..هـل استفـــــــــاقت مصــــــــــــــــــر الكنــــــــــــــــــــانة
…………….مــاهي العـــوامل التـي أخــرت استفاقـة الشـعوب العربـية
…………….الحطـام العربي خلـخل جميـع البنـى الاجتمـاعية والثقافــية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــالمحامي محمد مجسن ــــــــــــــــ سورية ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سأبدأ بالقول وسأسجل حقيقة أن سورية قلب العروبة النابض ، كانت وستبقى السباقة في قراءة الواقع السياسي لأي دولة من الدول العربية ، وعلى ضوء تلك القراء ة تتخذ الموقف الأخوي المتضامن ضد أي خطب يقع على أية دولة منها ، وتبادر بل تسرع إلى المؤازرة سياسياً ، واقتصادياً ، واعلامياً ، حتى وعسكرياً إن لزم الأمر ، والأمثلة كثيرة منها موقفها من المقاومة الفلسطينية وبخاصة في ايلول الأسود عام 1970 / عندما دخل الجيش العربي السوري الأردن مؤزراً ، وقصف من الطيران الاسرائيلي ، وموقفها من الجزائر الحبيبة في كفاحها ضد فرنسا المستعمرة ، " والأمانة التاريخية تلزمني بتسجيل واقعة تاريخية تقتضيها موضوعية المقال " حيث ذهب لمؤازرة الثورة الجزائرية البطلة ، ثلاثة أطباء سوريين وسيدة ، للقيام بواجبهم في مداواة جرحى الثورة الجزائرية ، وعاشوا أربع سنوات في جبال الأوراس ـــ وهم الدكتور نور الدين الأتاسي ، والدكتور ابراهيم ماخوس ، والدكتور يوسف زعين ، والسيدة سعاد العبد الله ـــ ليس هذا فحسب بل التبرعات السخية جداً التي كان يقدمها الشعب العربي السوري لأشقائه في الجزائر في كل شتاء ، كما ولا زال ماثلاً في أذهان الكافة استقبالنا للشعب العراقي الشقيق في منازلنا ــ ليس في المخيمات ــ عندما واجه شعبنا في العراق الشقيق الحرب الأمريكية الظالمة والمتوحشة عام / 2003 / ، وكذلك استقباله لمئات الآلاف من الأشقاء اللبنانيين في حربهم وانتصارهم المؤزر عام / 2006 / ولا يجوز أن ننسى تقديم المياه إلى الأردن عندما قطعتها عنه " اسرائيل " على حساب شعبنا في درعا ، والكثير من هذه المبادرات والمواقف .
.
لا يجوز لأحد أن يعتقد أننا نقول هذا القول من مواقع المنة على أهلنا في تلك الدول ، ـــ لا ـــ بل كنا نعتبره واجباً ولا زلنا ، ولكن هو استعراض ضروري تفتضيه موضوعية المقال ، كما لا يجوز لأحد من أهلنا في سورية ، أن يحمل الشعوب العربية في شتى أقطارها مسؤولية تأخر استيقاظها ، وعدم المبادرة لاتخاذ الموقف الوطني والقومي المؤازر للشعب العربي السوري في محنته في السنوات السبع العجاف ، ـــ ولكن العتب ممكن وضروري ـــ لقد شاهدنا الكثير من التململات والمبادرات ولكنها خجولة ، ولا ترقى إلى المستوى المطلوب حجماً وقوة دفع وتأثير ، وذلك يعود إلى أسباب كثيرة منها :
.
11ـــ : مواقف الحكومات والأنظمة العميلة والمتآمرة ـــ عدا الجزائر الحبيبة ـــ التي ساهمت بشكل مباشر في سفك الدم السوري وبخاصة محميات الخليج ، التي وُلدت لتتآمر ، ولتتخادم مع أعداء الأمة ، ولتجهض أي تحرك تقدمي عقلاني ، وهي في هذه الحرب القذرة دفعت ثمن فاتورة الحرب كاملة ، لتؤكد لأمريكا على وجه الخصوص ، وللدول الأوروبية الاستعمارية أيضاً ، أنها الوفية والقادرة على النهوض بالدور الذي أنيط بها تاريخياً منذ نشأتها الأولى .
