الله الله
يا مزن
أغرف من دمعنا
أجمع شتات غيمنا
دثرها
بخير هطلك مباركا
أسمعه صوت الأرصفة المترامية
ما بين شوارع مدينتنا
وحجرات المآقي والقلوب
تستحم
ترعد
تصرخ
تقبل سابحة التراتيل على الخدود
تسرح شعرها شوارعنا
تستحم بلا ابواب
فقد ضاقت بها أبواب القيظ
وبقايا
أخجلت حضورها الممتد
بين ضلوع المدن
الحالمة بوعد
( غيم – نقاء – فرح … رشة عطر ندية … حبق يتمايل مع ابتسامته )
لا تركض يا بني
لا تخجلي إن تبلل منك طرف وأسبلت خصلاتك الذهبية
إنه غيث الفرح
عشق الشجر
وقطاف مواسم
اخشوشنت أياد بانتظاره
ويبست عروق وهي تحلم به
===================
د.برهان خدابخش ·
الاحتفاء بالمزن ( السحب الممطرة ) قديم في تراثنا الأدبي، و قد عرف ب ( شعر المائيات) ، فالوعي الشعري بحساسيته، و بتناوله النوعي ، قدم في هذا المقام رصيداً تصويرياً ضخماً، الى جانب اسهامه في انتاج دلالات ايحائية في سياقه الوصفي ، لتلك الظاهرة الطبيعية ( المطر ) ، التي تحولت الى فضاءات مجازية عالية الترميز ، في معبد الفن و بخاصة الشعر .
و نص كاتبتنا هذا ، أسهم في انتاج دلالات ، و في تقديم صور، تشكلت بأثر من رؤية و تجربة الكاتبة ، في حديثها عن المزن ، و فعلها البديع في الوجود ، فاحتفت ، مستبشرة بها :
الله الله
يا مزن
اغرف من دمعنا
اجمع شتات غيمنا
دثرها
بخير هطولك مباركا
************
في هذا المطلع أرادت الكاتبة تنبيهنا إلى نوعية علاقتها بالمطر ، فهي علاقة لا تقف عند حدود البصر و الوصف، إنما هي علاقة ترابطية فعلية من خلال استعمالها صيغة الأمر { اغرف، أجمع ، دثرها} اي انسانية ، يتجاوب فيها المطر مع الطرف الآخر. لذلك انهمرت مزن الكاتبة بوابلها ، على الوجود ، لتعيد تشكيله ، و لتتشابك مرئياته و تدخل في علاقات جديدة ، تفقد فيها صفاتها المعروفة ، مرتدية صفات أخرى ، صادمة لعين عقلنا ، فاذا بنا نسمع للارصفة صوتاً، يصل إلى حجرات القلوب و الماقي :
اسمعه صوت الأرصفة المترامية
ما بين شوارع مدينتنا
و حجرات الماقي و القلوب.
،***********؛****
و تلجأ الكاتبة الى بث الحياة في موصوفاتها متوسلةً بالتشخيص باستحضارها للصيغ الفعلية { تستحم ، تبعد ، تصرخ ، تقبل ، تسرح…..}
و هنا تطلق الكاتبة العنان لخيالها لعقل ما لا يعقل :
تقبل سابحة التراتيل على الخدود
تسرح شعرها شوارعنا
تستحم بلا ابواب
فقد ضاقت بها أبواب القيظ
************
و في المشهد الاخير من النص ، ترسم الكاتبة لوحة كرنفالية بهيجة الملامح مفعمة بالحبور ، توالت فيها الصور الجزئية للتلتحم في صورة كلية احتفاء بالمطر :
إنه غيث الفرح
عشق الشجر
و قطاف مواسم
اخشوشنت اياد بانتظاره
و يبست عروق و هي تحلم به
********
فمن رحم معاناة الانتظار ، اوحت الكاتبة بتخلق الأمل ، و تجلي الفرح بأجمل صوره و اعذب معانيه.
إن براعة الكاتبة في استعمال الصيغ الفعلية ، و جعلها تقوم بوظيفة التصوير ، و التعبير ، قد حولت المطر من مشهده الوصفي ، الى مشهد فعلي ، و لهذا انتج النص دلالات جديدة للمطر و لفعله البديع حسا و شعوراً..
تقديري و تهنئتي للأستاذة منيرة على ابداعها