أسرة خلف الشاشة
تجربة عادة ما تصادفها تفاسير تقليدية ، يبدوا أننا لم نتخلص بعد من النمط التقليدي ، الذي طبع حياتنا عبر الأزمنة ، لذلك نغلب الجانب الوراثي ، ونعتبر كل من يحمل سلوك الأب ، هو الابن الناجح ، في حين نتوقع الفشل للذي أخذ من سلوك الأم ، وكأنها علامة مسجلة للفشل والرسوب في الحياة ،
يقول أهل التربية وعلم النفس والاجتماع ، إن الإنسان كائن يحتاج في هذه الحياة إلى خمسة أشياء يبحث عنها ، عقيدة يعتقدها ، قدوة يقتدي بها ، هدف يسمى إليه ، جماعة ينتمي إليها ، مادة روحية يغذي بها روحه … هذا ما تعرفونه مع حكاية أسرة خلف الشاشة ، تعلقت بمهنة المتاعب ، جمعت بين الأبوة ، الزمالة ، الصداقة … تابعوا معنا…
ط .ن ، هو في 52 من العمر ، ولد ببيئة ريفية محافظة ، من أبوين أميين لم يعرفا طريقهما إلى المدرسة ، تتلمذ بمسقط رأسه ، لم يخطر بباله أبدا العمل في المجال الإعلامي ، كونه لم يكمل الدراسة ، فرص التحصيل العلمي ضئيلة جدا بالريف ، وان وجدت فهي محدودة لا تتعدى الطور الإعدادي والثانوي ، ومثل هذه المهن لا يمكن لابن الريف الظفر بها إلا نادرا ، هي مقتصرة على أبناء المدن الكبرى كالعاصمة مثلا ، ظروف الدراسة فيها طيبة وفرص التحصيل العلمي في متناول الجميع ، عكس ما نحن عليه اليوم ، تحسنت ظروف الحياة بالريف وأصبح أفضل من حيث المنشات التعليمة ، شاءت الأقدار أن يسافر إلى العاصمة ، ليلتحق ببغض أفراد الأسرة المتواجدين هناك ، يحثا عن شغل أو تكوين ، وربما فرصة إكمال الدراسة ، ولما لا ؟ كل ما سلفناه هو حلم الطفولة ، شغل بالإدارة العمومية واظهر قدرات عالية في فهم قوانين الإدارة ، وفي اللغة العربية ، والخط العربي ،حاول الالتحاق بالجامعة إلا أن الظروف لم تسعفه ، فاكتفى بقراءة كتبه المفضلة طبعا في الأدب العربي ، بدأها منذ أن كان في الطور الإعدادي بالشعر الجاهلي ،، ثم توسعت مداركه وزاد شغفه وحبه للمطالعة ، فتعلق بكتابات عباس محمود العقاد ، تأثر به رفقة شخصيات عصامية كثيرة من المشرق العربي ،أعطته دافعا قويا ليعتر هو الأخر بعصاميته ، ويدخل عالم الكتابة باللغة العربية ، ثم باللغة الأمازيغية التي درسها في ما بعد وبرز فيها ، لغة وأدبا ، وبفضلها دخل الساحة الإعلامية ، كما عين لاحقا عضو بلجنة جمع وفهرست التراث الثقافي الشفوي الأمازيغي ، جمع وأنجز خلالها أربع مخطوطات ، ومع الانفتاح الإعلامي بالبلاد مطلع التسعينات ، التحق بالصحافة المكتوبة كمتعاون ، معد لمواضيع خاصة بالثقافة الأمازيغية ، مكتوبة باللغة العربية ، وهي الفترة التي سطع فيها نجمه ، وتوسعت معارفه في الساحة الإعلامية والثقافية – خالف أستاذه وقدوته الذي تأثر به وأراد أن يسلك طريقه ، في قضية قرانه ، بحيث استسلم للتقاليد والأعراف السائدة بالوسط المنتمي إليه ، وتخلى عن ما قرأه من أستاذه في هذا الباب ، بخصوص اختيار شريك الحياة ، الذي أورد فيه ثلاثة مواصفات ،تجمع بين التحصيل العلمي ، خبرة الحياة ، والطبع الموروث ، من هذا القران كان له أربع أبناء ، أخذوا من الأب ما هو أهم في الحياة .
… تابعوا القصة
الابن الأكبر من جنس ذكر ،صاحب 29 سنة ، مخرج تلفزيوني ، خطاط بالعربي ،مختص في الفنون المطبعية والصناعية ، للابن تأثيرات أبيه ظاهرة فيه منذ طفولته ، تعلم منه الكتابة بالعربية وهو في الإعدادي ، والخط العربي وهو في سنواته الأولى بالمدرسة ، كان يأخذ أقلام يعدها الأب للخط ، ويتمرن عليها خفية ولو أن الأب على علم بذلك ، من الأبناء الذين لم يستقروا على ذوق واحد بسهولة ، فهو بين التأثير الخارجي الذي جعله يدرس اللغة الانجليزية ، ثم يشغل في التجارة ، قبل أن يستقر على الفنون الصناعية والمطبعية ، ثم السمعي البصري كمخرج تلفزيوني بقناة خاصة .