.
22ـــ : تقتضي الموضوعية التاريخية أن نقول وأن نعترف أن هناك ضعفاً بنيوياً يعتري جميع الحركات التقدمية والعقلانية في جميع الأقطار العربية ، لأسباب شتى : أهمها افتقادها للقيادة الواعية والقادرة على استنهاض شعوبها ، وإلى ضبابية الرؤية النظرية والفكرية .
33ـــ : الوضع الاجتماعي والاقتصادي المتردي الذي حشرت الأنظمة المتآمرة شعوبها به ، من فقر وعوز ، منذ ما يزيد على أربعة عقود ، وهذا ما حصر اهتمامهم بتدبر لقمة عيشهم بدلاً من الاهتمام بما يجري من حولهم ، هذه الحالة الممضة من الفقر حد العوز ، من جهة أراحت الأنظمة المستبدة التابعة والقاتلة في فرض سيطرتها على شعوبها ، ومن جهة أخرى أوصلت المجتمعات العربية إلى حالة من القرف واللامبالاة حد الاكتئاب ، قادتها إلى العزوف عن أي مساهمة فعالة في العملية السياسية في أوطانها ، وخارج أوطانها وبخاصة الشعب العربي في مصر .
.
33ـــ: ألف محطة تلفزيونية بل أكثر ، وألف صحيفة ورقية " وألكترونية " وأكثر ، وألف جهاز استخبارات وأكثر ، كلها كان همها قبل وبعد انطلاقة ما سمي " بالربيع العربي " تدويخ المواطن العربي حتى والغربي ، وقلب المفاهيم في أذهانهم ، وتحويل القتل الجماعي المجاني إلى عمل انساني تقتضيه مصلحة المجتمعات في المنطقة ، وأن قتل الملايين من البشر وتهديم ما بنته الأجيال عبر عقود ، هو من أجل مستقبل شعوب المنطقة ؟؟ !! وحريتها !! وهو الطريق الاجباري والوحيد لجر المجتمعات إلى " الديموقراطية " طبعاً الديموقراطية القاتلة ؟؟!!
.
33ـــ : وان نسينا فلن ننسى الحطام العربي العام الذي تمر به أمتنا منذ عقود من غربها إلى شرقها ، هذا الحطام أدى إلى تخلخل جميع البنى الاجتماعية فيها ، والذي سمح بتسلل جميع الأمراض الاجتماعية العتيقة من ما قبل الدولة ، من العشيرة ، والقبيلة ، والمذهب ، وأن تستوطن في المنطقة ، وتخلي المكان لتفش مريع للفقه والفكر الديني الغيبي التكفيري النكوصي القاتل ، والذي عبر عن نفسه بأقذر وأبشع صور القتل ، والتمثيل ، والحرق ، والاغتصاب ، والتشريد ، والتدمير للشجر والحجر هذا الفقه الديني المغلق الذي يجثم على صدور وأفئدة وعقول الملايين ، من عشرات القرون ويكاد يخنقها بل فعل ، وهو الآن أفصح عن هويته بشكل سافر ومريع ، وعلى كل من يستخدم عقله أن يعلم أن لا تقدم للمنطقة ، بدون فكاك عقول هذه الجموع من هذا الأخطبوط الفكري المعشش ، والمتشبث ، والذي يزرعه ويرعاه الكثيرون من رجال الدين المعممين الأغبياء الذين يشكلون امتدادا بفكرهم إلى انسان الغابة المتوحش ، والذي همهم أخذ المكوس ــ الضرائب ــ من الفقراء حتى يمنحونهم صكوك الدخول إلى الجنة حيث الحور العين .
.
