الأديبة والباحثة التربوية راغدة شفيق محمود
حين تقدم نفسها للقارئ تعتلي منصة البهاء وصهوة المجد السوري , سيدة سورية عرفها الحرف شعرا وتباهت بها لغتنا العربية إذا رافتقها شرحا وعطاء وحبا من هي السيدة راغدة محمود ؟ تجيب بقولها :
_امرأة عربيّة سورية تؤمن بأنّ الكلمة أقوى من الرّصاصة في زمن الحرب والسلم ، فاختارتِ الكتبَ رفاقا، والكلمة الطيبة سلاحاً، والعائلة ملاذا، والتّعليم رسالة.
***هل كان التّعليم هدفا وطموحا منذ الصغر أم فُرض عليك؟
*التّعليم حلمٌ لكلّ طفل في الصٍّغر، فأطفالنا يقلدون معلميهم في حركاتهم وأصواتهم ،وكنت تلك الطفلة التي مارست رسالة التّعليم منذ طفولتها. أخوة عشر وأنا الأخت الكبرى التي يقع على عاتقها المساعدة في حلّ الوظائف والمتابعة،ولذلك أنا قارئة نهمة لكلّ ما يقع بين يدي من كتب . في بلدنا نتحدث عن أحلام كثيرة في طفولتنا ولكنّ الواقع حجر قاس يصعبُ نحت رغائبنا عليه دونَ مساندة من الآخرين فأدرك اليوم أن التّعليم قمة الرّغبات والقلة من البشر تنجح في تأدية هذه الرسالة .
****ما هي مشاكل الطلبة بشكل عام؟
_واكبتُ في مسيرتي التربويّة التعليم بمختلف مراحله. تختلف مشاكل الطلبة باختلاف المرحلة العمريّة، فتلميذ الحلقة الأولى هو البذرة التي تبدأ بالنمو وتحتاج إلى الكثير من الرعاية النفسية والصحية والتربوية والتعليمية وأعتقد أن بلادنا أهّلت كوادر تعليمية نخبويّة مثقفة من معلمي الصف خريجي التربية. ولكنّ الجانب النفسي والصحي في أغلب المدارس الابتدائية دونَ الطموح بسبب الأعداد الكبيرة للتلاميذ في الشعبة الواحدة وعدم تأهيل المدارس لهذه المرحلة فمدارسنا صفراء كئيبة محاطة بالأسوار مزنرة بالقضبان الحديدية.
أما المرحلة الثانية يكبر الطموح العلمي وتختفي من معظم مدارسنا المخابر العلميّة والمخبري معظم أمناء المخابر أو أمناء المكاتب يعتبر نفسه إداري يعتمد على تقديم الورقيات البعيدة عن البحث والتجريب . أما سوء التعليم ظهر في المرحلة الثانوية وضياع المثل الأعلى والقدوة الطالب المتفوق والمهمل الكسول في الامتحان سواء بعد أن فقدت الامتحانات قيمتها بسبب بعض ضعاف النفوس من مخربي البلاد. يقول لك الطالب لن أدرس لأنّ ذاك الطالب لا يجيد القراءة نجح في الثانوية العامة وهذه مصيبة بدأت منذ سنوات يجب أن تجفف منابع الغش في الثانوية العامة لأنّها من وجهة نظر الجميع تقرير مصير وهي الرافد الرئيس لسوق العمل والحياة العملية .
****8هل يستمتع الطالبُ بالمناهج الجديدة؟.
_المناهج المطوّرة أحدثت قفزات نوعية في طرائق التدريس، ولكن الثوب المصنوع من أغلى الأنواع والمطرّز بأثمن الجواهر بمقاس غير مناسب لنا ما الفائدة منه؟ هذه هي مناهجنا وضعت لزمان ومكان يستحيلُ تطبيقه في مدارسنا (الحكومية) نستمتع بالمناهج لبعض الوقت ولكن الفائدة دون المطلوب.
******* ما وضع المعلم وماذا تنتظرين من المعنيين؟.
_المعلم مواطن يهتم بعائلتين وهنا يجب أن يتميّز عن سواه، سأتحدث عن أصحاب الضمائر من المعلمين وهم كثر ولن أتحدث عن المعاناة الجسدية والنفسية والمادية التي يعيشها المعلم لأنّ الجميع يدركها في قرارة نفسه. ولكن سأحدثكم عن بكاء بعض المعلمين لما وصلنا له من تدني الواقع التربوي بسبب بعض القرارات التي تُتّخذ من أصحاب المكاتب المكيفة البعيدة عن الواقع الحقيقي. كنا في مرحلة بين الوهم الوزاري والتفاخر بالإنجازات على شاشات الإعلام والواقع المرير للمعلم المهمش والطالب الضائع والمدارس المهملة هذه العلل أتمنى ان تشخص بمشاركة الطالب والمعلم والمسؤول وهذا ما أنتظره.
