هذا الطقس كان من بين الطقوس والعادات الجميلة التي كان يحرص على إحيائها باستمرار اهلنا في ريف ساحلنا السوري الجميل ..وكانت تأخذ شكلاً ومظهراً احتفالياً جميلاً ذات طابع روحي وزراعي ..
طقوس هذا الاحتفال كانت تقام في نهاية شهر أيار وبداية شهر حزيران حيث يتواعد آهالي الضيعة شباب وصبايا وأطفال على يوم محدد من هذا الشهر لإقامة حفل “طقس عرس المطر”افكانوا يصنعون دمية كبيرة على شكل هيئة عروس يوم زفافها ويلبوسونها اللباس الشعبي الدارج آنذاك كا لفستان الطويل والمنديل الحريري مزخرف بالوان زاهية ويسيرون بموكب كبير خلفها متجولين في كل حارات القرية وعم يصفقون ويرقصون ويغنون الأغاني والأهازيج ويطلقون الزغاريد يتبارون بها النسوة قيما بينهم يتغنون بالعروس وبعريسها المطر طالبة منه أن يمّن على الناس بالغيث والخير وكان من بين المقاطع الغنائية الجميلة الذي كانوا يرددونها فيقولون:
“هيدوا يا ربي هيدوا
نحنا المطر منريدوا
عروستنا عطشانة
الله يردا غرقانة”
وأمام كل بيت يتوقف موكب العرس قليلاً حين يقوم احد اشخاص البيت برشق العروس بطاسة ماء لتبليلها بفرح غامر مع غناء ورجاء بتحقيق هذا الأمل ..أمل هطول المطر..
وبعد أن تدور العروس على كل بيوت القرية يتوجه بعدها الى أقرب مزار حيث كانوا يطبخون ويوزع الطعام على المشاركين والحاضرين فيأكل الجميع من هذا النذر ويدعون الله بأن يتقبله ويبعث الغيث والخير والنسيم العليل ..فإذا هطل المطر يعني ذلك أن الغاية قد تحققت ..
وتكمن في هذه العادة الكثير من الرموز الروحية والنفسية والاجتماعية أولها إغناء تراثنا الشعبي الجميل وإحياء آصالته ..فرغم المظهر الذي يرافق هذا الإحتفال أو الطقس فإنه لم ياتي من فراغ ..إنه استمرارية لطقس قديم جداً يعود الى قرون مضت وانقضت الى زمن اهلنا في أوغاريت عندما كان الناس يطالبون بعل أوغاريت إله المطر بعودته من العالم الأسفل الى الحياة مجدداً ..و بعودة بعل الى الحياة يطل على الناس بوجهه الأخضر من على قمة جبل الأقرع “جبل صفون” يطلق بروقه وروعوده واعداً الناس بالمطر حيث كانت تجري الانهار والسواقي وتنتعش سيقان القمح وكل مظاهر الحياة ..
وللعلم لقد كان المشاركون في طقس المطر يضم فيه الكثير من الأطفال وربما داعواتهم أسرع استجابة من دعوات الكبار ..وكان عندما يتحقق هذا الأمر فإن الأطفال هم من كانوا يزفون العروس “الدمية “للعريس المطر ويرفعونها عالياً إليه مبتهلين بفرح عظيم ان بعم الخير والسلام على الأرض..
..عاشق أوغاريت غسان القيّم..