عودة إلى أهلنا في مصر ، لا يحق لي ولا أسمح لنفسي أن أتحدث عن أهلنا في مصر ، بدون أن أعترف بأنني تتلمذت والكثيرين من جيلي على يد المفكرين العقلانيين المصريين أمثال " محمود أمين العالم ، وسمير أمين ، واسماعيل عبدالله ، وميشيل كامل ، وقبلهم طه حسين ، ومحمد عبده ، وعلي عبد الرازق ، وفرج فودة وغيرهم " هذا المجتمع الذي أنجب هؤلاء العظماء ، لا يجوز أن نشكك بوعي وقدرة هذا الشعب الطيب على الاستفاقة والقدرة على الرؤية الصحيحة لصورة ما يجري على شقيقتهم التوأم سورية ، ونتهمه بانه بات مجتمعاً عقيماً ، ولكن نعود لنلعن الظروف السياسية والاقتصادية التي وضع فيها شعب الكنانة .
ومنذ وفاة عبد الناصر الزعيم العربي ، لم يمر المجتمع العربي في مصر بفترة هدوء يلتقط فيها أنفاسه ، بل كان ينتقل من كابوس إلى كابوس ، من السادات الذي نقله من موقعة العربي التقدمي العقلاني إلى الاستسلام للحضن الأمريكي الصهيوني ، حيث عزله عن محيطه العربي ، وأفسح في المجال للفكر الديني الاخواني الرجعي أن يتمدد على حساب الحركة التقدمية العقلانية الوحدوية التي بدأت تتآكل ، عبر مرحلتي السادات ومبارك ، ليتوج هذا التراجع بعهد مرسي الاخواني ، الذي حمل لواء " الربيع الإخواني " وألقى خطابه الناري في " استاد " القاهرة ، محرضاً ومستنفراً كل القوى الدينية الاخوانية والوهابية المتوحشة في كل العالم لنصرة " الثورة " في سورية ، فاذا ما أضفنا لكل هذه التحولات الوضع الاقتصادي الصعب جداً الذي فرض على الشعب العربي المصري الطيب .
ولكن قد يسأل سائل أين الأرث التقدمي العقلاني الذي تركه عبد الناصر ؟ وأين القوى الناصرية ؟ ، لماذا لم نلحظ لها الدور المؤثر والفاعل الذي كان يأمله السوريون لمواجهة العدوان المدمر على سورية قلب العروبة النابض .
.
السؤال يملك كل المشروعية ، ولكل وطني سوري الحق في العتب على اخوتهم في مصر الكنانة ، ولكن لنغوص قليلاً لتبيان السبب :
بكل الموضوعية لم يتأصل الاتحاد الاشتراكي في مصر " الناصري " ولم تترسخ مفاهيمه التقدمية الوحدوية العقلانية ، بل بقي تنظيماً هشاً هلامياً ــ مع المعذرة ــ ولم يرقى الى حزب مؤطر فكرياً وتنظيمياً ، بل غالبية الناصريين في مصر كانوا ذو خلفيات دينية ، وشكلت الناصرية قشرة رقيقة سرعان ، ما بهتت وبانت الخلفية الدينية الأقرب للاخوانية ، وهذا ينطبق تماماً على الحركة الناصرية في سورية ، والنموذج الباهت ــ حسن عبد العظيم ــ ، ويمكن القول وبموضوعية أن غالبية الناصريين السوريين ، قاموا بدور سلبي في نقل الصورة الغائمة بل والمشوهة عن الوضع في سورية إلى الناصريين المصريين ، مما أضاف إلى الضبابية ضباباً . وما ينطبق على مصر ينطبق على غالبية الشعوب العربية .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولكن أجزم أن الاستفاقة ستكون قوية في جميع الأقطار العربية ، وستنال الشعوب من أنظمتها المتآمرة ، وستحملها وزر الدماء الغزيرة الذكية التي سالت على البطاح السورية ، لأن هذه الدماء الطاهرة الذكية ستكون المحفز على التمرد ، والثورة ، والبحث عن الحقيقة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
……………….مصر التي في خاطري وفي دمي نحبها نحبها ….