…..هـل يمــكن أن نعتــبر هذه التظــاهرات ( ارهاصــات استفـــاقة ) ؟؟
…..مطلوب من المـمـالك العـربية ( الغربيـة ) التفكير بإعادة تموضعها ؟؟
المحامي : محمد محسن
كنت قد أكدت في المقال السابق، أننا نعيش حالة حرب عالمية، بكل المقاييس، والمعايير، لكن الولايات المتحدة الأمريكية، لم تكن لتعتقد أن الحرب التي قررتها ونفذتها تحت اسم ( الربيع العربي ) ستصل إلى ما آلت إليه، بل كانت قد استسهلتها باعتبارها حرب تمهيدية، هدفها المباشر إزالة الأنظمة المشاكسة، وغير المنضبطة، وتنصيب أنظمة دينية بديلة موالية، اخوانية الصنع في بعض الدول، ووهابية في بعض الدول الأخرى، فهي من جهة تريح نفسها عقوداً، وتعطي زراعها الطويلة ( اسرائيل ) وكالة حصرية تمنحها فيها حق التصرف في المنطقة كلها، ومن ثم تنطلق لاستكمال حربها النهائية ضد المارد المشرقي الذي بدأ يعبر عن نفسه .
.
وحتى وبعد تنصيب الحكومات الدينية التي كانت تنوي تسليمها مقاليد الحكم في المنطقة، كانت لا يمكن أن تغادر المنطقة، بدون أن تزرع بين مجتمعاتها، بذور الشقاق والاقتتال بين الإخوة الأعداء، الذين نصبتهم هي نفسها، بين الحكومات التي تدين ( بعقيدة الاخونج ) وبين الحكومات التي تدين ( بالوهابية المذهبية )، وهذا الصراع سَيدْخِلُ تركيا حتماً في أتونه إلى جانب دول الاخونج، لأن الاخونج لايزالون يطالبون بعودة الخلافة إلى تركيا، التي أنهاها ( كمال أتتورك ) أما الدول الوهابية فتريد بقاء سيطرة آل سعود على المقدسات الاسلامية، هناك حيث ولد الداعية ( ” المقدس ” محمد عبد الوهاب ) شيخ الوهابية وفقيهها .
.
حتى هذه الدول المتصارعة بين الوهابية والاخونجة، ورغم التناقض الرئيس بينهما، حد تكفير أحداهن الأخرى، لأن كل واحدة منهن تعتقد أن الجنة حكراً عليها، والأخرى + ( 71 ) فرقة في النار، هذه الدول المتناقضة حد التكفير، ( الاخونجية والوهابية )، عليها أن تتوحد لمواجهة صراع مذهبي آخر وعدواً مشتركاً هي إيران الشيعية، ( الرافضية، المجوسية، ) بعد أن رفع اسم اسرائيل من القائمة، التي احتلت أولى القبلتين، ـــ كما هو عليه الآن ـــ .
.
ويبقى دور أمريكا ووكيلتها الحصرية اسرائيل، دوراً أساسياً في إذكاء روح الفتنة والاحتراب بين شعوب المنطقة كلها، على هذه الأسس المذهبية عقوداً، وكلما ظهرت بوادر هدوء، أو تعقل، أو اتفاق، تعمدان إلى إشعال الفتن مجدداً وعودة شعوب المنطقة إلى نقطة الصفر، وبذلك تضمن أمريكا واسرائيل تمزيق المنطقة، وتخلفها، وضمان ولائها، وسهولة التصرف بثروات المنطقة الغنية جداً، ( والتي لم تكن نعمة على شعوب المنطقة بل نقمة ) ولكن الأهم تحقيق حلم الدولة الصهيونية من ـــ الفرات إلى النيل ـــ سيدة مطاعة .
.
…………….إذن مـا هـي الغـاية الاستراتيجية مـن هـذه الحــــروب ؟؟
( حروب الربيع العربي كلها ) وكل ما سبقها من حروب مخملية، وبرتقالية، في البلقان، وجورجيا، وأكرانيا، وقبلها العراق :
كلها من حيث النتيجة هي ( حروب تمهيدية ) لتحقيق الهدف الأكبر ألا وهو اغلاق البحر الأبيض المتوسط، في وجه السفن الروسية والصينية،
وحصارهما، ثم تنتقل أمريكا إلى بحر الصين، والبحر الأسود، لتواجه هناك الدولتين الكبيرتين، الحالمتين، بتشكيل قطب مشرقي منافس .
