*نافذة تراثية
.. الأسواق القديمة في مدينة دير الزور
تعتبر الأسواق القديمة المركز التجاري الأنشط في مدينة دير الزور، إذ بتنوع المواد المباعة فيها تُشكل منطقة التقاء تجارة الريف بالمدينة وبالعكس، وقد أُنشأت في أواخر الفترة العثمانية بدير الزور في فترة القائمقام خليل بك ثاقب الاورفلي في عام 1865 كما أنشأ السرايا القديمة وسوق الميرة، إذ صدر في عام 1856 قانون إنشاء الاسواق، لكن السوق الأول كان قد تهدم فأُعيد بناؤه في عام 1880. وقد تم جلب الحرفيين من أورفة لإنشاء هذه الأسواق. تشغل الأسواق القديمة بالإضافة إلى الخانات القديمة مساحة تقدر بـ / 11250 / م2 أي ما يعادل مساحة 10 % من مساحة المركز التجاري في المدينة، وتعود ملكية الأسواق القديمة لمجلس مدينة دير الزور التي استُملكت الأسواق في عام 1980 وأبقت أصحاب المحلات فيها كونها المصدر الوحيد لكسب رزقهم، وكونها أثراً متبقياً من الفترة العثمانية فقد قامت دائرة آثار دير الزور بتسجيلها في عداد المواقع الأثرية المُسجلة في المدينة.
تتوزع المحلات التجارية على جانبي المحور في كل سوق وتتميز المحلات بواجهة حجرية بسيطة ذات قوس نصف دائري خالية من الزخارف، أما سقوف المحلات فهي على شكل قبو سريري نصف أسطوانية، ويتم الدخول إلى هذه الأسواق بشكل مباشر من الشارع العام أو من شارع الجسر وسوق الحبوب باستثناء سوق عكاظ الذي يتم الدخول إليه من خلال سوق التجار أو العطارين. وتعد الأسواق القديمة من أكمل الطُرُز المعمارية إذ أنها ذات منظور معماري مميز لأنها تتميز بأسلوب التخديم الصحيح والتوزيع الدقيق ناهيك عن بعض الأسواق المفتوحة على بعضها التي تشكل رابطاً خدمياً ذات طابع تجاري فريد قلما يشابهه مركز تجاري آخر من حيث التوزع المعماري. أُطلقت بعض التسميات المحلية على الأسواق والخانات وهي : (سوق التجار، سوق العطارين، سوق الخشابين، سوق عكاظ، سوق خلوف، سوق القصابين، سوق الحبال، سوق الحدادة، خان الترك، خان أولاد الجوزة، خان الخشب) ويبلغ عدد المحلات قي هذه الأسواق / 400 / محل تجاري تتوزع لمبيع وتجارة ما يلي : الأقمشة ـ تصنيع الأخشاب، لوازم بيت الشعر والحبال، صناعة الفري، خياطة، السجاد والحُصر، الحبوب، العطارة، الأجبان والألبان، الحدادة، صياغة الفضة، الأحذية، الخضار، اللحوم، مقاهي،.. وغيرها. وتشكل محلات بيع الأقمشة والألبسة الشعبية النسبة الأكبر من مجموع المحلات (22.5 %) تليها محلات بيع اللحوم (14.8 %) ثم مجموعة من المهن المتنوعة (13.3 %). وجميع هذه الأسواق مبنية من الحجر والطين وجدرانها ذات سماكة 3 ـ 40 سم، ويعد سوق التجار هو الشكل الأكمل كنموذج معماري للأسواق إذ أن سقفه عبارة عن قبوة سريرية مستمرة ذات عقد مدبب، كما نجد أن هذا الشكل ينطبق أيضاً على سوق خلوف أما سوق العطارين فسقفه من التوتياء ذو شكل جمالوني. ـ
*سوق التجار
