الليـــــــــــــــر: لون غنائي من أداء حرائر الجزائر
.jpg)
لم يكن لتلك الأقلام التي تحركت إبان التواجد الفرنسي بالجزائر ، رغبة صادقة في تناول الثقافة الشعبية الجزائرية من زاوية البحث العلمي ، كما كانت تزعم آنذاك على أنها حاملة لرسالة ثقافية تخرج المجتمع الجزائري من الظلمات إلى النور ، بل وظفت نتائج دراستها الأكاديمية في خدمة الاحتلال ، وخير دليل يثبت ما نقوله هو تلك الكتابات التي كانت في مجملها بأقلام ضباط برتب عليا ، ومهام إدارية نافذة ، محافظ شرطة ،ملحق عسكري ، مسئول مخابرات ، أسندت لهم هذه المهام من منطلق معرفتهم الجيدة للبيئة الجزائرية التي تولوا فيها مسؤوليات إدارية ، على غرار ليون روش الذي كتب "اثنان وثلاثون من الإسلام " ، الفريد دونيوسك الذي كتب عن مدينة الجزائر ، الكولونيل كرناي تروميليه الذي كتب "الأساطير الخرافية الإسلامية الجزائرية " ، هؤلاء ركزوا على نقاط تفيد خططهم ، لذا ميلاد آنذاك مؤسسات ثقافية وعلمية ، بحجم الجمعية التاريخية الجزائرية ، التي أصدرت المجلة الإفريقية ، أو الجمعية الانثروبولوجية الأركولوجية التي أسست منتصف الخمسينات مركز البحث الانثروبولوجي ولما قبل التاريخ والاثنولوجيا ، وأصدرت فيما بعد مجلة " لابيكا " ، ما هو إلا استكمال لمشروع استيطاني يختفي وراء مؤسسات ثقافية لتكييف السكان وفق الإدارة الفرنسية . وبالموازاة مع كل هذا ظهرت للعلن أقلام من بني جلدتهم ، أبانت عن اهتمامها بالمواد الثقافية الشعبية عند المجتمعات الأمازيغية بشكل ، من باب حب الإطلاع والاستكشاف ، وكتبت ما طاب لها وما يفيد أيديولوجياتها ، وحقيقة توصلت إلى طرق مواضيع هامة تخص الرصيد الثقافي الشعبي ، مثل هانوطو ، وجون سيرفي ، الكسندر جولي ، اندري باسي …. اهتم كل واحد منهم بعناصر ثقافية معينة ، كالشعر ،القصة ، الأمثال ، العادات ، التقاليد
،
في حين بقيت الفنون الغنائية والأهازيج الشعبية الجبلية المؤدية من النسوة بعيدة كل البعد عن أنظار هؤلاء ، لأسباب عدة ، الأبرز منها تكمن في القطيعة التي أحدثها المجتمع الجزائري المحافظ مع هؤلاء ، بسبب قرابتهم من الإدارة الاستعمارية ، علما أن مثل هذه الأعمال تحتاج إلى احتكاك لفترات طويلة ، ، كما هو حال هذا اللون الغنائي الذي نحن بصدد تناوله : لعب النسوة " اللير " ، الذي نجده على امتداد واسع ، يؤدى في جبال جرجرة عند القبائل ، وفي الهضاب العليا ، وفي جبال الأوراس عند الشاوية ، له أوجه التشابه في الأداء بين المناطق الجبلية المذكورة ، بينما تختلف مواضيعه من بيئة إلى أخرى حسب حاجة كل المجتمع لذلك . تقوم في البداية فتيات في مقتبل العمر يضربن أيديهن لإحداث إيقاع موسيقي خفيف ، ويشكلن حلقات رقص يظهرن فيها مواهبهن ويصنعن فرجة ، تعد المناسبة في حد ذاتها ، أرضية خصبة للتعبير عن رغباتهن وتطلعاتهن ، وما يختلج في نفوسهن من مكبوتات قد لا تظهر إلا في هذه المناسبات الخالية من الاختلاط بالعنصر الرجالي ، خاصة وأن ذلك لا يحتاج إلى بناء شعري ، يكفي فقط ترديد عبارات متناسقة ومتجانسة ، قد لا يمكن قولها في مكان أخر وبلغة يفهما جميع الناس ، تتقدم أكبرهن سنا من اللواتي يتمتعن بصوت مميز تبدأ الغناء فيرددن من ورائها مطلع الأغنية ، وأحيانا يغنين مجموعة واحدة بإيقاع سريع يليق بالحركة ، يرددن