عندما يتغير الأميريكون ولايتغير مسعود البرزاني .. الزمن لاينتظر
————————بقلم : نارام سرجون ——————-
قد يظن الكثيرون أن لقاء برنار هنري ليفي مع مسعود البرزاني هو حديث العهد بعد ان قويت شوكة البرزاني .. ولكن هذا بلا شك ليس اللقاء الأول بينهما لأن اللقاءات الأولى كانت منذ قرابة عشرين عاما .. تماما كما كنا نظن أن الملك حسين لم يلتق بالاسرائيليين الا عندما وقع اتفاقية وادي عربة .. الى ان فاجأنا الأصدقاء (الاسرائيليون) بان العلاقة قديمة وان حفلة التعارف جرت منذ سنوات .. وأقر رابين أن أول لقاء بينه وبين الملك حسين كان قبل 17 عاما .. فصحح له الملك حسين الرقم وعمق الصداقة القديمة بقوله وهو يبتسم: بل ان العلاقة بدأت قبل عشرين سنة .. وضحك الأصدقاء الاسرائيليون والاردنيون من خفة دم الملك وصراحته و … شجاعته ..
ولكن يبدو أن طريقة الملك حسين بالتعارف السري قبل عشرين سنة ليست تخصه وحده فالكل تمر عليه لحظات تجلّ واعتراف يقر فيها بعلاقته مع الاسرائيليين والصهاينة منذ عشرات السنين فيما هو يتهم سورية بأنها لم تطلق رصاصة على الجولان وأن محور المقاومة يتسلى بحكاية الممانعة وشعاراتها .. وآخر هؤلاء المندسين بيننا بشعارات تقرير المصير والحرية كان مسعود البرزاني الذي ظهر مؤخرا وهو يستقبل برنار هنري ليفي .. ولكن متى بدأ اللقاءات الأولى بين الرجلين .. ؟؟؟ وهل سيصحح لنا البرزاني الرقم الذي ستورده الوثائق ويقول لنا ان التاريخ ليس دقيقا بل على طريقة الملك حسين واصدقائه فان اللقاءات الأولى أكثر قدما .. وربما كانت في المرحلة الدراسية .. أو في الحضانة ..
منذ قرابة 20 سنة كنت أجلس مع مسعود البرزاني في دمشق في احد مقرات تنظيم فلسطيني يوم كان يرتدي بزة أنيقة وربطة عنق ولايظهر باللباس الكاكي وسرواله الفضفاض الذي يظهر فيه هذه الأيام كرجل مناضل له قضية مثل لباس الراحل ياسر عرفات صاحب أكبر قضية في العالم .. وكنت يومها أحاصر البرزاني بأسئلة عن القلق من التحركات الكردية في العراق التي قد تؤسس للانفصال .. ولكن الرجل الذي بدا عليه الضيق والغيظ المكبوت من الحاحي عليه بالايضاح أصر على تكرار معزوفة التوق للحرية والديمقراطية للعراق الذي يقبع تحت حكم (الطاغية) .. والحقيقة لم يكن طاغيته يعنيني وأنا أتوجس من هذا الرجل المحتال الجالس أمامي لأنني كنت أحس انني انظر الى طاغية صغير أمامي لم يطق أن يشكك في روايته أحد وان يتحداها ان تصمد أمام المنطق .. وعرفت انني أمام طاغية مراوغ وكذاب ..
ويبدو أنني لم اكن أنا فقط على جدول مواعيد البرزاني في ذلك الوقت .. فبعد فترة وجيزة كان برنار هنري ليفي على موعد معه حسب الوثيقة التي نسبت الى تقارير المخابرات العراقية عام 2001 .. وأنا علي يقين أن البرزاني لم يعزف يومها على مسامع برنار هنري ليفي معزوفة المظلومية الكردية والتوق للحرية تحت الراية العراقية للتخلص من الطاغية .. بل كان يخطط معه لاطلاق تنظيم التوحيد والجهاد .. وهو أحد تجليات الربيع العربي .. الذي رأيناه لاحقا يفتك بالناس دون تمييز ..
هذه وثيقة تكشف لقاء واحدا بين برنار هنري ليفي وأحد عناصر اللااستقرار في الشرق الأوسط (أي مسعود برزاني) .. ويدل على أن ليفي وغيره كانوا يجولون المنطقة بالحاح لاللسياحة فيها بل لخلخلتها في حركات مكوكية لاتهدأ في السر ويلتقون مع عناصر اللااستقرار لتحريكها في حركة فوضوية سميت الفوضى الخلاقة التي كان يتم التحضير لها عبر بناء جسور كثيرة مع انفصاليين واسلاميين وفاسدين وبعض النخب المخترقة التي لحقت بأوهام التغيير عبر التعاقد مع العدو ..