: يقع هذا السوق في وسط المركز التجاري ضمن شبكة الأسواق والمحلات التجارية ويمتد باتجاه شمال جنوب منتهياً بالبوابة العثمانية ذات الطراز المعماري الفريد في المدينة، يبلغ عدد المحلات في هذا السوق / 65 / محلاً تجارياً، ويختص هذا السوق ببيع الألبسة الشعبية الجاهزة وبعض ألبسة أبناء الريف وصنعة الفري بنوعيها الرجالية والنسائية وبأنواعها المختلفة (الطفالية أو العباءات التقليدية الطويلة أو القصية ومنها العباءات ذات الصوف الصناعي) بالإضافة إلى صناعة الإبطية (صدرية من الفرو بدون أكمام وجهها الخارجي من القماش ذو اللون الغامق) والسمن وأدوات المنزل، ويعد هذا السوق الأكثر ازدحاماً في ساعات النهار. ـ
*سوق الخشابين
: يبدأ هذا السوق من الجهة الغربية المطلة على شارع الجسر ويستمر إلى أن ينتهي في بداية محور سوق الحبوب (العَرَصَة)، كما يتصل هذا السوق مع سوق القصابين. وهو ذو سقف على شكل قوس مدبب كبقية الأسواق. ويبلغ عدد المحلات في هذا السوق / 32 / محلاً، ويتميز هذا السوق بمحافظته على مزاولة المهنة التقليدية ويختص بتصنيع الأدوات الخشبية البسيطة (أدوات الزراعة وأُطر الغرابيل والصناديق والكراسي الشعبية المصنوعة من خشب الشوح أو السنديان أو الجوز أو السويد) بالإضافة إلى أسرة الأطفال (المهد) ودراجاتهم وصناديق حفظ اللباس والخبز (المخمر) وأدوات غزل الصوف. وقديماً كانت تُصنع في هذا السوق الغراريف ، تتخلل هذا السوق بعض المحلات التي لا تنتمي إليه مثل محلات صياغة الفضة وغيرها)|
. ـ *سوق العطارين
: وهو آخر الأسواق القديمة من جهة الشارع العام ويتميز عن بقية الأسواق بأن له سقف مختلف، ويقع هذا السوق في الجهة الشرقية من مركز الأسواق ويطل بواجهته الجنوبية على الشارع العام وينتهي من الجهة الشمالية بسوق الحبوب (العَرَصَة). ويتصل بسوق عكاظ من الجهة الغربية أُضيفت بعض التحديثات على هذا السوق إذ سُقفت بعض المحلات بالإسمنت كما يرتبط من الجهة الشرقية بخان الترك (كراج الخابور)، يبلغ عدد المحلات التجارية فيه / 50 / محلاً، يُستخدم السوق لتجارة الأدوات المنزلية والأحذية والحبوب ومواد العطارة.
ـ *سوق خلوف
: يقع هذا السوق في الجزء الجنوبي الغربي من الأسواق مطلاً على الشارع العام من جهته الجنوبية وعلى سوق الحبال من جهته الشمالية كما يتصل بسوق الحدادة من جهته الشرقية، ومع أن عدد المحلات في هذا السوق لا تتجاوز الـ / 27 / محلاً إلا أنه ظل محتفظاً بتقاليد البيع والشراء والمهن إذ يختص ببيع الأقمشة وهناك بعض المحلات التي تبيع الحبال. ـ
*سوق القصابين
: يقع في الجهة الغربية من مركز الأسواق التجارية ويختص ببيع اللحوم، وقد عانى هذا السوق الكثير من المشاكل الإنشائية إذ أُضيفت إليه بعض الكتل الإسمنتية التي شوهت منظره القديم كما قام أصحاب المحلات بتغيير واجهات المحلات مما أعطى انطباعاً يتنافى مع الشكل التقليدي للأسواق ذات الطابع الأثري، إذ أغلقت بقايا الذبائح والسواقط مجاري التصريف فشكلت المياه تكهفات كبيرة تحت الطبقة السطحية للأسواق والذي أدى بدوره إلى بعض الانهيارات.