هل يسلك الثاني طريق الأول ؟ …نعم
من جنس ذكر ، في 26 من العمر ، تقني سامي في السمعي البصري ، الوحيد الذي لم يوفق في الدراسة بشكل جيد ، غادر مقاعد الدراسة في الطور الثانوي تخصص علمي ، عصبي المزاج كثير الحجة ، يناقش كل شيء ولو من غير علم ، يحب الأناقة وينفق عليها أوال معتبرة ، لكنه بالمقابل نابغة في تكنولوجيات الإعلام الآلي ، تعلم بمفرد وهو في الإعدادي ، البرمجة والصيانة وحماية البرامج ، وأشياء كثيرة متصلة بالاختصاص ، كل هذا مكنه من الظفر بتربص في السمعي البصري ، بإحدى القنوات التلفزيونية الخاصة ، اختص في التركيب والمكساج والتصوير ، ليكون بذلك قد شق طريقا يسلكه في حياته ،هو الآن بأكبر القنوات التلفزيونية الخاصة بالجزائر ، التحق بها منذ خمس سنوات
فماذا عن الثاث ؟ …غريب إن كان ذلك…أيضا نعم
صاحبة 23 سنة ، صحفية وطالبة السنة الأولى ماجستير ، فرع الصحافة اختصاص السمعي البصري ، يمكن القول فيها أنها ولدت إعلامية ، بحيث يلقبها إخوتها في صغرها بالجزيرة ، تخبر الأب في غيابه عن البيت بكل ما يبث على شاشات التلفزيون ، ترافقه إلى الإذاعة للمشاركة في ركن خاص بالأطفال ، تتحدث الأمازيغية والعربية منذ صغرها ، تحب الميكرفون تحاول أن تظهر كمنشطة بارعة منذ أن كانت في الابتدائي ، تأثرت بما يقوم به الأب من نشاطات ، خاصة وأن طفولتها صادفت الفترة التي سطع فيها نجمه ، كان عمرها بين عشر واثني عشر سنة ، نحضر معه تغطية نشاطات ثقافية أحيانا ، التي تقام بالعاصمة ، اندمجت بسرعة فكانت تساعد الأب في كتابة حتى وان كثرت أخطاؤها ،تقدم نفسها على أنها صحفية ، اجتازت شهادة البكالوريوس ، ووجهت إلى دراسة العلوم السياسة ، فرفضت وبكت بكاء شديد ، ما جعل الأب يتدخل ويتوسط لدى مصالح التوجيه ، لتغيرها التخصص ، وكان لها ذلك ، التحقت بكلية الإعلام والاتصال ، تحصلت شهادة الليسانس ، وهي اليوم في السنة الأولى ماجستير ، تنوي إعداد شهادة الدكتوراه في الاختصاص
بقي الرابع … ربما نهاية مهنة المتاعب ؟ …أه … أجل
صاحبة 21 سنة ، شخصية قوية جدا لا تعتر ف بمن لا علم له ، هي طالبة بالمدرسة العليا للأساتذة ، في السنة الثالثة جامعي تخصص علمي ، تقترب من التخرج للتوجه إلى التدريس بالطور الثانوي ، تعتبر نفسها في صغرها طبيبة ، وحاولت الالتحاق بكلية الطب ، إلا أن معدلها منعها من ذلك ، ولا زالت مسرة تعتزم إعادة اجتياز شهادة البكالوريوس ثانية للحصول على علامة تمكنها من الالتحاق بالتخصص الذي وضعته نصب أعينها ، اختارت المواد العلمية منذ صغرها بمحض إرادتها ، لم يتدخل أحد من العائلة في تكوينها العلمي ، هي هكذا قراراتها صارمة وتخصها لوحدها ، تقوم بكل ما يلزمها بمفردها لا تدع مجالا للهو وضياع الوقت ، كتبها لا تفارقها لحظة ، لم تنساق لتوجيهات الأب الذي أراد لها مهنة الصحافة باللغات الأجنبية بإمكانها البروز فيها بشكل جيدا ، توقع لها مستقبلا زاهرا في هذا التخصص ، إلا أنها تنفذ ما طاب لها وتتحرر من قيود العائلية ، كما لا تخلوا تعاملاتها وتصرفاتها من الأسلوب الاعلامي الذي يطبع حياة الأسرة ، وقد تلتحق بالركب في اية لحظة .
لنفحات القلم -الاعلامي الجزائري
عيسى بودراع