أحمد يوسف داود
.jpg)
كأنّي أرى جَسدَ الليل يخرجُ من عُلبةِ الوقتِ
مستنِداً كالغريبِ على ظِلِّهِ..
ولكي لايُغالبَه النومُ يُفردُ أوراقَ أحلامِهِ
ويخطِّطُ فيها تصاويرَ عمّا يرى..
ويُسطّرُ ألواحَهُ بجديدِ عَجائبِها الخالصةْ!.
هو في البدءِ قلِّم أطرافَ كلِّ المقابرِ
ثم استراح قليلاً
وشيّدَ أبنيةً وحدائقَ فارغةً بينها..
ثم راحَ يُعلِّقُ بعضَ الدعايةِ في الواجهاتِ
وأطلِقَ في حانةٍ طيفَ راقصةٍ وسُكارى
ورتلأً من الضحِكاتِ..
وقادَ غُلامَ المَسرّاتِ كي يسكبَ الخمرَ
في كأسِ سُرّتِها فيذوقوهُ..
فأرتشفوا وتبلّلَ بعضُ النياشينِ
حينَ الشرابُ مَضى عابراً فخِذَيها..
لِتكتَملَ الصورةُ الناقصةْ!.
تأمّلهُا الليلُ مشتهياً ثم راحَ يُجدِّدُ آلاءَهُ:
مَدّ قبراً بشاهدَتينِ، وبعضِ الورودِ،
وفاتحةً من كلامٍ بلا لغةٍ..
ثم أخرجَ من كُمِّهِ بَشراً في مَسيرةِ هَرجٍ تُطالبُ بالخبزِ
فاحترقوا هادئينَ..
وجاءتْ عمائمُ من تحتِها مُقرئونَ
فخَطّوا جُنونَ المَسيرةِِ في ظلِّ (سورة تَبّتْ)..
ومابين حدِّ بياضِ الرؤوس وحدِّ سوادِ الوجوهِ
تقلّب من حالِهم ماتقلّبَ،صاروا صيارفةً:
قبضوا ويبعونَ أوسِمةً..
فأشارَ وزيرُ العِباداتِ أنْ (لا..)
وعيّنهم حَرَساًً للمَساجدِ
حتى استقامَ الشرابُ
ولم يتعبِ الشاربون ولا الراقِصةْ!.
وحينَ تدحرجَ في السحَرِ الفجْرُ شمّرعن كُمِّهِ
وأضافَ جديدَ الأناشيدَ
كي يبدأ الصُّبحُ مُتّشِحاً بالغِناءِ
وتبتدئَ الأرضُ رحلتَها من جديدٍ
ولا شيءَ غيرُ الذي كانَ..
كلُّ سفائنِ بحرِ الأعاجيبِ تُقلِعُ
كي تستقِرّ عميقاً على القاعِ
مثقوبةً بالذي حملتْ..
غائِصةْ!.