فيما يخص الانفصاليين الأكراد فان تحركات الزعماء الأشقياء والمغامرين من الأكراد لم تتغير منذ تلك الوثيقة .. ومنذ ماقبل الوثيقة عندما كان والد مسعود (الملا مصطفى البرزاي) يلتقي مع الاسرائيليين الذين رأوا فيه عنصر لااستقرار للعراق ينفعهم .. ومنذ ذلك الوقت والانفصاليون يغدقون الوعود بالسلام مع الحكومات التي تحاورهم وتفاوضهم ويلعبون دور الضحية أمامها ولكنهم في الظلام يسنون سكاكينهم ويلعبون لعبتهم القذرة القائمة على نكث العهد والوعد .. وهذه الوثيقة التي وجدت في أرشيف المخابرات العراقية قبل احتلال بغداد تشير الى حقيقة المراوغة من قبل البرزاني .. ولكنها تدل على أن مايفعله هؤلاء الأشقياء لم يغب عن أعين المخابرات في المنطقة ..
الفارق بين الأمس واليوم كبير جدا .. والفارق بين مخابرات صدام حسين ومخابرات الحلفاء في سورية هذه الأيام أكبر من ان يدركه البرزاني وكل طرزاناته .. فما لدى مخابرات الحلفاء معلومات وملفات عن تحركات مجموعات الأكراد الانفصاليين ومخططاتهم وحلفائهم وسلاحهم ما يفوق حتى مايملكه مسعود الطرزاني نفسه .. والرسالة التي يجب أن يدركها "الطرزانيون" والانفصاليون أنهم ان كانوا يعتقدون أنهم يلعبون لعبة التذاكي ويتصرفون ويلتقون بأعدائنا في جنح الظلام أو في وضح النهار فاننا نطمئنهم بأن كل مايخططون له يصلنا أولا بأول .. وأننا نستمع الى كل حواراتهم واتصالاتهم ونعترض كل مكالماتهم ولدينا محاضر لقاءاتهم فيما بينهم وبين الاميريكيين وحتى قائمة الطعام التي يقدمونها لضيوفهم الاسرائيليين .. وان بينهم الكثير ممن يعملون لصالح الدولة السورية والعراقية والحلفاء .. ولذلك فان أحلام زعماء الأكراد في الاستقرار والاحتفاظ بما لديهم حيث وصلوا الى الرقة هي أوهام الأغرار الذين يعتقدون انهم يتذاكون ويتشاطرون على أساتذة المناورات السياسية والعسكرية ..
لاأشك بصحة الوثيقة لأن مانعرفه عن سلوك الانفصاليين واجتماعاتهم السرية التي نتابعها دقيقة بدقيقة يدل بشكل لالبس فيه ان هذه هي أخلاق البرزاني وانفصالييه في الرهان على العامل الخارجي وخاصة الصهيوني .. فانتظروا ماستكشفه المخابرات السورية والعراقية والايرانية التي ترى كل شاردة وواردة في الشمال السوري من لقاءات سرية ومن جلسات تخطيط .. ولاتغرنكم استعراضات القوى الكردية التي تتعامل مع الأمريكان في الجزيرة السورية .. لأن من لايعلم لايستطيع ان يواجه من يعلم .. ومرة أخرى فان القوى الكردية الانفصالية ستفاجئها حركة قادمة للحلفاء الذين سيقلبون الموقف في لحظة محسوبة بدقة .. وماسيفاجئ الانفصاليين الأكراد هو كيف سيتخلى الاميريكون عنهم بشكل لن يتخيلوا سرعته .. فالأمريكيون تغيروا ايضا .. أو بالأصح ارغموا على أن يتغيروا منذ أن تذوقوا طعم الموت في غزو العراق .. نعم لقد تغيروا .. كما تغير كل شيء في موازين العالم .. ولاعودة الى الزمن الماضي عندما كان الاميريكون يغيرون العالم وخرائطه .. الزمن لاينتظر مسعود طرزاني .. ولاطرزاناته الانفصاليين في اي مكان .. الساعة تقترب لاريب فيها .. ولكن عندما تدق يد الجيش السوري على باب الجزيرة السورية فان هذا يعني أن الساعة دقت .. وأن اللعبة انتهت .. كما انتهت لعبة داعش .. غيم أوفر(Game over).