******تزايد الانتقادات للغة العربيّة بوصفها لغة جامدة وغير مواكبة للتطور العلميّ ما رأيك بذلك.؟.
اللغة من وجهة نظري أنْ تتكلمَ فأفهمك وأتكلم فتفهمني، لا تعقيد في اللغة العربية، ولكنّ بعضَ المتشدقين تحولوا إلى ببغاء يحاول تقليد جميع اللغات فضاع صوته ولم يعد قادرا على إتقانِ فن الحوار بلغتهِ فيأتي بمصطلحات ومنحوتات لا تفهم ولا تدرك من العامة ويقول أنا مثقف سأتحرر من قواعد اللغة نحوها وصرفها وضبطها فتضيع متعة الإنصات إليه وتنفر منه المسامع لعدم فهم مقصده وغايته . ،
*****نقرأ من عيون الأدب العربي و في معلقاته قصائد ومعان لا تفهم إلا بالعودة للمعاجم . ما سبب ذلك؟.
اللّغة كائن حيّ له أطواره ونهايتة و أيّ لغة تهمل أو يصيبها الدخيل نهايتها الموت، وهذا الموت لبعض المفردات من طبيعة المدنية والحداثة فرّقَ اللسان وطرب للسهل البسيط وضعفت الثقافة في حفظ المفردات من مرادفات الكلمات وهذا أثر على ثروتنا اللغوية ومقدرتنا في الحفظ والتذكّر، ولكن من يقرأ يدرك أن اللّغة العربية ولّادة بمفرداتها ولا خوف عليها لأنّها بحروفها القليلة العدد احتوت لغات العالم. *** مادور المثقف العربيّ في ظلّ الأزمة وهل نجح في إثبات ذاته؟.
_ المثقفون العرب لا يتجاوز عددهم أصابع الكفين. لأنّ المثقف لا يقف في برجه المرصع المنمق يراقبُ تصاعد دخان الخديعة والانحراف وقتل الحقوق. المثقف يمتشقُ يراعه صارما بتارا لقطعِ لسان الخديعة وهذا لم يظهر عند الكثيرين ممن قال ونقول أنّهم مثقفون، فنراهم يراقبون المنتصر وهم يبوحون أشعارا سوقية لا تكاد تخرج من وصف وتصوير لتضاريس جسد المرأة وقصص الغرام والحبّ المبهرة ثمّ يتسابقون إلى ساحات المدح والتطبيل. هؤلاء سحبُ دخان تحجب الحقيقة وتدمع العين في زمن نحتاج إلى المثقف الحقيقي الكاشف لمكنونات الواقع والماسح لدموع الأيامى والأرامل والأيتام . نجح البعض وفشل الكثيرون في امتطاء
نجح البعض وفشل الكثيرون في امتطاء حصان الأصالة.
*****ماذا قدمت في ميادين الفكر والإبداع والثقافة؟.
أنا نقطة من مداد حاولت جاهدة أن أترك أثراً أخبر أولادي وأحفادي وطلابي أنّ الحياة رغم قسوتها بالمتابعة والجد تنحت قطرات الماء النشطة أصلب الصخور،وتترك أثرها رغم ضآلة حجمها لا تكونوا على هامش الحياة تقيدكم سلاسل الماضي والعادات والتقاليد وأن خير صديق هو كتاب يغذيك ويحميك ويهديك لبناء بلدك بالعلم والمعرفة .
****ما دور المرأة السورية في هذه الأزمة من شاعرات ومثقفات وباحثات……..؟. سأتحدث عن المرأة السورية حفيدة عشتار الّتي رفضت التفريط بالأرض وأدركت منذ بداية الأزمة أنّها حرب وجود فزفت ولدها شهيدا حاملة نعشه وقالت أجمل القصائد العابقة بعبير ياسمين الشام المخصب بدماء الشهداء المقدسة وكانت المربية التي ربت جيلا من الأشاوس الأبطال كان حبّ الوطن عندهم عقيدة. وبالرغم من ذلك المرأة السورية تميّزت في ميادين العلم والبحوث العلمية وشاركت الرجل لأنّها تدرك أن البلاد لا تنهض بجناح كسير يحاول البعض إبقاءه سقيما مقيدا بسلاسل العبودية والذّل.
*****ما جديدك وطموحاتك المستقبلية؟.
بعد كتابي في تطوير قواعد اللغة العربية وطرائق تدريسها (على مسرح الإعراب) ونشر العديد من الأبحاث في مجلات وجرائد عربية وعالمية أعمل على إصدار سلسلة تعليمية تقوم على تبني الفنون الأدبية لقواعد اللغة وصرفها والاهتمام بثقافة الطفل ودور المرأة الأمّ والمربية في بناء الجيل .
وفي النهاية جزيل الشكر لنفحات القلم وللأديبة والإعلامية الصديقة منيرة أحمد وللشاعر والإعلامي فؤاد حسن حسن ولكم أحبتي…
أجرى اللقاء فؤاد حسن حسن