق الثوري حينها فرض الأكفاء على العمل الحزبي والدولتي ، وسقط المريض اجتماعياً وغير الكفوء ، حتى رجال الدين تقلص دورهم إلى حدوده الدنيا ، ــ أرجو أن تثقوا أنني لا أبالغ لأنني كنت في قلب التجربة ولم أكن على حوافها ــ .
ولو قسنا هذا المنطق الذي سقناه على الكثير من المحطات الدولية ما حدث لألمانيا ، لليابان ، لغيرهما ، بعد الحرب العالمية الثانية ، نجد أنها قامت من بين الركام ونهضت وأعادت المجد لشعوبها ، مع حالة تقدم مذهلة ، وقد يقول عنصري حاقد ، أو عميل ، أو متآمر، أو واحد من الطابور الخامس ، أو " رمادي متستر " أن تلك الشعوب تملك بجيناتها حالات التطور أما نحن فلا علاقة لنا بالحضارة ، من يقول هذا يعبر عن شخصيته الحاقدة ، وعن أمانيه أن لا نخرج من تحت الأنقاض ، حتى يروي ظمأ حقده الذي يكاد يحرق أحشاءه ، هذا كذب وبهتان ، ونظرة عنصرية مقيتة ومدانة من كل مفكري العالم وفلاسفته ، ومن يقول هذا هو أخطر من داعش لأنه يدعو للإحباط ، والاحباط ، يدعو للتشاؤم ، والتشاؤم يدعو للقعود عن العمل ، بل السعي للتهديم والتيئيس ، وهذا كله يصب في طاحونة داعش وأخواتها .
.
ومن يقول هذا ويؤمن بهذا ويعمل ضمن هذا المنطق التيئيسي ، عليه العودة إلى تاريخ شعوب هذه المنطقة تاريخ أجدادنا الذين مروا على هذه المنطقة وجغرافيتها ، ليعرف أن العالم يعترف بذلك ولكن روحه الحاقدة المتشائمة لا ترى إلا السلب ، أو لا ترغب أن ترى غير السلب ، وعليه أن يدرك أن أجدادنا عندما قدموا للدنيا الحضارة ، كانت شعوب أوروبا ذاتها لاتزال تعيش في الكهوف ، ولكن يجب أن نعترف وبكل صراحة وأن نضع الملح على الجرح ، وأن نقول بالفم الملآن : أن الفكر الديني الذي ختم على عقولنا قروناً وجعلنا نعيش بجهالة وكأننا لانزال نعيش في النصف الأول من القرن الثامن عشر ـــ هو من أغلق علينا دروب المستقبل ، دروب التفكير العلمي العقلاني ، وذلك بانتصار من حارب المنطق والفلسفة ، من أبي حامد الغزالي وقبله وبعده من تلامذته ومريديه ، مروراً بابن خلدون السلفي المعادي للعقلانية والمعادي للعلم معتبراً ما تبناه جابر بن حيان من علوم في الكيمياء والعلوم الكونية مجرد سحر وهرطقة ، هذه هي العقبة الكأداء التي يجب أن نتجاوزها ، وسنتجاوزها بحكم الضرورة وبكل تأكيد ـــ واذا ما أضفنا لكل هذه الأقفال ، ما فعله الاستعمار الغربي الذي لم يسمح لنا بساعة استقرار واحدة ، بعد تأسيس ممالك الخليج النفطية ، و" اسرائيل " .
.
ولكن نقول وعلى رأس السطح الزمن القادم يبشر بيقظة عربية ، يسقط فيها العملاء ، والمشككون ، والمتعصبون ، والمتشائمون ، والمحبطون والرماديون ، وعلى رأس ذلك كله الفكر الديني العتيق والخانق ، وستتحقق تقشعات لغيوم الغرب الاستعماري البغيض تتبعها تقشعات حتى تبين لنا قبة السماء الزرقاء ببهائها ، بعد رحيل كل ذلك الطاغوت ، وهذا سينعكس وبالاً على عملائها وتابعيها في المنطقة أفراداً ودولاً ، وسيتبوأ الأكفاء والشرفاء دفة قيادة الخروج من العماء التاريخي إلى نور حضارة المستقبل ــ ومن لا يؤمن بهذا فهذا شأنه فليعش بفكر ابن تيمية حتى قيام الساعة ــ .
نعود فنركز على أن التشاؤم والقنوط والإحباط عند كل عثرة ، أو سقطة ، أو سلوك مرتش ، أو سارق " نضع الحزن بالجرن " وننقل كل أجوائنا المكتئبة إلى كل من حولنا وذاك ينقلها إلى الغير فتسري كالنار في الهشيم ، لأن السلب سرعان ما ينتشر بشكل اسرع من الإيجاب .
.
…..الدنيا كل الدنيا أصدقاء وأعداء تبشرنا بنصر عظيم مؤزر قادم ، ولكن هذا لن يأتي بالتأكيد على طبق من فضة ، بل سيأتي بالتضحيات ، بالصبر بالتحمل ، وما فات أصعب بألف مرة مما سيأتي فما هو مبرر التشاؤم ؟؟!!
…..إن التشاؤم والقنوط والاحباط تؤدي كلها إلى التشاؤم ، والاكتئاب ، وبالتالي لا تخدم قضيتنا الكبرى قضية الانتصار، كما لا تخدم مجرى حياتنا العادية ، بل بدون أن ندري وقد يدري البعض أنها تخدم أعداءنا ، كما أن التشكيك بحلفائنا وأصدقائنا عند كل مفترق يصب في ذات المجرى
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
…………………التفاؤل يجب أن يكون رائدنا ، لأنه الحياة ……………
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