نافذة تراثية
(( 47
مقهى في دير الزور ونادي أدبي يتيم ))
عُرفت المقاهي والدواوين بدير الزور منذ مطلع القرن العشرين، وكانت الدواوين الخاصة بالأغنياء والوجهاء مكان التقاء الناس وتباحث أمورهم إذ كان يلتقي فيها الناس ويتناولون المشروبات الساخنة وخصوصاً القهوة المرة، كما كانت المناسبات الدينية ملائمة للذين لا يفقهون أمور دينهم فتكثر الأسئلة الدينية مستفسرين عمّا يهم الناس. فالديوان هو نواة المقاهي التي لا تزال باقية حتى اليوم، كما كانت تُطرح في الديوان الأمور السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بينما كانت تُطرح في الدواوين الخاصة بالمساجد أمور الدين والفقه والشريعة وفي معظم هذه الأحيان كانت هذه اللقاءات تتم بعد كل فريضة. و"الديوان"هو غرفة كبيرة ، تُوضع بها البسط والسجاد والوسائد المحشوة بالقطن أو الصوف أو الليف، وفي وسط الديوان يكون "الكانون" حيث تُوضع عليه دلال القهوة العربية المرة.
(1) . كما يُقدّم التبغ المفروط وأحياناً طعاماً أو شراب .
وقد اشتُهرت بعض الدواوين نسبة لأصحابها ومنها
: 1
ديوان منديل الأسعد2 –
– ديوان معجون المدلج 3-
ديوان فرحان الفياض
4-
ديوان محيمد الشوحان
5- ديوان هادي الهدهد
. – وفيما بعد ظهرت دواويناً أخرى ومنها
: 1
– ديوان فنوش العبود
2- ديوان ويس الكرماني
3- ديوان عياش الحاج.
وفي الثلاثينيات من القرن المنصرم ظهرت دواوين: 1- محمد العايش 2- ديوان عيد السخني 3- ديوان محمد سعيد العرفي
. في بداية النصف الثاني من القرن العشرين تراجعت الدواوين أمام المقاهي في المدينة وبقيت المقاهي تنتشر انتشاراً كبيراً، ويذكر الباحث المرحوم "أحمد شوحان" في كتابه "تاريخ دير الزور" أن المقاهي تزداد ازدياداً طردياً مع عدد السكان ففي الوقت الذي كان تعداد السكان في مدينة دير الزور أربعون ألفاً كان فيها أربعون مقهى، وحين أصبح عددها مئة ألف أصبح فيها مئة مقهى. ومما لا شك فيه أن المقاهي إنما هي للبعض رمز للبطالة وإضاعة الوقت ، وحينما جاء المحافظ عدنان عثمان في عام 1959 منع استعمال اللهو والورق لأنها هي سبب الخصومات في المقاهي ، لكن هذا المنع لمد يدم كثيراً وسرعان ما عادت هذه الألعاب إلى المقاهي وكأنها ما مُنعت .
كما أنها في الوقت نفسه كانت المكان الذي يرتاده مثقفو دير الزور لا سيما القادمين من الخارج بعد أن أنهوا دراساتهم الجامعية واطلعوا على مقاهي المحافظات الأخرى والذي كان لها الأثر الكبير في تطور المقهى بدير الزور ، إذ أن تجربة المدن الكبيرة كحلب ودمشق في إعطاء المقهى دوراً كــ"منتدى ثقافي" كان أكبر لا سيما وأن البعض منها كان يأخذ شكل "الصالون الأدبي" أو تجمع وجهاء البلد حيث من بعضها كانت تتخذ القرارات السياسية أو انطلاقة الثورات أو بداية تشكل الأحزاب . يُطلق "الديريين" اسم ( القهوة ) على المقاهي ، وكانوا في أغلب الأحيان يقدمون القهوة المرة ، وحينما عُرف الشاي خلال فترة الحكم التركي وبداية الحكم الفرنسي عُرفت المقهى باسم ( ﭽـاي خانة ) وكلمة خانة تعني المكان في اللغة الفارسية .
