صديقة صديق علي
الباب 3 انشودة الموت قال في ليلة زفافي أن قدمي هما أجمل ما رآه بي في أول لقاء لنا . ضحكت يومها مذهولة من تصريحه هذا، لاسيما أنني أتيت إليه من دروب ترابية تشهد فيها أشجار الحور والتين على صداقة قدمي لأحجار النهر والعشب والطين . _ حين كنت تجلس قبالتي وتطرق رأسك في الأرض كنت أظنك إما خجولاً أو أنك تفكر .. ضحك ساخرا من براءتي وهو يخبرني: كل ما في جسد المرأة شفرة والمبدع وحده من يستطيع أن يفك الرمز. قبله كنت قد أُشبعتُ بغزل أخذ شعري الأشقر منه الحظ الأوفر وتلته عيناي كل من صادفتهم كانوا من رجال ينظرون للأعلى ..قبل أن أُغرم بنصيبي الذي لم يعنني كيف ينظر ولا إلى أين. عشقه لقدمي جعلني أتعلم كيف اهتم بنعومتهما حيث تلقيت أول دروسي في مدينته من نساء يحترفن تأطير المرأة بالجسد.
مرور شريطِ الذكريات هذا خفف عني الألم المرافق لنزع الأشواكِ ولتضيمد جراحي بلطف لكن ضغط أصابعه كي يخرج حصى الأسفلت من جروحي جعلني أفيق من شرودي وألعن ذلك المصور المتوحش الذي لم يرحم وجعي مقابل تصوير مشاهده ليبثها من روحي النازفة وكدت أختنق قهرا وأنا أتخيل قدمي الكاذبتين على شاشات التلفزة وألعن رقة أصابتهما أفقدتني ممانعتي لإشواك دروبٍ قادمة. حاول انهاضي فشق عليّ السير.. كان التورم قد ضاق بشاش معقم خلته سيقوم مقام الحذاء التمّ حولنا رهط من رجال يعاينون غربتنا وقلقنا إلى ان جاء أمرُُْ من قائد التظاهرة بحملي ونقلي إلى بيت الخائنة. قهرني الشعور بأنني أسيرة في وطني ولكن فضولا ألمّ بي كي أرى الخائنة وأتبين أمرها. رافقتني وجوه المتظاهرين الجامدة وكاميرا المصور الملعونة وثابرت المذيعة باستثمار المشهد الإسعافي ولاحقتني نظرات زوجي العاجزة الخائبة إلى أن اختفيت من ساحته فتح أحد حامليّٓ بابا تفوح منه رائحة العفن، مشقوقا على العتمة ورموني على حصير أول ما تلمست فيها خشونتها، ثم أقفلوه بقوة لا تليق باهترائه الذي جعله غير صالحٍ لأن يكون بابا للسجن. اقتربت مني ظلالُ سيدة مكسورة الصوت والخاطر وقدمت لي كأسا من الماء وراحت توقد شمعة فقيرة لا يتجاوز طولها اصبع طفل أمضينا ليلنا نقتصد في الضوء والكلام ولما لم أستطع مصارحتها بسؤالي لما هي خائنة يئست وغرقت بنوم أخذني إلى بيت جدي وكرمه وشمسه عند الصباحِ كانت أول إشراقته بؤس بيت ووجه سيدة في عقدها الخامس تكشف عن جمال وهدوء لا يتناسبان مع المكان حيث لم تكفني شمعة الليل لأتبينٓ ملامحٓها الصباحية الهادئة.
بادرتني بابتسامة حزينة شقت قلبي وهي تلقي علي بحنو تحية الصباح وتخبرني أن الصبر جميل فقد طال جماله عليها لمدة عام. وتعتذر من جوع افترضته قد أصابني مع تأكيدي لها بأني فقدت احساسي بالجوع لكن ما يشغلني ما حل بزوجي وجلست تسرد لي بخبرتها وصوتها الحكيم احتمالات تتوقعها لمصيره. وختمت بجملة طلبت مني ترديدها وكانت ابتهالا لله ان يفك اسره. أسعدني صوتها المحملُ بحنان أمي التي فقدتها باكرا … رغم المرارة التي شابته إلا أن ن فرحا لذيذا دغدغني لعلمي أنها ستقص علي ما ألمّ بها. كان ذنبُها أنّ الفقر قصر طريق أولادِها اليتامى إلى مال قليل يكسبونه بالتحاقهم بالجيش و بابها الموصود لا يفتح إلا بانشقاقهم عن صفوفه، وهي تخشى الاطمئنان عليهم بأية وسيلة ما عدا قلبها الذي يهمس لها ليلا أن صغيرٓهم في خطر. مضت سبع إشراقات و نحن نشرب الحليب الساخن يسرقه لنا صديقُُ لابنها ليخفف عنا قساوة ما يلقونه لنا من برغل مطبوخ فاسد وماء يكفينا فقط لنبقى على قيد الأسر حلّ صباح الجمعة والمرأة يومها لم تتناول طعامها بل اطمأنت لشفاء قدمي وجلست تحت الطاقة الصغيرة بقضبانها الصدئة التي ترسم على وجهها ظلالا من ترقب لم أفهمه سنرى اليوم ما سيكون مصيرك وزوجك فيوم الجمعة هو يوم الحكم وادعي لربك أن لا يكون القائدُ هو القاضي لم أفهم ما عنته لكن خوفي تزايد وهي تناولني غطاء للراس وملاءة تعثرت بها. من خزانة فتحتها برفق وهي تقول هذا جهاز عروس ابني… وبكت برفعة وصمت سألتها أين هي تزوجت مرغمةً من قائدثورة الحرية هذه وما أكثر القواد هنا…. عضت على على شفتها لتحبس نفسا مشبعا بالقهر.
ماأن إنتصف النهار حتى علت الأصوات، والضجيج وأخذت تقترب منا مع نسائم واد تمنيت لو بقيت به و كان أقوى الأصواتِ صوتُ زوجي يهتف للحرية والكرامة طوال النهار. كان يغني لي في ليال قمرية نقضيها على السطح وكنت اطلب منه أن يخفف من صوته كي لا تردده الوديان اما أغنيته الملحنة بإتقان هذه المرة فكانت انشودة الموت ترسل طائفةً إلى التابوت و أخرى إلى بيروت. راعني ما أسمعه لكنه أوقد في داخلي أملا بالفرج. فتح الباب عن شمس ربيعية غاربة على قرية تتلاشى أشجار تفاحها بضباب إطارات محروقة وعن وجهِ زوجي الذي بدا غريبا فقد طالت لحيته وقصر عنقه وقف ينتظرني دون أن ينظر الي. سألته ما الثمنُ هذه المرة؟ بصوت مبحوح أجابني: بعت حنجرتي فحمدت الله أنه وهبنا الكثير كي نبيعه.