يصادف بدءً من هذا اليوم 26 شباط وحتى نهاية يوم 4 آذار تبعا للتراث الشعبي لسكان بلاد الشام ما يسمى بـأيام العجائز أو الأيام المستقرضات أو أيام الحسوم ، وهي سبعة أيام تقع في نهاية خمسينية الشتاء، (أي في عجزها) وتدعى ببرد العجوز، ولها أسماء عند العرب مرتبة تصاعديا حسب شدة برودتها وهي: الصِنّ ، الصنبر، الوبر، الآمر، المؤتمر، المعلّل، مطفىء الجمر.
كان برد الشتاء في هذه الأيام يأتي قارسا إذا صادفت هبوب رياح الشمال شديدة البرودة . ويعتقد أن العرب القدماء كانوا يُخدَعون من دفء بعض الأيام في شهر شباط، خاصة في الأيام الأخيرة منه والأيام الأولى من شهر آذار، فيخرجون إلى الوديان من أجل الرعي، إلا أن تقلبات الطقس تفاجئهم بهطول غزير للأمطار، يؤدي لتشكل السيول التي تجرف معها بيوتهم وأغنامهم.
توجد عدة روايات لسبب تسمية هذه الأيام بأيام العجوز؛ منها لكون هذه الأيام هي عجز الشتاء، أي آخره. وقيل لعدم قدرة العجائز المرضى على تحمل برودتها فيموتون من شدة البرد . ويطلق على أواخر أيام البرد اسم أيام العجز. و يُقال أيضا: إن عجوزاً كانت تُخبر قومها ببرد قادم في أواخر الشتاء، وهم لا يكترثون لقولها حتى جاء البرد فعلاً، فأهلك زروعهم وضروعهم فقيل لهذه الأيام برد العجوز أو أيام العجوز. وقيل هي من القسوة حتى ينخدع بها الكثير بعد أيام دافئة.
رواية أخرى تقول أن قبيلة من البدو ارتحلت من مكانها في البادية إلى مكان آخر في منتصف شباط لرعي أغنامها ، وقد نصبوا الخيام وتركوا الأغنام تجوب المراعي، وعندها قام أحد زعماء القبيلة بالمشي بين المراعي ، فشعر بقوة حرارة الشمس ، فعاد إلى أهله وقبيلته طالبا منهم العودة إلى المكان الذي قدموا منه ، مخبرا إياهم أن الطقس سيتغير (ستهطل الأمطار والثلوج وتنخفض درجة الحرارة) ، فما كان من جموع القبيلة إلا أن قفلوا راجعين ، إلا إمرأة عجوز رفضت العودة، وبقيت مع أغنامها الست وناقتها، فخرجت ترعى بها في أحد الأودية ولم تهطل خلالها الأمطار وكان الجو صافياً ودافئاً وبدأت تردد " فات شباط الخباط وما أخذ مني لا نعجة ولا رباط"، وما أن قارب شباط على نهايته دون أن يحدث ما يعكر مزاجها حتى فرحت فرحا شديدا مرددة العبارة الآتية (إجا شباط وراح شباط وضربنا على ظهره بالمخباط) .
وتدعي القصة المتوارثة، أن شهر شباط غضب من كلماتها وأحس بالإهانة، وذهب لأخيه شهر آذار واستنجد به من العجوز فقال "يا ابن عمي يا ابن عمي أربعة منك وثلاثة مني حتى نخلي العجوز توني)"، وتفسير هذه العبارة ان شباط استقرض من شهر آذار 3 أيام يجمعها مع 4 أيام منه تهطل خلالها الأمطار بغزارة ويزداد البرد كي ينتقم من العجوز، كي تسيل الأودية وتجرف العجوز وأغنامها، ولهذا تسمى الأيام العجائز أيضا بالمستقرضات وفيها قيل (بالمستقرضات عند جارك لا تبات) بسبب البرد القارس وسقوط الثلوج، وقيل أيضا (لا تقول خلصت الشتوية حتى تخلص المستقرضات المنكية) أي حتى تنتهي الظروف القاهرة والصعبة، وقيل أيضا ( مالك طرش يقوم إلا بعد مستقرضات الروم) أي لا تأمن على حيواناتك إلا بعد أن تنتهي المستقرضات الرومية، والمستقرضات الرومية هي نفسها الأيام العجوز ولكن تبعا للتقويم الشرقي الذي يتأخر 13 يوم عن التقويم الغربي.
من الروايات أيضا أن أيام العجوز سميت أيضا باسم أيام الحسوم بسبب ذكرها في القرآن الكريم (سبعة ليال وثمانية أيام حسوماً) حيث سميت بذلك لأنّ الريح التي أرسلها الله في تلك الفترة حسمت قوم عاد ولم تترك منهم أحدا كما ورد في الآية 7 من سورة الحاقة (سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَىٰ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ) . كان يعتقد بأنها أيام منحوسة ومشؤومة فلم يكن يحدث زواج في تلك الأيام ، ولم يكن الرجل يجامع زوجته لأنه كان يعتقد بأن المرأة إذا حملت في هذه الأيام سيكون الجنين مشوها ، وتكون الأنثى عاقرة، كما كان يعتقد بأن النباتات والأشجار التي تزرع في هذه الأيام لا تثمر . ومما قيل في ذلك : "ما حلال بيدوم إلا بعد الحسوم" و "إذا نويت بالحسوم نعمتك ما تدوم، انتظر حتى يجي عمك نيسان وصلي عالنبي العدنان". وكان ينظر إلى هذه الأيام الشديدة البرد بأن من يتمكن البرد من جسده خلالها فلا شفاء له حيث قيل (مبرود الحسوم لا يطيب)، وقد أطلق على برد الحسوم (برد الطويلين) بمعنى أن الإنسان الطويل القامة هو الذي يتعرض لبرد هذه الأيام أكثر مما يتعرض له الإنسان القصير القامة.
إذا أيام العجوز هي نفسها الحسوم وهي نفسها المستقرضات ، ويبدو أن هذه الأيام في هذا العام تتطابق تماما مع حسابات أجدادنا من كونها أيام ماطرة باردة وهي لم تكن كذلك في العام الماضي ، وليست قاعدة أن تكون كذلك في العام القادم.
#رياض_قره_فلاح
#عن_الطقس_والمناخ_في_الساحل_السوري