مستــقبل الأكـــراد بيــن وطنــهم وعــدوهم التـركي وحليفـهم الأمـريكي …….
………سيــعود شرقــي الفـرات وعفــرين إلى حضــن الوطـن سلمــاً أو حــرباً……..
………لعـبوا بالواقـع الديمـوغرافي وهجـروا العـرب المسيحـيين من أراضـيهم……..
ــ المقــال الثـــاني ـــــــ
المحامي محمد محسن
من الطبيعي جداً أن يقلق أي مواطن ، بل أن يغضب ، من تواجد جميع القوات الأجنبية غير الشرعية الأمريكية وغيرها على أرضنا ، وبخاصة القوات التركية ، لأن بيننا وبين تركيا تاريخ طويل من العداء ، فهي التي سرقت تاريخنا وثقافتنا وحملتهما بيرقاً لها بعد أن شوهتهما ، في احتلالاتها لأوروبا وغيرها ، ومارست باسم الاسلام من الجرائم الانسانية ما لا يمكن عده ، وجسمت على صدر تاريخ المنطقة أربعة قرون ، أوقفت فيها حركة التاريخ ، سميت عدلاً ( عصور الانحطاط ) ، تلك العدوانية لم توقف حركة تطورنا الذاتية فقط ، بل اغتالت أي نزوع ثقافي أو تحرري في بلداننا ، كما علقت المشانق لقياداتنا الوطنية في ساحات الوطن ، وشوهت الدين الاسلامي وحولته إلى طقوس وشكليات ومظاهر ، الدين الذي يتاجر به أردوغان الآن ، والذي يتخذه سلاحاً للسيطرة على المنطقة ، وتحقيق الحلم الذي راوده بإعادة السلطنة العثمانية بعد ( الربيع العربي ) ، ليقود العالم الاسلامي من قصره الجديد الذي بناه على الطريقة العثمانية ، ولكنه بات واثقاً أن حلمه بات حلم يقظة .
.
هذا ( الربيع العربي الأسود ) كما عزز حلم أردوغان بالسلطنة ، منح فرصة للانفصاليين الأكراد لاستنفار كل أحلامهم المحملة بالأحقاد والروح العدوانية ـــ مع الأسف ـــ ، وهم في غالبيتهم استقبلتهم سورية وآوتهم بعد أن هربوا من تركيا ، فانخرطوا في قطعان المعارضين السوريين ، يقودهم احساس واهم بالانفصال عن سورية ، ولم يكتفوا بالإقامة على أرضنا ، بل لعبوا بالتنوع السكاني ( الديموغرافي ) ، ومارسوا كل أشكال الضغوط لتهجير العرب المسيحيين ، من سريان ، وآشوريين ، وكلدان ، وغيرهم ، وأخذوا أراضيهم وحلوا محلهم في ممتلكاتهم .
.
هذا الشعور الطاغي استباح ذاكرتهم وغمط حاضرهم وأنساهم واقعهم ، ودفعهم إلى تنزيل العلم السوري ورفع العلم الكردي بديلاً عنه على جميع مؤسسات الدولة ، لاقاهم في تمردهم هذا وشد من أزرهم الانفصاليون الأكراد في تركيا وايران ، والبرزاني في العراقي ، وكان وراء كل هذه المواقف أمريكا واسرائيل والسعودية ، وكل أعداء سورية ، انخرطوا مع المعارضة السورية بكل تشكيلاتها وشكلوا فريقاً واحداً ، استقبلوا من تركيا مع قوى المعارضة ، التي يغلب عليها المسحة الاخوانية استقبالاً [ يليق بالمحررين ] وأنزلوهم في أرقى الفنادق ، وعقدوا المؤتمرات ، وأصدروا البيانات المشتركة ، المهددة والتي رفعوا فيها سقف مطالبهم الذي كان يوازي زخم الهجمة البربرية المتوحشة على سورية ، استفاقت تركيا لتدرك أن ألد أعدائها باتوا في بيتها ، عندها قررت طردهم من أراضيها ، واشترطت على المؤتمرين اخراج الأكراد خارج المؤتمر ، وقلبت لهم ظهر المجن ، وأشهرت عداءها لهم .
