
نسرين نجم – بيروت برس –
كلنا نسعى لأن يكون أطفالنا في أحسن حال، ويتصدرون المراتب الأولى في مدارسهم وأن يقيموا علاقات سليمة مع أقرانهم، وأن يعيشوا مرحلة الطفولة بكل ما تحمله من قيم ومضامين إيجابية كالبراءة والعفوية والصدق. ونحن نعلم بأن للمدرسة دورًا أساسيًا في تكوين شخصية الطفل من ناحية تهذيب وتأديب وصقل الشخصية بالمعارف والعلوم، فهي المجتمع المصغر عن المجتمع الكبير أي أنها الإنطلاقة الأولى للطفل في تكوين علاقاته الاجتماعية… لذا في حال كان هناك توافق واتفاق ما بين المدرسة والأهل من ناحية تأدية أدوارهما بشكل صحيح، كالمتابعة والاهتمام وصناعة الشخصية السوية للأطفال، هنا تكون النتيجة صحة نفسية سليمة متوازنة، أما في حال كان هناك اضطرابات وإهمال وعدم متابعة وغياب للقراءة الصحيحة لسلوكيات وتصرفات الأطفال فهنا الطامة الكبرى.
إذن تربية الأطفال تحتاج إلى وعي ونضج وإدراك وأن يكون هناك علاقة صداقة وثقة وأمان بين الطفل وذويه سيما إذا تعرض لمشاكل في مدرسته، الأمر الذي قد يدفعه لكره المدرسة وإلى التراجع في تحصيله العلمي والشعور بالحزن والكآبة، أو ارتفاع حدّة الانفعال والتوتر والقلق، وعدم الرغبة في الحديث مع أحد أو الخروج من المنزل… طبعًا إن هذه السلوكيات هي نتيجة لمشكلة او حادثة تعرض لها في أغلب الأحيان في مدرسته، ولا يجرؤ الكلام عنها إما خجلًا أو خوفًا، وللأسف الكثير من الأهالي ومن المشرفين على المدارس لا يولونها أهمية رغم أبعادها السلبية وانعاكاساتها المدمرة على الصحة النفسية للطفل، ألا وهي "التنمير" الذي يحصل في المدارس، وإذا أردنا أن نسميها بأسماء أخرى نطلق عليها تسمية "البلطجة" او "الترهيب"، وهي مشكلة حقيقية لأنها مليئة بالتعنيف.
بلمحة سريعة نعرض تعريف "التنمير" لنوضحه أكثر للقراء. يعتبر دان ألويس مؤسس "الأبحاث حول التنمر في المدارس" بأنّ التنمير هو "أفعال سلبية متعمدة من جانب تلميذ أو أكثر لإلحاق الأذى بتلميذ آخر، تتم بصورة متكررة وطوال الوقت ويمكن أن تكون هذه الأفعال السلبية بالكلمات مثل: التهديد، التوبيخ، الإغاظة، الشتائم". وأيضًا يأخذ التنمير أشكالًا عديدة من الضرب إلى عزل التلميذ عن المجموعة الخاصة إذا كان هذا التلميذ ضعيف الشخصية، أو مثلًا قد تلجأ بعض الفتيات بالسخرية من زميلتهن ورميها بأبشع النعوت والابتعاد عن الحديث معها (لأنها أكثر تفوقًا وجمالًا منهن مثلًا)…
بالطبع هذا السلوك له آثار سلبية على التلميذ قد يصل به الأمر إلى حدّ الانتحار كما حصل مع العشرات لا بل المئات من الحالات في الولايات المتحدة وغيرها من الدول…. لذا عندما تشعرون أن ابنكم أو ابنتكم يعانون من اضطراب في سلوكهم وعدم ارتياح، أو تلاحظون أي من العوارض التي ذكرناها سابقًا، عليكم أن لا تزيدوا من حدّة الأمور تعقيدًا وتقوموا بضربه وتعنيفه وتوبيخه، بل يجب الوقوف عما يعانيه ومعرفة السبب وزيارة المدرسة للوقوف على ما يجري، ومن الضروري أن يكون هناك متابعة واهتمام لمعالجة هذه الأزمة التي تؤثر سلبًا على ثقته بنفسه وتولّد لديه أزمات علائقية مع الآخرين… ولا بدّ من الإشارة إلى أن من يقوم بفعل "التنمير" هو أيضًا ضحية سوء التربية والتنشئة الأسرية الخاطئة والعنف الأسري، إضافة إلى أنه لا يمكن أن نغفل عن عامل "الغيرة"، فأحد أسباب التنمير هو الغيرة من الآخر المتفوق دراسيًا ورياضيًا وغير ذلك، فيستغلوا ضعفه ليمارسوا "الإسقاط" عليه.
لذا تقع المسؤولية الكبيرة على المدرسة في تعزيز ثقافة الاحترام المتبادل والتعاون والتضامن بين التلامذة، وبأن يكون هناك برنامجًا دراسيًا واسعًا يضم الإدارة التربوية والتلامذة والمعلمين وأولياء الأمور، وذلك لجعل البيئة أكثر ايجابية ولعلاج من وقع عليه "التنمير" ومن قام بهذا السلوك المضطرب، ومن المهم جدًا أن يتم وضع برامج علاجية للمتنمرين بالشراكة مع المختصين في علم النفس، لأن هؤلاء سيشكلون خطرًا على المجتمع في المستقبل القريب وسيتحولون في حال التغاضي عن سلوكهم الإضطرابي إلى مجرمين، وكذلك ضرورة متابعة من نُمر عليه ليستعيد عافيته النفسية، وينطلق من جديد في حياته الدراسية والعلائقية.. ولا ننسى دور المجتمع المدني في إقامة نشاطات توعوية تثقيفية حول هذا الموضوع.
إذن التعاون الثلاثي الماسي: أسرة، مدرسة، مجتمع مدني، ينقذ أطفالنا من براثن آفة خطيرة بدأت بغزو مجتمعاتنا العربية بقوة بعد أن تغلغلت في المجتمعات الغربية.. "التنمير" آفة تربوية اجتماعية نفسية يجب استئصالها…
إختصاصية في علم النفس الاجتماعي