حسان يونس محمود
إن “صناعة الوعي” مصطلح من وضع وإنتاج “هانس ماغنوس إنتزنسبيرغر” (Hans Magnus Enzensberger)، وهو يحدد الآليات التي يتم من خلالها استنساخ العقل البشري كمنتج اجتماعي. ومن أهم هذه الآليات نجد مؤسسات وسائل الإعلام والتعليم. وحسب رأيه، فإن صناعة العقل لا تنتج أي شيء محدد، لأن نشاطها الرئيسي هو تخليد وجود نظام هيمنة الإنسان على الإنسان.
إن صناعة الوعي الإنساني هي فلسفة الصيرورة التاريخية؛ أي أن الهدف والغاية من أحداث التاريخ الكبرى والصغرى، ومفاصله ومحطاته الأساسية هو الدفع بصناعة وعي كامل، وجعل الناس قادرين على التمييز بين الوعي الصحيح والوعي الفاسد والزائف.
●-الأمة العربية ومعركة الوعي
إن التأثير الآن على وعي الشعوب والأفراد لهو الهدف الأساس الذي تسعى إليه كل الأطراف المتدخلة في تشكيل وعي المجتمع بغض النظر عن توجهاتها الإيديولوجية والفكرية والسياسية مستعملة في ذلك كافة الوسائل المشروعة وغير المشروعة الظاهرة والباطنة، هدفها في ذلك كسب المزيد من المنخرطين في دائرة الوعي المنشود لديها.
إذن فالوعي فعل تاريخي خضع لصيرورة طويلة منذ حاول الإنسان استيعاب ما حوله من ظواهر وتفسيرها، والأمة العربية الآن أحوج ما تكون إلى صنع وبناء وعي أصيل يعيد لها ريادتها بين الأمم الأخرى، ويرد لها نصاعة تقدمها وسبقها في مجالات شتى، من هنا نتساءل: ما هي القضايا التي تحتاج من علماء ومثقفي الأمة العربية أن يرفعوا منسوب الوعي حولها؟ وكيف تستعيد الأمة العربية بريق وعيها المنشود؟ وأي وعي نريد لأمتنا ومجتمعاتنا العربية؟ وهل غاب وعينا أم غُيِّب؟
إن من واجب المثقفين العرب أن يعملوا على إمداد الوعي الجماعي بما يملكونه من إمكانات ومواهب؛ إذ أن صناعة الوعي لا تأتي إلا بالاستفادة الكاملة من جميع الطاقات والكفاءات، والبحث عنها واستثمارها في جذب الناس إلى الفكر الأصيل والثقافة الواعية والكتاب الهادف والمعلم الأمين، من هنا يبرز دور الرجوع إلى عروبتنا وشخصياتنا التاريخية المؤثرة كي نعود معها إلى النبع الصافي والمنهل الخالد لإمدادنا بكل مقومات النهوض والرفع من مستوى وعينا الأصيل.
يبدو من خلال إشارات الإحصائيات والرتب التي حصّلتها أمتنا الآن بين نظيراتها من الأمم الأخرى أن وعيها قد تعرض لموجات خطيرة من التشويه وتعرض لهزات كثيرة ما زال صدى ارتجاجها يتردد إلى الآن، وعلى المستوى السياسي فالأنظمة التي توالت على حكم الأقطار العربية وتسيير شؤونها الصغيرة والكبيرة ، قد ساهمت بقسط وافر في هذا التشويه والدفع ببعض المثقفين طوعا أو كرها إلى الانخراط في سلسلة الهجمات المنظمة لجعل العرب الحلقة الأضعف.
والآن وفي عصر الإعلام العابر للزمان والمكان وفي عهد الصورة والسرعة في نشر المعلومة والخبر، كم صمد وعينا اتجاه ما نراه وكم سيصمد في المستقبل؟
بدون شك أن وعينا الجامع لن يندثر من الدنيا وسيبقى له مدافعون ومجددون، إلا أن هذا لا يخفي التخوف من هول التحولات التي طرأت عليه بظهور مواقع التواصل الاجتماعي وخصوصا تلك التي تقاد من قبل العدو ، والقنوات المغرضة والمسيسة ،وبذلك نشأت لدينا “نخبة مزيفة”من الافراد ونشأت قاعدة وضع الرجل غير المناسب في المكان غير المناسب، فكلما أعجبنا بشخص لحسن صوته وبلاغة أسلوبه وتأثيره في المجتمع جعلناه في موقع. يكون فيه المنظر والمفكر والفيلسوف .
أي وعي لأية نخب؟
لا شك أن طرق تحصين وعينا من هذه الموجات القوية موجودة وحاضرة في أذهان القلة القليلة من نخبنا ومثقفينا باختلاف مشاربهم وتلاوينهم، أبرزها عدم تجاهل أي فكر وعدم إقصائه بدعوى عدم ملاءمته لنا، بل يجب أن يدرس ويفهم ويناقش بعيدا عن إي إقصاء أو تجاهل، ولأن من نتائج التجاهل أو الإقصاء هو التطرف والانتقام والتخلص من الفكر المخالف، من هنا يبرز دور “النخب” في تطوير وعي الأمة بشتى اتجاهاته ومساراته، إذ لا يخفى أهمية هذا الدور وحساسيته في التأثير على العامة وجر الأغلبية المؤثرة لصياغة فكر غالب على الشارع وفي المنتديات الشعبية والتسلل إلى قلب الأسر عبر البرامج الإعلامية الرديئة والمنحلة التي تهدم أكثر مما تبني.
أي وعي نريد لأمتنا العربية؟
لا شك أن الأمة العربية أدت ضريبة قاسية ولا تزال تؤدي جراء عدم وعيها بقضاياها المحورية والمحددة لنقط قوتها وضعفها، وما تعرضت له من استعمار مسلح وغير مسلح واستغلال لثرواتها يبقى قويا وصادما أدى لضرب أسس الوعي والقضاء على “النخب الواعية” بمقومات أمتنا العربية، بتغييبها أو إغرائها أو تجاهلها إذ تعتبر هذه العناصر أساليب قد اعتمدت لضرب وعينا قصدا وتحكما واستبدادا، فقد اعتمد النظام الليبرالي مثلا القوة الناعمة أو القمع اللطيف والغير المحسوس لتشكيل وعي هجين يضع السم في العسل لقاعدة هامة غير محصنة فكريا وعقائديا ضد هذه الهجمات المنظمة الخطيرة.