.
بعون أمريكي مباشر شكل الأكراد السوريون وحداتهم العسكرية ، قوات سورية الديموقراطية ( قسد ) ، كيف يتوافق هذا ( المناداة بسورية الديموقراطية ، بعد أن استبدلوا العلم السوري بالعلم الكردي في جميع أماكن تواجدهم ) ؟؟ ، إذن لم يكن شعار سورية الديموقراطية ، إلا شعاراً مرحلياً تمهيداً للانفصال ، شكل الانفصاليون قوات مدججة بالسلاح الأمريكي طبعاً ، وبقيادة مدربين من الانفصاليين المسلحين من أكراد تركيا والعراق وايران ، وكلما ازداد القتل والتوحش في سورية ، كلما ازدادوا تعنتاً وثقة بتحقيق أحلامهم ، وباتوا جزءاً هاماً من الحرب العسكرية ضد سورية ، ثم نزلت أمريكا بقواتها في شرق الفرات وأقامت الكثير من القواعد العسكرية ، وبات العمل المشترك مختصاً في ملاحقة القبائل العربية ، فإما أن تتعسكر معهم وإلا فأنت مع الدولة السورية ، عندها تجب معاقبتك أو محاصرتك أو طردك تهجيراً ، قاتلوا " داعش " أحياناً حين تلجئهم الضرورة عند تعارض مصالحهم معها ، وتحالفوا أحاييناً معها وفق الهوى الأمريكي .
.
وكان تدمير الجسور القائمة على نهر الفرات من قبل الطيران الأمريكي ، قد لاقى هواً لديهم لأنه حقق الانفصال الجغرافي عن الجسد السوري ، وباتت الجزيرة شرقي الفرات بغالبيتها تحت ولايتهم ، كما أن قصف الوحدات العسكرية العربية السورية في جبال ( السردة ) وغيرها ، أعطاهم زخماً بجدية أمريكا في مساعدتهم ، أما قيامهم بعون أمريكي بمهاجمة بعض القطعات العسكرية السورية ، في حلب ، والدير ، وقرب آبار النفط ، فكلها كانت ضمن ( الشروط الحلم ) لتحقيق انفصالهم عن جسد الوطن ، لكنهم لم يكتفوا بذلك بل ساهموا مع أمريكا بتدمير القرى والمدن العربية وأهمها الرقة ، تدميراً شبه كامل ، وذلك لتهجير سكانها العرب ، وحرمانهم من العودة إليها لاستحالة اعادة اعمارها ، كل ذلك وأكثر قام به الانفصاليون الأكراد بمساعدة كل أعداء سورية ولا أستثني اسرائيل لأنها هي الرابح الأكبر من ذلك ، وأنا أُذكر برفع العلم الاسرائيلي عندما خاض البرزاني استفتاءه الانفصالي ، في شمال العراق .
.
كل هذه الجرائم رغم فداحتها كان من الممكن اجراء مصالحات بشأنها مع وطنهم ، أما الجريمة الكبرى فلقد تجسدت بإعطاء الفرصة لتركيا العدو اللدود باحتلال عفرين وجوارها ، عندما استقووا بأمريكا واثقين من أنها لن تسمح للأتراك باجتياحها ، ومنعوا الجيش العربي السوري من حقه في الدفاع عن أرضه ، لأن مجرد وجود الجيش العربي السوري على الحدود ، كان سيحول دون دخول الجيش التركي ، لأن ذلك يعتبر حرباً بين دولتين ولا يمكن حصر امتداداتها ، ولكن رغبتهم في الانفصال الجامحة ، وشعورهم بفائض في القوة بقدراتهم الذاتية فرطوا بأرض سورية ، وسمحوا لعدونا التاريخي باحتلال أرضنا وتشريد شعبنا ، وهذه جريمة لا تغتفر ، هذا الموقف الذي يعادل الجريمة الوطنية الكبرى استدعت دخول الجيش التركي بشكل مباشر الأراضي السورية والعبث بها .