.
…………..عندها تبدأ الحرب الكبرى، حرب أمريكا الأساس .
حيث تبدأ في قصقصة أجنحة الدولتين، وخلخلة علاقاتهما مع دول المحيط، والسعي لزرع ألف تناقض وتناقض، في داخل كل من الدولتين، وبين بعضهما أيضاً، ولا بأس من نقل الارهابيين الدين تمرسوا القتال في سورية، إلى الأقلية ( الإيغورية ) في الصين، والجمهوريات الاسلامية في روسيـا، عندها فقط تختم أمريكا حروبها، وتؤبد قطبيتها الواحدة، وتجلس على التلة لتراقب مدى تفاعل الصراعات التي خلقتها، وتستثمر كل طاقات الشعوب، وتكدس الثروات عند الشركات الأمريكية العملاقة، وبذلك تغتال حضارة الانسانية وتوقفها عن التطور، وتقبرها في التشكيلة الرأسمالية وفاقاً لفلسفة ” فو كو ياما” الذي اعتبر التشكيلة الرأسمالية نهاية التاريخ ، حيث تعيد الحياة الانسانية إلى مربعها الأول، عندما كانت البشرية منقسمة إلى أسياد وعبيد .
.
……………..لكن خاب فأل أمريكا حيث صمدت سورية، وعلى ميدانها ولد القطب المشرقي الجديد، وتغيرت اللعبة من أساسها .
.
………..ولو مهما كابر عملاء الداخل، وعملاء الخارج، والمرتجون، والإنتظاريون، فلقد خسرت أمريكا كل حروبها، رغم أن كلفة حروبها الاجمالية في أسيا وحدها بلغت / 3000 / مليار دولا، ومن خسر حروبه سيتقلص دوره بحجم الغايات التي كانت ترتجى من تلك الحروب، في عموم آسيا .
.
………….. إذن نحـــــن فــــي حـــــالة ( أفول، وولادة ) تاريخـيتين !!
.
. مما تقدم نطل على الواقع العربي، ونحاول تقييم التحركات الشعبية الواسعة، التي بدأت ولأول مرة تدق أبواب الممالك العميلة (مملكة المغرب نموذجاً )، فَتَحْتَ أي عنوان يمكن أن نضع هذه التحركات ، في السودان ، والجزائر، ومن ثم في المغرب، وهنا بيضة القبان ؟؟ .
على كل باحث مهتم أن يضع في أوليات اهتمامه، أن المخابرات الأمريكية والغربية النشطة، وأموال النفط، والمتأمركون، والعملاء، لن يستسلموا بسهولة، بل سيحاولون تحويل هذه التحركات الشعبية الواسعة، إلى ( استدراك ما وقعوا فيه من أخطاء، في جولة الربيع العربي الأولى ) ومن ثم الالتفاف على ما فات مجدداً، ويجب أن نعترف أن بعض الأمل قد لاح أمامهم، بعد اليأس الذي كاد يخنقهم، من هنا كان على القادة الوطنيين لهذه التحركات الشعبية عبء أكبر، وأن يضعوا هذا في حسبانهم، وأن لا يقللوا من الجهد والمال الذي سيبذله معسكر العدوان لاغتيال هذه الانتفاضات، والعودة إلى استثمارها مجدداً .
.
نعم هذا الاحتمال كان مرجحاً بحدود 90% لولا الصمود السوري، والخطوات الطويلة التي قطعها الحلف المشرقي، على أرض الميدان السوري، وبناءً على هذا [ أنا أرجح وبثبات الرأي الثاني ]، بأن هذه الارهاصات الشعبية مبشرة، لأن الانتصار السوري أعاد لشعوب المنطقة الأمل، وقال للكافة : أن أمريكا وحلفاءها ومعهما كل المال الخليجي النفطي، ليست كلية القدرة ومن الممكن هزيمتهم، ـــ بل هُزموا ـــ وهذه الهزيمة لا يجوز أن نمر عليها مرور الكرام، بل علينا البناء عليها لأنها هزيمة قطب بكامله، وتمدد وتوسع القطب المشرقي الشاب القادم، والمنتشر على أية مساحة يخسرها القطب المعتدي سياسياً، وجغرافياً، وحتى معنوياً .
.
