د أحمد عثمان
إرادة الحق منتصرة
بعد أن حاق الطوفان بالوطن العربي جراء ما سمي الربيع العربي نسأل إلى أين, بعد أن استنزف وقسم وقضم ودمر وقتل وأهدر دم الشعوب والدول العربية وجيوشها ومؤسساتها ؟ هل مازال يوجد في هذا العالم عقول تؤمن وتعتقد أنه ربيع عربي ؟ وهل يمكن أي بناء ديمقراطي ودول قوية وحديثة تستقل بقرارها غير تابعة لأي جهة خارجية تعتمد ذاتياً على إنتاجها الزراعي والصناعي وعل شعوبها بالدرجة الأولى ؟ أم أن الربيع العربي جاء للتدمير والقضاء على أي محاولة لبناء هكذا دولة ؟ نعم يجب أن يكون لنا لحظة تمعن بما أرادوا من هذا الربيع وما فعله بالوطن العربي, أو الأفضل أن نبحث عن من أراد لهذا الربيع أن يكون, فمن أراد هم نفسهم من قاموا بدعم وتمويل عصابات التكفير والإرهاب, إذا هذا الربيع أتوا به لتدمير المجتمعات العربية, والدولة التي أرادت الاستقلال والسيادة وتمنع التدخل بشؤونها الداخلية , فهذه سورية ومنذ قام حزب البعث العربي الاشتراكي باستلام سدة الحكم , قد تكون هي النموذج للدولة, والدولة الوحيدة في الدول العربية التي كان قرارها مستقل ولديها اكتفاء ذاتي ولا ترتبط باقتصادها على الخارج وهي الدولة الوحيدة التي لا تدين لأحد بدولار واحد رغم الحصار والعقوبات التي ولازالت مفروضة عليها بسبب مواقفها القومية والوطنية تجاه القضايا العربية, وخاصة القضية الفلسطينية, فهل الحرب الكونية على سوريه من أجل إسقاط نظامها وراس الهرم في الدولة الرئيس بشار الأسد ؟ أم أنه استنزاف وإنهاء قوة الدولة السورية التي اعتمدت سياسة خاصة على المستوى الوطني والقومي للحفاظ على السيادة والاستقلال , فهذه الدولة لابد لها من أن تصمد وخصوصاً أن كل المقومات المطلوبة للانتصار متوفرة وأهمها إرادة الحياة عند شعبها, وجيشها يحمل عقيدة الانتماء والانتصار للوطن, وقائد نهل كل ما هو صافي من الوطنية والقومية .
منذ أربع سنوات ونيف وحرب كونية تقوم على سورية, بل مع سورية, ولازالت سورية هي المحور العالمي وهي بيضة القبان , هذه الأعوام حملت بطياتها الكثير من التساؤلات, والكثير من التطورات على الساحة السورية وعلى كل الأصعدة وأبرزها السياسية والعسكرية الميدانية.
وأهم ما في الأمر أن أهداف العدوان باتت مكشوفة وواضحة ومن يقول غير ذلك فيكون كما النعامة عندما تدفن رأسها بالرمال, نعم إن أهداف الحرب أصبحت واضحة دون أي شك , فالمراقب العادي أصبح لا يحتاج للعناء حتى يستطيع معرفة خفايا ومكنونات أسرارها, فكل أطراف التآمر أصبحت مكشوفة ومفضوحة ولم يعد شيئا خافيا على أحد, فالتآمر مكشوف للعلن وإعلان الخطط التآمرية لإسقاط سورية من المعادلة الدولية , وبات الدعم الدولي للإرهاب بكل ما يلزم لانجاز ما يوكل من مهام , وما أعلن من تحالفات دولية تحت أي مسمى وخاصة (مكافحة الإرهاب ) كان كلام حق يراد به باطل وما التحالف الذي أقامته أمريكا تحت هذا المسمى, ليس إلا فقاعة إعلامية, وبالواقع لم يحقق إلا الدعم الكبير للعصابات الإرهابية , فعلى الأرض رغم كل ادعاءات الأمريكيين وحلفائهم من توجيه ضربات للإرهاب لازال الإرهاب يتمدد ويتمدد ولم ينحسر سنتمتر واحد على الأرض, ولم يتقهقر, ولم يفقد أي مقوم من مقوماته الأساسية , والأهم من ذلك أن هذه التنظيمات تتلقى كل الدعم من دول هذا التحالف, وفتحت لها المعسكرات على أراضيها للتدريب, وفي مقدمتها نظام تركيا اردوغان الذي احتضن كل التنظيمات الإرهابية على ارض تركيا ودربهم ومدهم بما يلزم, وجعل الحدود التركية السورية معبرا مفتوحا بالمطلق أمامهم , ومن جهة أخرى التنسيق الكامل بين هذه العصابات والكيان الصهيوني وعلى رأسها (جبهة النصرة )قد رقي إلى أعلى المستويات بإشراف ودعم دول إقليمية كالسعودية وقطر والأردن وتركيا وبعض المنظمات الخليجية التي تحمل بمفاهيمها التكفيرية والوهابية, وهذا كله مكشوفا واضحا لكل الهيئات الأممية , وبالمقابل وبعيدا عن ما يدور