كما يُطلق الأهالي اسم ( قهوة كَرمز ) على المقاهي الصغيرة جداً ومقاهي الأرصفة التي تتخذ من كراسي القش الصغيرة مقاعداً لها وتأتي كلمة ( كَرمز) ككلمة شعبية تعني القرفصاء، إذ أن رواد هذه المقاهي من أبناء الريف الذين يريدون تناول الشاي على عجل للعودة إلى قراهم. (2) ومن أشهر المقاهي بديرالزور: 1- مقهى السرايا المطلة على الفرع الصغير لنهر الفرات 2- مقهى الخيام 3- مقهى عصمان بيك أما الـﭽـراديق (3) فالجلوس فيها ذات متعة كبيرة كونها تُشرف على نهر الفرات ، وكان بدير الزور عدداً كبير منها ، وعُرفت أسماء بعض الـﭽـراديق مثل: 1- ﭽـرداق عيد الصياح و 2- ﭽـرداق حسون وغيرها. إلا أن الآن لم يبق غير ثلاث ﭽـراديق معظم روادها من الشباب . ويقدم الـﭽـرداق المشروبات الساخنة كــ"الشاي والقهوة والزهورات والقرفة والنومي" ، ولم تكن المشروبات الحديثة كــ"الكاباتشينو أو النسكافيه والكاكاو وغيرها" معروفة في ذلك الوقت ، وإنما ما يميز الـﭽـراديق قديماً هو شرب الشاي الإنكليزي إيرل غراي Earl Gray المضاف إليه أوراق من العطرية . وفيما بعد ظهرت أصناف أخرى منه مضاف إليه نكهات مثل الليمون والفريز بالإضافة إلى الشاي الأخضر .
كما كانت تُقدم المشروبات الباردة كالمشروبات الغازية ( الكازوز ) واللبن ، كما كان يقدم فيها النارجيلة ( التنباك قبل ظهور المعسل ) وأنواع التبغ المحلي أو المجلوب من شمال سورية.
وتجدر الإشارة إلى أنه قديماً كان يستخدم الـﭽـرداق صيفاً كدار للسينما في الهواء الطلق ، حيث خصصت أيام للرجال وأيام أخرى للنساء ، وبعد بناء دور السينما المغلقة والحديثة تراجع دور الـﭽـرداق كدارٍ للسينما . وكان قد أُسس في دير الزور ﭽـرداقاً أيام متصرف دير الزور السيد أحمد شكري وذلك في عام 1898 والتي تقع حالياً مقابل مبنى الشرطة العسكرية ( بجانب بنك بيمو السعودي الفرنسي ) وفيما بعد أًصبحت حديقة للبلدة ، ومن ثم عادت كمقهى قام بتأجيرها السيد ويس الكرماني رئيس البلدية لأحد الأشخاص من أورفة . وسواء أكانت مقاهٍ أو ﭽـراديق فإن أردنا مقارنة أعداد المقاهي بأعداد النوادي الثقافية بدير الزور في عام 1970 (حسب المصدر) لوجدنا أن عدد المقاهي هو / 47 / وعدد الأندية الثقافية / 1 / ومن أشهر الـﭽـراديق بدير الزور : 1- ﭽـرداق حج رزوق 2- ﭽـرداق وجيه .
*المقاهي المحرّمة ؟؟!!: مع بداية عام 2013 أي مع ظهور التنظيمات الإسلامية المتطرفة أُغلقت معظم المقاهي بدير الزور بذريعة أنها تُشجع على الخلافات ، ويلعب مرتادي المقاهي القمار وغيره وأنها تزيد من الفساد ، لذا قاموا بإغلاق العديد من المقاهي و الـﭽـراديق ، واقتصرت المقاهي فقط على الرصيف في مناطق حركة الحافلات الصغيرة بهدف الجلوس والانتظار لأجل موعد تحرك الحافلة. أما حالياً فقد عادت المقاهي إلى العمل لكنها ليست كالسابق ، إذ أن معظم روادها من المسنين الذين تربطهم الذكريات القديمة وتجاذب أطراف الحديث واستعادة الماضي بروحٍ جديدة
. *ياسرالشوحان مدير آثار ومتاحف ديرالزور الأسبق *
هوامش: 1- الدواوين والمقاهي والمجالس في دير الزور ـ عبد القادر عياش ـ ص 21 ـ 22 . 2- تاريخ دير الزور ـ أحمد شوحان ـ ص 142 3- الـﭽـرداق ( الـﭽـرداغ ) كلمة فارسية وتعني ( أربعة عواميد أي سيباط ) ويُراد بها العريشة أو السقيفة من الحطب .