![](http://beirutpress.net/static/images/305324466fd62d3556e6c44c5368bcae.jpg)
ميشيل كلاغاصي – بيروت برس –
يبدو أن السعوديين لم يروا ما آل إليه مصير مواطنهم أسامة بن لادن، وكيف إنتهت حياته وجسده طعاما للأسماك في بحر مجهول، على الرغم من كل ما قدمه، والآفاق التي فتحها لأحفاد العم سام لخوض حروب الألفية الثانية التي خططوا لها منذ زمن بعيد.. نعم لقد قتله الأمريكان وألقوه في البحر، ولم يدرك آل سعود أن واشنطن لا تهتم بأدواتها وسرعان ما تتخلى عنها بمجرد إنتهاء أدوارها ومهماتها.
لقد كرروا الخطأ نفسه وأرسلوا تباعا بندر بن سلطان ومحمد بن نايف ومحمد بن سلمان، دون أن يتخيلوا مصيرهم وأيّ بحر ينتظرهم، في شتاء قارصِ البردِ يأتيهم بعد ربيع وخريف من الفشل والهزيمة.
لن نعود كثيرا إلى الوراء، فمنذ مطلع العام 2000 والمملكة ترتكب الخطأ تلو الخطأ وتتبع سياسات غريبة على مستوى الداخل السعودي يستمر معها السخط الشعبي وسط الجَلد وكم الأفواه وقطع الرؤوس، وخنق الحريات وفرض التهميش ومحاصرة المرأة، ونشر الفقر والإفقار المتعمد في بعض مناطق المملكة. أما خارجيًا، فقد لعبت العديد من الأدوار السلبية والهدّامة، وتدخلت في شؤون جميع الدول العربية بما فيها دول الخليج بالإضافة إلى تدخلها في الشأن الإيراني والروسي، ناهيك عمّا تفعله حاليًا في سوريا ومنذ سبع سنوات على الأقل، حيث نصّبت نفسها القائد "العربي" للحرب عليها.
لم تكن المملكة بارعة يومًا في سياساتها، إذ كانت مفضوحة ومبنية على العداء والحقد والكراهية والتبعية الغربية، ولم تتوان عن استخدام مال النفط والفتن والفكر الهدّام سبلًا لفرض نفسها كدولة عربية وإقليمية هامة، واجتهدت لحرف البوصلة العربية عن قضيتها المركزية واستبدلتها بتصوير إيران كعدو بديل عن العدو الإسرائيلي!، ودعمت كل ما يكرس التفرقة وشق الصف العربي عبر الساحة اللبنانية من خلال من استزلمتهم واشترت ضمائرهم، فوقفت ضد المقاومة اللبنانية وكل محور المقاومة، ووجدت لها مقعدا أساسيًا ومتقدمًا في مخططات ومشاريع الهلاك، رافعةً سقف الحقد والكراهية لأعلى الدرجات.
واحتاجت كلامًا أمريكيًا وإسرائيليًا يؤكد لها إنتصار سوريا الميداني، والذي تتجه نحوه بسرعةٍ فائقة، وأنه لم يعد من الحكمة والمقدرة استمرار الحرب عليها بالشكل الذي اعتمد لسبع سنوات، فقدت معه السعودية وأخواتها ومشغلوها أية فرصة لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء، وبات عليها دمج الحربين الميدانية والسياسية في وقت واحد، بفضل وقاحتها وإصرارها على التدخل السافر في الشؤون السورية الداخلية، مستغلةً التضعضع الكبير في معارضة الإئتلاف المدعومة من قطر وتركيا التي أوقفت تمويل الإئتلاف، وقرار الرئيس ترامب بوقف برنامج دعم وتسليح المعارضة "المعتدلة".
وهنا تكمن المعضلة الكبرى!، فكيف للمملكة أن تتقدم سياسيًا أمام المدرسة الدبلوماسية السورية العريقة، وحكمة القيادة السورية، فلا تملك السعودية سوى المال والخديعة، خصوصًا بعد وصولها إلى مفترق طرق يفترض بها:
1- إما الرضوخ لانتصار سوريا، ومحاولة الخروج منسحبة من مآزقها والبحث عن طريق عودتها الآمنة، والذي يأتي على حساب خديعة من ينعم بمالها ووعودها الكاذبة، فتغمد خنجرها المسموم في خاصرة الأغبياء والخونة الذين وثقوا بها وعاشوا أحلامها.
2- أو أن تستمر بهزائمها الميدانية والعسكرية إلى النهاية، خصوصًا بعدما تيقنت من أنها تواجه محورًا مقاومًا منتصرًا، لم يعد يقبل بالهزيمة في كل الجبهات المفتوحة في سوريا واليمن والعراق وليبيا ومصر…إلخ.