في عام 1954 أُضيف لسوق القصابين سقفاً جمالونياً من التوتياء مما يشكل تشويهاً بصرياً بالغاً فيه. ارتأت الجهات المعنية تحويل هذا السوق إلى سوقاً للمهن اليدوية فحولت سوق القصابين إلى موقع كراج الانطلاق القديم حيث أنشأت سوقاً طابقياً خاصة بالقصابين وذلك في عام 2009. ويبلغ عدد المحلات في هذا السوق / 37 / محلاً. ـ
*سوق عكاظ
: يقع في منتصف الأسواق القديمة ويتصل مع سوق العطارين وسوق التجار ومجاوراً لخان الخشب، وقد كان يُطلق على هذا السوق قديماً سوق بغداد، وقد كان يفصله عن سوق العطارين بوابة معدنية كما كان يجوب السوق حارس ليلي حفاظاً على أمن السوق، يبلغ عدد المحلات في هذا السوق / 28 / محلاً تجارياً، ويختص هذا السوق ببيع الأقمشة والألبسة الشعبية الجاهزة والسجاد والحصر والبُسط. ونتيجة لتطور الذوق العام خلال السنوات الأخيرة فقد زاد التجار في تجارتهم المناشف والأغطية والمواد المنزلية. كما يُعد هذا السوق مقصد من تريد تأمين جهاز العرس من الريفيات
. * سوق الحبال :
يبدأ هذا السوق من الجهة الغربية للأسواق (شارع الجسر) وينتهي بسوق عكاظ كما يتصل بسوق الحدادين وسوق القصابين بالإضافة إلى سوق خلوف من الجهة الجنوبية، وتتميز معظم محلات هذا السوق بصغر حجمها مقارنة بمساحات المحلات في بقية الأسواق إضافة إلى أن عددا المحلات فيه يبلغ / 35 / محلاً، ويزاول تجار هذا السوق تبعاً لاسمه ببيع الحبال المواد اللازمة لأبناء الريف من سلاسل الحديدية والنحاسية وأدوات زراعية ولوازم بيوت الشعر.
ـ*سوق الحدادة :
يقع سوق الحدادة في الجهة الغربية من مركز الأسواق القديمة ويتميز هذا السوق بصناعة الأدوات الزراعية وأدوات الحصاد كالمناجل وبعض الأدوات المنزلية كالأواني المعدنية مثل الأقماع والصواني المعدنية ولوازم الأفران والقازانات. يبلغ عدد المحلات في هذا السوق / 40 / محلاً تجارياً لم يبق منها من يزاول هذه المهنة سوى عشرة محلات أما البقية فاختاروا مهنة ثانية. كما تنتشر بعض الأسواق المحلية التي ترافق مواسم زراعية معينة أو ذات انتشار مؤقت مثل سوق الصوف أو سوق الـﭼمة (الكمأة). وقد تحمل أسماء المواد التي تُباع فيها. ونتيجة للأحداث الأخيرة ومت تعرضت له المدينة من دمار ، فقد كان للأسواق القديمة نصيب كبير منها لا سيما وأن طبيعة المواد المبنية بها لا تتسطيع الصمود أمام آلة الحرب كثيراً ، فقد تعرضت الأسواق لدمار كبيرة وخصوصاً في واجهاتها المطلة على الشارع العام، كما سُرقت منحوتات البوابة العثمانية التي تقود إلى مدخل السرايا العثمانية، وعلى الرغم من محاولات غرفة تجارة وصناعة دير الزور وآثار دير الزور ترميم الأسواق في عام 2007 إلا أنه حالياً قد اتسع الخرق على الراقع مما يسترعي إطلاق حملة دولية للحفاظ آخر ما تبقى من مفردات المدينة القديمة.
*ياسرالشوحان مدير آثار ومتاحف ديرالزور الأسبق
*حواشي النص 1
– ـ تعد دراسة المهندس أحمد عطية والمهندسة ماري روز مراد من أكمل الدراسات التي اعتنت بشكل خاص بالأسواق القديمة، وقد لفتت هذه الدراسة أنظار المعنيين للاهتمام بهذه الأسواق أكثر، مشيرين بدراستهما إلى خطورة الوضع الإنشائي في بعض أجزاء الأسواق، ومع ذلك فقد اعتُمدت دراستهما في أكثر من مشروع، ولعل عطية ومراد أول من درس هذه الأسواق معمارياً منوهين إلى أهميتها التجارية والاجتماعية. 2
– ـ الأسواق القديمة في مدينة دير الزور (الواقع الراهن وسبل التطوير والارتقاء) ـ
إعداد : م. أحمد عطية ـ م. ماري روز مراد ـ دراسة أُعدت لنيل دبلوم الدراسات العليا (نظريات وتاريخ الحضارة ـ العام 1997 ـ ص 21 ـ 28.