إبراهيم الديب/ مصر
عندما بدأت القراءة كنت لا أقرأ القصص والروايات لأنى كنت أعتبرها مضيعة للوقت، وكان ذلك بتأثير من عباس العقاد الذى كانت أكثر قراءته فلسفة ومنطق ودراسات في الفكر وعلم ونقد أدبى الذى هو أقرب للفلسفة لما بداخله من تنظير…كان العقاد معجبا بأرسطو وأفلاطون ويفضلهم على سائر فلاسفة اليونان.
ولم يخف إعجابه بفلاسفة الشرق الإسلامي، بابن سينا وابن رشد أما أكثر من نال إعجاب العقاد فهو” الإمام أبو حامد الغزالي” وكتب عن جميعهم كتبا ودراسات…. فاتجهت بإيحاء وتأثير خفي من العقاد لقراءة الفكر والفلسفة والمنطق وعلم النفس وكتب التنظير الأدبي وكانت رحلات رائعة وعميقة فى حدائق المعرفة، من عيارها الثقيل الذى يبني عقلا ويكون فكرا و رأيا
ولكنى عندما بدأت الكتابة كنت في حيرة وجلست مع نفسي، وكان ذلك في بداياتي الأولى وأنا صغير هل أكتب مثل أرسطو أو أفلاطون أو الإمام الغزالي كنت أتمنى حالما وواهما أن أصبح مثل أحدهم ولم لا من وجهة نظري ؟ فأنا قرأت كتبهم بإيحاء من العقاد ولكنى أعجبت في حداثة سنى أكثر بالإمام أبو حامد الغزالي لأنه انتصر على الفلاسفة وحاكمهم ذهنيا وعلى أرض الواقع بعد أن هوى بمعوله القوى البناء الفلسفي حتى بدا أكثرها هشاشة وضعفها ، بداخل النسق الفكري والثقافي لبلدان العالم الإسلامي بعد كتابه “تهافت الفلاسفة, فأصبح للغزالي بكل ما سبق ذكره الأولوية ، والحق المعنوي على نفسي بأن أقلده دون غيره. كنت أفكر بهذه السذاجة والطفولة الفكرية المختزلة للثقافة من وجهة نظري البسيطة العفوية ،ولكني كنت صادقا مع نفسى حينها.
وبعد فترة ليست قصيرة من الوقت قرأت من باب التسلية كتابات وجدتها تعبر عن النفس الإنسانية بصورة أعمق وأوضح قبل أن تغوص في أغوارها كاشفة كل تعقيداتها والوقوف على أسرار دوافعها هذه الكتابات كان أغلبها أدبي: روايات و قصص ودواوين شعر، لأكتشف أننى أخطأت بتجاهلها في بداية رحلتي مع القراءة، بسبب تعبيرها أكثر عن الإنسان ، و تغوص في أعماقه حتى الشفقة عليه ، ولا تترك خلقا أو غريزة أو سلوكا بشريا إلا وألقت عليه الضوء.
فقد عرفت نفسي بهذه النوعية من الكتابة وقرأتها جيدا كما لم أعرفها من قبل بكل حيرتها و قلقها النفسي والفكري بداخل كتاباتهم .
وعرفت دوستويفسكي وروسو وجوته وتشارلز ديكنز وهرمان هسه وتوماس مان… وكل ما وقعت عليه عيني من إبداع روائي تأكدت بعدها أننى كنت مخطئا في نظرتي للكتب الأدبية وظلمت كتاب الرواية والقصة بيني وبين نفسي، واعتذرت لهم بقراءة ما أستطيع من ابداعهم، وبدأت بالتعويض بقراءة المزيد واعتذرت لنفسي ولمبدعي الأدب لرفضي قراءة كتبهم واقبالي فقط على الفكر والفلسفة والدراسات التاريخية.
ثم جلست مع نفسي لأقارن بين الجميع ،وما خلصت إليه أن كل كاتب من هؤلاء العباقرة الأفذاذ عبارة عن أسلوب منطلق من ذاته، صحيح أن تراث الكتابة الأدبية ضخم ويغري على التقليد ولا يستطيع كاتب مهما أوتى من العبقرية أن يبدأ من فراغ ولكن من ترك بصمة وظل أدبه خالدا وكتابته لم يطلها النسيان هو من انطلق من ذاته .
ثم عندما بدأت بالكتابة منطلقا من ذاتي ،حتى تمثلني كتاباتي وتكون جزءا من نفسي حتى وإن كانت فضفضة وهذيانا نفسيا مثل الذى تقرأونه الآن..