كلمة "اللير لمرات عديدة قبل الانتقال لعبارة أخرى ، والتي هي في لأصل تسمية لآلة موسيقية وترية قديمة , وفي معناها اللفظي باللغة الليبية القديمة يعني “ القمر " ، يشبه هذا اللون إلى حد ما الاللايات بالمشرق ، والعيطة بالمغرب ، وأي ياي في صحراء الجزائر ، ومن الطبيعي جدا ولادة روابط فنية بين مناطق تتجاور جغرافيا ، يكون فيها الاحتكاك بين الأفراد والجماعات قائما في حياتهم ، وهي عادة ما يطبعه النشاط الرعوي والترحال من مكان إلى أخر ، كل هذا عزز من التواصل والتعايش السلمي بين الأفراد والجماعات ، ظلت هذه الميزة تطبع حياة السكان واستمرت لأغراض أخرى ، منها طلب العلم والتبادل التجاري والمصاهرة …
وردت عدة كتابات حول هذا اللون الغنائي ، من الدكتور محمد أكلي صالحي من جامعة الجزائر ، الذي قال بأنها أشعار تؤدى في مواسم الفرح ، موضوعاته ذات صلة بأجواء الفرح ، أما محفوفي مهنى يرى أن لعب النساء ، ينقسم إلى صنفين أساسيين ، الأول يؤديه الرجال في مواضيع خاصة خارج البيت ، مثل الساحات والأفنية ، أما الصنف الثاني تؤديه النساء داخل البيت تحضره المدعوات على اختلاف أعمارهن ، إذ يعد هذا الأخير فرصة لإبراز ما تملكه من جمال وإتقان الرقص وحسن الصوت ، وموهبة القول ، أما الدكتور محمد جلاوي من جامعة البويرة ، في دراسته لتطور الشعر القبائلي وخصائصه ، يرى أن أصل تسمية هذا اللون من الغناء "يكمن في إحدى عناصر أدائه وهي " اللايرو " ، الذي يعني الكف المواكب للوقع الموسيقي في حلقة الرقص ، وهو ما يؤكد انتشار هذا النوع من الموسيقى الشفوية لدى مجتمعات أخرى غير الجزائر
.
لنفحات القلم : الاعلامي الجزائري عيسى بودراع
.jpg)
لم يكن لتلك الأقلام التي تحركت إبان التواجد الفرنسي بالجزائر ، رغبة صادقة في تناول الثقافة الشعبية الجزائرية من زاوية البحث العلمي ، كما كانت تزعم آنذاك على أنها حاملة لرسالة ثقافية تخرج المجتمع الجزائري من الظلمات إلى النور ، بل وظفت نتائج دراستها الأكاديمية في خدمة الاحتلال ، وخير دليل يثبت ما نقوله هو تلك الكتابات التي كانت في مجملها بأقلام ضباط برتب عليا ، ومهام إدارية نافذة ، محافظ شرطة ،ملحق عسكري ، مسئول مخابرات ، أسندت لهم هذه المهام من منطلق معرفتهم الجيدة للبيئة الجزائرية التي تولوا فيها مسؤوليات إدارية ، على غرار ليون روش الذي كتب "اثنان وثلاثون من الإسلام " ، الفريد دونيوسك الذي كتب عن مدينة الجزائر ، الكولونيل كرناي تروميليه الذي كتب "الأساطير الخرافية الإسلامية الجزائرية " ، هؤلاء ركزوا على نقاط تفيد خططهم ، لذا ميلاد آنذاك مؤسسات ثقافية وعلمية ، بحجم الجمعية التاريخية الجزائرية ، التي أصدرت المجلة الإفريقية ، أو الجمعية الانثروبولوجية الأركولوجية التي أسست منتصف الخمسينات مركز البحث الانثروبولوجي ولما قبل التاريخ والاثنولوجيا ، وأصدرت فيما بعد مجلة " لابيكا " ، ما هو إلا استكمال لمشروع استيطاني يختفي وراء مؤسسات ثقافية لتكييف السكان وفق الإدارة الفرنسية . وبالموازاة مع كل هذا ظهرت للعلن أقلام من بني جلدتهم ، أبانت عن اهتمامها بالمواد الثقافية الشعبية عند المجتمعات الأمازيغية بشكل ، من باب حب الإطلاع والاستكشاف ، وكتبت ما طاب لها وما يفيد أيديولوجياتها ، وحقيقة توصلت إلى طرق مواضيع هامة تخص الرصيد الثقافي الشعبي ، مثل هانوطو ، وجون سيرفي ، الكسندر جولي ، اندري باسي …. اهتم كل واحد منهم بعناصر ثقافية معينة ، كالشعر ،القصة ، الأمثال ، العادات ، التقاليد