.
الانفصاليون الأكراد هم الذين خلقوا هذه المواجهة ، وهم من يتحمل مسؤوليتها التاريخية ، فبدلاً من أن يكون المكون الكردي السوري يقاتل إلى جانب الجيش العربي السوري ، دفعه الانفصاليون الأكراد إلى أن تكون القوات الكردية عدوة للطرفين المتعاديين في آن واحد ، وهنا تحدث المفارقة ، عدوان متصارعان تاريخياً تركيا وسورية ، يدفعهما الواقع إلى التقائهما في قتال طرف ثالث ، ألا وهو المكون الوطني الكردي الذي رفع السلاح بوجه دولته ، مقدماً بذلك خدمة جلا لعدونا التاريخي تركيا ، ولكن ورغم كل الويلات التي ارتكبوها ضد وطنهم نأمل عدم الوصول إلى تلك النتيجة
.
نعم لقد وضعت العصابات الانفصالية الكردية ، الأكراد السوريين في مأزق يبدو محيراً ، كما أضافت عبئاً اضافياً للجيش العربي السوري ، كان في غناً عنه ، ولأنه لا يمكن أن يتجاهل أحد أن تركيا من مصلحتها قطع الاتصال بين الأكراد المتمردين في تركيا ، وبين الأكراد السوريين ، الذين يتشاطؤون معهم في حدود طويلة ، لأنهم ان نجحوا في مسعاهم سيكونون عوناً مباشراً للأكراد الأتراك ، مما يدفع تركيا لقتالهم وابعادهم عن الحدود .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
.
لذلك لا يوجد أمام الانفصاليين الأكراد إلا واحد من حلين :
…. اعتماد ذات الأسلوب الذي اتبعوه في الدفاع الذاتي عن عفرين !!، وبهذا يعطون المبرر ثانية لتركيا بممارسة عدوانها عليهم شرقي الفرات ، ويتحملون وحدهم عبء مواجهة الجيش التركي الغازي ، وفي هذه الحالة يقعون في ذات المحظور الذي وقعوا فيه في عفرين ، مع الخذلان الأمريكي ، ويعرضون ثانية أراضٍ سورية اضافية إلى الاحتلال التركي ، ويزيدون الوضع تعقيداً بيننا وبين تركيا المعتدية .
.
…..أو أن يسلموا الحدود السورية التركية إلى الجيش العربي السوري ، ويؤوبوا إلى رشدهم ، عندها فقط تفقد تركيا مبرر عدوانها ، على شرق الفرات ، وينتقل حق حماية المكون الكردي من العدو التركي مصلحة سورية جامعة .
عندها أيضاً وفقط يعود المكون الكردي السوري إلى حضن الوطن كغيره من المتمردين ، وتصبح المواجهة كما أسلفنا بين دولتين ( سورية وتركيا ) .
ولا أعتقد أن الحرب المباشرة بين دولتين سيتحملها الواقع الدولي الآن ، وبخاصة بعد تشكل القطب المشرقي ، لأن أي حرب في المنطقة باتت تمس بشكل مباشر هذا القطب الناهض الجديد .
.
ولما كنت قد أكدت في مقال سابق قبل ثلاث سنوات أن لا حروباً كبيرة مباشرة بين الدول بعد الآن بما فيها أمريكا ذاتها ، وباتت الحروب بالوكالة هي البديل كما هو عليه الحال في سورية ، لأن الدمار الهائل الذي سيلحق بالدولتين المتحاربتين ، لا قبل لأية حكومة تحمل تبعة اتخاذ القرار بالحرب .
لذلك يصبح الحل السلمي بالتوافق بين تركيا وسورية أقرب للمنال .