في فلك الأطراف المتآمرة على المنطقة إجمالا, نجد أن الصمود السوري بكل مؤسساته هو العنوان العريض والأبرز خلال هذه المرحلة, ونجاح الجيش العربي السوري وما يخوضه من حرب التطهير ضد (داعش) وأخواتها التي يرعاها الغرب وحلفائه من أعراب المنطقة اردوغان حيث يحقق أروع الملاحم والانتصارات على كامل الأرض السورية ويوازيه من الجانب الآخر العمل السياسي الذي يحققه السوريون بسبيل إنجاح العمل السياسي للمبادرات التي يطرحها حلفاء سورية وأصدقائها وفي مقدمتهم روسيا وإيران, وذلك في سبيل الوصول إلى حل سياسي يقوده السوريين أنفسهم, ليكون كفيلا بالقضاء على الإرهاب وصون وحدة سورية واستقلالها, وحقن الدماء فيها.وبالتالي إن سورية بحزمها وقوتها قيادة وشعبا وجيشا مستمرة بالتصدي للعدوان الممنهج, والإرهاب المدعوم دوليا , ومحافظة على مبادئها في نهج المقاومة والقرار الوطني والقومي الحر, ومستمرة بالعمل على رسوخ الصمود في وجه اعتى هجمة تآمرية عدائية عرفها التاريخ الحديث, ولن تنحني أمام هول ما يخطط لها , وصمودها معززا بقائدها وجيشها وشعبها ولم ننسى أن لسورية أصدقاء وحلفاء يحاكون الحق لسورية وشعبها, ومستمرين بالدعم للحفاظ على هذه الدولة والحياة فيها, وأن إرادة الحياة والدفاع عن الحق جعل من العالم شاهدا على عراقة حضارة الإنسان السوري , مما أكد أن سورية هي بيضة القبان في هذا العالم الذي انقسم وعاد لحالة التوازن العالمي, ليصبح ثنائي القطب بدلا من أحادي القطبية الذي انفردت فيه الولايات المتحدة الأمريكية لسنوات طويلة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي , فما حصل في سوريا أدى إلى أن تبرز روسيا ومن يتحالف معها بقدراتها لتشكل القطب الآخر بعد أن وجدوا بسورية الدولة التي تقاوم, ولا يخفى أن احترام الروس وقيادتهم للدولة السورية وللرئيس بشار الأسد شخصيا ليس من فراغ, بل وجدوا بسورية قيادة وشعبا دولة مقاومة تستحق الاحترام, وبالتالي هي التي تحقق إعادة التواجد الروسي على الساحة الدولية وهذا مما أدى إلى تشكيل التحالف الروسي ليكون القطب المقاوم للغرب ولعصاباته الأدوات والتي ضمت أكثر من مائة وثلاثون دولة, هؤلاء الذين أقاموا الدنيا وما أقعدوها بمحاربة سورية لإسقاط أول حضارة في العالم, وليس فقط بل لإرساء أمان الكيان الصهيوني وشركائه من الأعراب الذين يحتمون خلف البترو دولار ولكن إلى متى؟
لقد عاثوا بالأرض فسادا باسم حقوق الإنسان والديمقراطية التي لا يتمتع شعوبهم منها إلا بالعناوين فقط, وهم بعيدين كل البعد عن ذلك, بل يعانون الأهوال من قياداتهم وأولها في مملكة الرمال, التي أول من علا صوتها بحقوق الإنسان والديمقراطية ومواطنها لا يحصل على أقل مستوى من الحقوق قياسا بالعالم أجمع , والمضحك المبكي, أن هذه المملكة قامت بتحالفات إيعازا من أمريكا للحرب على اليمن بطائراتها, وحملت كل إشكال الموت له لماذا ؟ ( لإعادة الشرعية في اليمن) ! عنوان يحتاج إلى الكثير من البحث, عنوان لا يمت إلى الحقيقة بأدنى المعاني, وباختصار حربهم خدمة لأسيادهم في الكيان الصهيوني , التي باتت علاقة آل سعود بهم مكشوفة واضحة فهذه المملكة الوهابية التي لا تمت للعروبة بشيء بغض النظر عن زيف إسلامهم وانتمائهم, لان انتمائهم الخيبري أصلا هو الحقيقة, والإسلام بريء منهم إلى يوم تقوم ناقة صالح , فبعد كل هذا لم يعد خافيا أيضا أن المشروع الذي قرره ( البيت الأسود ) للمنطقة وتقسيمها وتهديم القوة الفاعلة المقاومة للكيان الصهيوني, تقوم أيدي الوكلاء بالمنطقة على تنفيذه , ولكن الحلف المقاوم أفشل تمنياتهم وآمالهم لغير رجعة, مع أننا واثقون أن يد الشر لم تقطع وسيتكرر فعلهم دائما, وان على شعوب وقيادات المقاومة أن تصمد , فسورية وشعبها وقائدها المقاوم ومن حوله القوى والحركات العربية المقاومة لابد أن ينتصروا ويفشل كل المؤامرات وإرادة الحق تبقى راية ترفرف بسماء الوطن منتصرة.
.