3- أو أن تستفيد من تغير المزاج الدولي من الحرب على سوريا وتظهر تعاونًا يُفضي إلى المساهمة بحل الأزمة السورية، وتلعب على الوتر الأممي الذي يتجه نحو توحيد المعارضة السورية في وفدٍ واحد، وتكسبها فرصة لجمع المعارضة ومنصاتها لتشتري بمالها القذر ذمم البعض منهم، وتفوز بتشكيل وفد يعوّض هزائمها ويفتح لها بوابة الدخول الآمن للتحكم بالقرار السوري، بالإعتماد على بعض الخونة وبائعي الأوطان لتفاوض الدولة والسلطة الشرعية كبديل عن الشعب السوري، لتفرض شروطها ورغباتها في تقرير مصير من يحكم سورية وشكل الحياة السياسية فيها.
فقد قامت باستضافة المعارضة السورية بمنصاتها الثلاث وعلى جولتين من خلال مؤتمر الرياض الأول والثاني، واللذين انتهيا دون تحقيق أي تقدم ملموس، إذ علا صوت الخلافات بين المنصات الثلاث، وافتضح أمر الخلافات الداخلية داخل المنصات ذاتها، لكن ما أعلن أن سبب الخلافات يعود إلى تباين حاد حول مستقبل الرئيس بشار الأسد وأنه شكل عقبة في طريق التوصل إلى موقف موحد، على الرغم من كلام عادل الجبير الذي طالبهم فيه ببلورة رؤية جديدة تتضمن بقاء الرئيس الأسد.
ويبقى من المفهوم أو غير المفهوم، قبول المعارضة الإجتماع في الرياض وليس في جنيف، في وقت يعرف جميع المعارضين الدور الدامي – الهدام للمملكة، وضلوعها حتى النخاع في الإرهاب الذي طال جميع السوريين وعلى كامل مساحة سوريا، وأنها مسؤولة عن إراقة دماء السوريين، وتدمير وطنهم، ووجودها في تحالف يقصف يوميًا المنشآت الحيوية السورية، ولا يتوانى عن قتل العسكريين في جبل الثردة والتنف ويقصف المدنيين بالفوسفور الأبيض في مدينة الرقة، فكيف يستطيع معارض أن يبرر للسوريين حضوره اللقاء في الرياض، وكيف له أن يرتضي مناقشة مصير وحياة السوريين ومستقبل دولتهم وقائدهم في رحاب الأسرة المجرمة الإرهابية بومة السلام السوداء، ولن يقبل السوريون تحت أي مسمى ذهابهم إلى هناك، ويبقى حَسب السوريين أنهم لا يعرفون المعارضة، ولم يفوضوها، ولن يقبلوا بأي كلام أو أية مواقف يتخذونها، فقد اختاروا أن يكونوا كالغرباء وفي الدم السوري شركاء من حيث يدرون أو لا يدرون.
فلم ينسَ السوريون والعرب يومًا رقص فيه ملك الإرهاب التكفيري وأقرانه مع جلادي العرب بالسيف العربي وشربوا نخب دماء العرب قهوة عربية مرّة، بعد فشلهم في مواكبة العصر وتقدم البشر والإنسانية، فأرادوها عودة لعقارب الزمن والتاريخ لمئات السنين، في سلوك متناقض بعدما ركبوا السيارات الفارهة الفخمة بعقلية حادي العيس وراكبي الجمال، واعتمدوا قانون سير القافلة الذي غابت فيه شارات المرور واستبدلوها بفتاوىً رفضها العصر الحجري وأغضبت البرونزي فحرقها في بوتقته معادنا رخيصة حمقاء، فكانت جاهلية بامتياز، لم تخلُ من الغيرة من فرعون وآلهة الماضي السحيق، فوجدوا ضالتهم في "جورج بوش، جونيور بوش، أوباما ونتنياهو" وإلهة الخصب الجديدة "ليفني" وفي Trump Big، فكانت ذبائحهم ضحايا ورشاوى علّها تقيهم شرّ تلك "الآلهة" وغضبها وانتقامها وعقابها، وأثبتوا ولاءً كبيرًا لأمريكي هزئ بهم ورقص رقصتهم، فملؤوا الساحات دماءً وصبغوا أعلامهم بالأسود، وجعلوه "عرسًا" للإبتهاج وتفجير "الألعاب النارية"، فإمتد العيد لأكثر من سبعة أيام وليال، وأصاب ضجيجهم كل الأمم، وكافة جيران الأرض الذين نالوا حصتهم أيضًا ألعابًا نارية قذفت بأشلاء الفرنسيين والإسبان والبلجيكيين….إلخ، وأسالت دموعهم وزرعت البؤس والألم والخوف في عيونهم، يا له من عرس أحمق طائش، لا يعلم أحد متى سينتهي؟