.jpg)
في حين بقيت الفنون الغنائية والأهازيج الشعبية الجبلية المؤدية من النسوة بعيدة كل البعد عن أنظار هؤلاء ، لأسباب عدة ، الأبرز منها تكمن في القطيعة التي أحدثها المجتمع الجزائري المحافظ مع هؤلاء ، بسبب قرابتهم من الإدارة الاستعمارية ، علما أن مثل هذه الأعمال تحتاج إلى احتكاك لفترات طويلة ، ، كما هو حال هذا اللون الغنائي الذي نحن بصدد تناوله : لعب النسوة " اللير " ، الذي نجده على امتداد واسع ، يؤدى في جبال جرجرة عند القبائل ، وفي الهضاب العليا ، وفي جبال الأوراس عند الشاوية ، له أوجه التشابه في الأداء بين المناطق الجبلية المذكورة ، بينما تختلف مواضيعه من بيئة إلى أخرى حسب حاجة كل المجتمع لذلك . تقوم في البداية فتيات في مقتبل العمر يضربن أيديهن لإحداث إيقاع موسيقي خفيف ، ويشكلن حلقات رقص يظهرن فيها مواهبهن ويصنعن فرجة ، تعد المناسبة في حد ذاتها ، أرضية خصبة للتعبير عن رغباتهن وتطلعاتهن ، وما يختلج في نفوسهن من مكبوتات قد لا تظهر إلا في هذه المناسبات الخالية من الاختلاط بالعنصر الرجالي ، خاصة وأن ذلك لا يحتاج إلى بناء شعري ، يكفي فقط ترديد عبارات متناسقة ومتجانسة ، قد لا يمكن قولها في مكان أخر وبلغة يفهما جميع الناس ، تتقدم أكبرهن سنا من اللواتي يتمتعن بصوت مميز تبدأ الغناء فيرددن من ورائها مطلع الأغنية ، وأحيانا يغنين مجموعة واحدة بإيقاع سريع يليق بالحركة ، يرددن كلمة "اللير لمرات عديدة قبل الانتقال لعبارة أخرى ، والتي هي في لأصل تسمية لآلة موسيقية وترية قديمة , وفي معناها اللفظي باللغة الليبية القديمة يعني “ القمر " ، يشبه هذا اللون إلى حد ما الاللايات بالمشرق ، والعيطة بالمغرب ، وأي ياي في صحراء الجزائر ، ومن الطبيعي جدا ولادة روابط فنية بين مناطق تتجاور جغرافيا ، يكون فيها الاحتكاك بين الأفراد والجماعات قائما في حياتهم ، وهي عادة ما يطبعه النشاط الرعوي والترحال من مكان إلى أخر ، كل هذا عزز من التواصل والتعايش السلمي بين الأفراد والجماعات ، ظلت هذه الميزة تطبع حياة السكان واستمرت لأغراض أخرى ، منها طلب العلم والتبادل التجاري والمصاهرة …
وردت عدة كتابات حول هذا اللون الغنائي ، من الدكتور محمد أكلي صالحي من جامعة الجزائر ، الذي قال بأنها أشعار تؤدى في مواسم الفرح ، موضوعاته ذات صلة بأجواء الفرح ، أما محفوفي مهنى يرى أن لعب النساء ، ينقسم إلى صنفين أساسيين ، الأول يؤديه الرجال في مواضيع خاصة خارج البيت ، مثل الساحات والأفنية ، أما الصنف الثاني تؤديه النساء داخل البيت تحضره المدعوات على اختلاف أعمارهن ، إذ يعد هذا الأخير فرصة لإبراز ما تملكه من جمال وإتقان الرقص وحسن الصوت ، وموهبة القول ، أما الدكتور محمد جلاوي من جامعة البويرة ، في دراسته لتطور الشعر القبائلي وخصائصه ، يرى أن أصل تسمية هذا اللون من الغناء "يكمن في إحدى عناصر أدائه وهي " اللايرو " ، الذي يعني الكف المواكب للوقع الموسيقي في حلقة الرقص ، وهو ما يؤكد انتشار هذا النوع من الموسيقى الشفوية لدى مجتمعات أخرى غير الجزائر
.jpg)
لنفحات القلم : الاعلامي الجزائري عيسى بودراع