ولا شك، بل وللتأكيد ولا ريب، أن هذه الانتصارات والتحولات التي تمت على الأرض السورية، ستنعكس ايجاباً على مضاء وتصميم القوى الشعبية التحررية المنتفضة على الانتصار، وتحويل هذه التحركات الواسعة إلى ارهاصات جادة للتحرر والانعتاق، بمقدار انهيارات معنويات القوى العميلة للغرب، ويمكن أن نضيف إلى جهود معسكر الحرية، القوة النابذة المتأتية عن الصراع الجَدي، بين حلفاء الغرب ذاتهم ( السعودي ـــ الإماراتي، ضد القطري التركي )، الذي من الممكن تجييره لصالح الثوار .
.
……………..وعليه نؤكد أن التاريخ لا يمكن أن يعود إلى الوراء …..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولما كانت الولايات المتحدة الأمريكية، قد خسرت كل حروبها، في جميع دول العالم، بالرغم من أنها تزرع / 725 / قاعدة عسكرية في كل دول العالم، وتتحمل وزر / 20 / مليون روح أزهقتها في هذه الحروب، هذه الدولة العسكرية القاتلة، هي في حالة أفول، وما تخبط ترامب ـــ غربتشيف ـــ إلا الدليل القطعي على ذلك، [ والحلف المشرقي الشاب بات في حالة هجوم، وكانت سورية جوهرة التاج فيه، لأنها بداية الطريق إلى الشرق، ونهاية طريق الحرير ] .
.
………… ولما كانت شعوب المنطقة لن تنسى جرائم الغرب ؟؟؟؟
وبخاصة ومنذ أن تمكنت أمريكا وحلفاءها من اغتيال حركات التحرر في العالم، وموت نهرو، وعبد الناصر، وتيتو، وقتل / 500 / ألف في أندنوسيا مع سوكارنو، والتي شكلت مؤشرات اغتيال الاتحاد السوفييتي .
منذ ذلك التاريخ فقدت شعوب العالم كل شعوب العالم، حتى الأوروبية منها، نعم فقدت حركيتها الثقافية، والنضالية، بفقد / مفكريها، وطلائعها الحزبية ، والنقابية، / حتى / الفكر الانساني، الأدبي، والسياسي، وموسيقى الشعوب، ولم تسلم حتى لغات الشعوب وبخاصة اللغة العربية من محاولات الاغتيال، حتى المكتبات أغلقت / وباتت شعوب العالم في حالة ضياع، وهذا كان الواقع العالمي النموذجي الذي عملت الولايات المتحدة تحقيقه، لأنه الطريق الوحيد لتأبيد سيطرتها على العالم .
.
وبالمفهوم المقابل : [[ الطاغوت الأمريكي الذي فعل كل هذا، هو الآن في حالة خسران، وتخبط، وانكفاء ]] .
.
.
…………….مـا هـو المــأمول إذن من هـذا الانقـــلاب التاريـــخي ؟؟؟
المأمول والمرتجى : إعادة الحياة إلى المجتمعات الإنسانية، التي أفلتت من أنياب الوحش الأمريكي، وعودة التوازن الدولي الذي فقد منذ سبعينات القرن الماضي، عندها فقط تهدأ نفوس الشعوب الستضعفة، ويخف الخوف من الحروب، وهذا سيؤدي حتماً إلى :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أولاً ـــ ستفرز المجتمعات العربية والعالمية، قياداتها وستتشكل أحزابها اليسارية، ونقاباتها المناضلة، وسيعود الحديث عن الاشتراكية، كبديل للرأسمالية المتوحشة، وسيدب نسغ الحياة من جديد، وتعود المكتبات إلى النماء .
ثانياًـــ ومن البدهي أن التطور الثقافي، والسياسي، والفكري، سيؤدي حتماً إلى تأمير العقل، عندها ينهزم الفكر الديني الظلامي تلقائياً، ويعود العقل إلى ساحة التداول بدلاً من ركنه على الرف .
ثالثاً ـــ على الممالك العربية اعادة حساباتها، وتموضعها، على ضوء هذه المتغيرات، وخسرانات الحامي، والخروج من حالة الاذلال والاسترقاق التي وضعها فيها ترامب، وإلا فإن شعوبها ستأخذ ذمام المبادرة .
.
………نعم [ من يبقى في الزواريب الضيقة لن يرى هذه التحولات ]….