أدونيس حسن
كم وكم قيلَ في هذه الكلمة ,, من تعاريف ونصوصٍ وقصائد ,, كان بعضها خاضعاً للأخذِ والرد والجدل ,, والبعضُ الآخر للدحضِ والإقصاء ,,والقليلُ منها بلغ الاستقرارَ والاتفاقَ والاستمرار …
ذلك لأنَّ مصدرَ هذه الرؤى كان من خارج المُعَرِف أو الكاتب أو الشاعر ,, فوقعتْ تلكَ الأشكالُ والتعاريف بالجمودِ والصنمية والواحدية ,,وأصبحَ من يضع تعريفاً مختلفاً عن تلك الأشكال والأنماط ويخرج عنها,, تُجمعُ له الأحطاب والوقود وتُضرمُ النارُ فيه ,,ولكن دونَ النداءِ بالبرد والسلام …
فالوطنُ ليس قطعةً ماديةً أو معرفية يحدُها من جهةٍ أقوالُ السلفِ,, ومن أخرى مفاهيمُ الخلفِ,, ومن غيرها حكايا الرواياتِ والقصص ,, أو شعارٌ وشعاراتٌ تجمدُ ما في دواخلنا من وطن …
الوطنُ هو النهرُ العظيمُ المتشكلُ من جداول الأزمنة الداخلية الفردية لكل أبناءه,, بما تحتويه من ثقافةٍ ورؤى وأماني وأحلام ,, ليجري في أرضِ العالم,, ويسقي الحضورَ الإنساني حياةً متجددةً لا تتوقفُ عند حقلِ الحنطة أو الذرة أو قصب السكر ,, ولا يتوقفُ عن المسيرِ إلى بحرِ الوجودِ ,,ليجعلَ منه أعماقاً أعظمَ من أعماقه ,,ودرراً أغلى من درره ,,وجواهرَ أنقى من جواهره ,, وصفاءً أبهى من صفائه…
ونتمسكُ بالأصل بقدر ما يكونُ أصيلاً ,, وإن لم يحققْ الأصلً الطموحَ علينا العملُ على تعميقه وصقله وأن نضفي عليه ذواتنا وفرادتنا,, فيكونُ لكل فردٍ وطناً ويكونُ الفردُ له بلاداً ,,وهذا يُمكننا من اللقاءِ مع الآخر بقدرِ اللقاءِ مع أنفسنا,, مع المحافظة على مسافةٍ بيننا وبينه ,, بحيثُ يبقى يرانا ونبقى نراهُ ,, فلا نقترب لحد فقدان الرؤية ,,أو نبتعد لحد انعدامها …
وكذلك الموقف من التاريخ والأرض والوطن والهوية ,, فالأفاقُ الإنسانية بطبيعتها تميلُ إلى التمسك بالجذور التاريخية والجغرافية التي نمت منها,, فالمكانُ والزمان يصنعُنا ويسكنُ فينا ونحنُ نصنعُ التاريخ ,, والوطنُ وإن غادرناه فهو لا يغادرنا ,,والهويةُ هي الناتجُ الطبيعي لهذا التفاعل الخلاق بين تلك العناصر والظروف ,,
فالتحرر الكامل من الأصالةِ والتاريخ والجغرافيا يوقعنا بنقيضِ ما ننشد من الحرية ,, لأنه يُفقدنا التفاعل مع الآخر المختلف ,, ويقضي على علاقةِ التكامل بين الأشياء وبين الناس ,, ويجمدُ الحياةَ في ثلاجة الواحدية والصنمية ,,
فلا يوجدُ إنسانٌ أو مكان أو زمان أو شيء كامل ,, إنما الموجود هو السعي نحو الاكتمال وهذا هو سرُ الحياة واستمرارها ,, و من هنا يتحققُ التجددُ الدائم في الهوية بشكليه العمودي والأفقي …