من دراسة تساؤلات حول الحوار (ماهيته ، غاياته، أدواته، الحاضرين له وكيفية تمثيل السوريين، نزيف الدم والحوار المأمول …. ) الجزء الثاني
"كناطح صخره يوما ليوهنها ===== فلم يهنها وأوهن قرنه الوعل"
الحكمة التي استخلصها من سوريا مايلز كوبلاند (مؤلف كتاب لعبة الأمم)
بعد أن أنهينا في الجزء الأول تساؤلاتنا التمهيدية التي لم ينتبه لها أي ممن ذكروا في الجزء الأول لانشغالهم إما بالتطورات على الأرض وبالظرف الدولي – الإقليمي، أو بالمصالح الآنية والمستقبلية ، أو للبحث عن طريقة اتصال مع "مناضل الخصخصة " عبد الله الدردري الذي يستعد لمهمته الأممية في ترتيب الأوراق الدولية والإقليمية والمحلية لتطبيق نظرية "شركاء يتقاسمون الخراب" فيكونوا "البناؤون الجدد" أو وكلاء لهم.
انشغال البعض في تقاسم المنفى كسلطة أعمى بصيرته عن عنوان الكتاب الجديد لـ اليهودي الامريكي "اليوت ابرامز" “Tested by Zion” عن "الشبيح الحقيقي" بوش الابن مدلل أمه وأبيه الذي تعلم التشبيح في شوارع أمريكا قبل أن ينتقل إلى "التدبيح المقدس" عبر العالم بسيوف أمراء النفط العربي، تمهيدا لقدوم المنقذ " المسلم الأسود " كما يحلو للبعض أن يسميه، أو “Freedom Rider” تيمنا بالبطلة الخارقة في لعبة الفيديو “Tomb Rider”والتي تدور حول مغامرات باحثة آثار بريطانية الجنسية.
"الآثار : اللعبة الصهيونية": يالمصادفة؟!! والتي يستعيض عنها العرب بعبارة الذهول التي ترافق كل كذباتهم عن اعتناق الإسلام من قبل عالم ما أو مفكر ما أو حتى لاعب هوكي، مبررين عظمة ذهولهم بنطق الشهادتين بينما هم "يتكافرون" فيما بينهم منذ قرون طويلة مضت والى قرون طويلة أخرى.
في خضم كل هذا نتابع تساؤلاتنا أمانة للتاريخ ونافذة للتنهد بصوت عالي على وطن أوصلته أزمتنا الأخلاقية إلى ما هو عليه الآن.
– هل الحوار غاية؟!!.
1- هل الحوار غاية دولية:
هل الحوار غاية تبرره كل الوسائل والأدوات التي تستخدمها الدول الكبرى في لعبة الأمم؟،
أم هل هو حوار الكبار عن طرائق الانتقال من حالة الأمم إلى نظام الشركات العابرة لكل حدود ؟.
من هم الكبار،؟ وما دور كل منهم في اللعبة الدولية – الفرع السوري ؟.
هل هم جميعا مستعدون لإلقاء كل ثقلهم في النزاع فيما بينهم على الأرض السورية؟.
ألا يوجد بينهم "عقلاء" يخرجون فيقولون كفانا نزاعا تعالوا نقتسم الكعكة السورية وأية كعكة إنها بحجم كل كعكات هذا الشرق المتهرئ الناطق بالعربية.
هل القضية كلها -قبل الحوار وبعده- أن العرب أيقنوا لعبة الأمم في "سَكَرات حُجراتهم " فأخرجتهم الأزمات المالية المتوالية للغرب إلى هذه اللعبة بواقع تأخر زمني يقارب القرن من الزمن (الأمر مبرر منطقيا لما هم عليه أصلا من جهالة و"جعجعات" دون طحين)، أم هو تأثر متأخر بما حدث في جمهوريات الموز في أمريكا اللاتينية في الثمانينات؟ ، أم تأثر متأخر بثورات تقاسم تركات "المطرقة والمنجل" في الجمهوريات السوفيتية السابقة في أواسط التسعينيات؟ أم هو فرز جديد كما حصل في أوربا التسعينات بين دول متحررة تحكمها عروش ملكية ودولة متحررة من الأنظمة الشمولية؟.
ترى ، هل الحوار غاية تبرره كل المناكفات الامريكو أوربية من جهة ، والروس- صينية من جهة لتقاسم الغاز وطرق نقله، والنفط واستخراج ما بقي منه، والاتصالات واستثماراتها ،؟ والكتل البشرية التي نجحت تجارب التحكم بهم بكل سلاسة وسهولة ؟،…..
أم الحوار غاية دولية لتعمية العين عن تطوير إيران لمنظومتها النووية والتسليم بأنها ليست شرطي الخليج فقط، بل المنطقة بتوازن رعب وردع مع الكيان الصهيوني ؟،
أم الحوار غاية دولية لتقوية تركيا الجبهة المتقدمة للمشروع الأمريكي ضد روسيا وإيران من بوابة الباب العالي والسلطان العثماني في كل من سوريا والعراق؟، …
أم الحوار غاية دولية لفرض الأرض السورية ساحة نزاع أمريكية روسية بدلا عن الجمهوريات الإسلامية في الاتحاد الروسي،؟…
أم الحوار غايته كل الغاية في التمهيد لانتقال "الشرق الأوسط" إلى مستعبد لنظام عالمي شمولي تحكمه أباطرة اتصالات سلكية ولاسلكية، سماوية وأرضية، دينية ودنيوية، شركات عابرة للعقول وللقارات بكل أصناف الخدمات؟.
هل الحوار غاية لإحداث الانفجار الكبير بحرب لا أحد يعلم إلى ما تفضيه من قوانين جديدة للمجتمع الدولي وإلى أية توازنات إقليمية جديدة؟، أهي على قواعد الصراع والمنافسة، أو قواعد التشابك والتكامل ؟
2-هل الحوار غاية إقليمية:
هل الحوار غاية للدول الحالمة بدور كبير على الأرض السورية، ؟ بتوريث أمرائها بعضا من التراب السوري كما فعل "الشريف حسين"، ؟
أم مدّ وامتداد لمذهب للملك فيصل ومن قبله عبد العزيز آل سعود كما جاءته النصيحة البريطانية يومها بخصوص (الجهاد ، و العمالة وتعليمها لتكن سندا ومدا وامتدادا للمملكة حين عودتها إلى موطنها الأصلي في مصر والشام والعراق).
أم أن ما يحصل الآن على الأرض السورية هو " نتاج حوار انتهى " بين "أذكياء العالم" حول ضرورة الالتفاف على المسلمين بالمسلمين وراية الجهاد براية جهاد أخرى مستفيدين من تجربة تشرشل وضربته الاستباقية ضد تركيا في الحربين العالميتين الأولى والثانية فكان الجهاد على الباب العالي بديلا من إعلان الباب العالي ذلك ضد الحلفاء؟
فيضمن بذلك أمن واستقرار وسكينة أبناء شارون (نصف المخصي في حرب 1973) قبل أن ينهي سباته ويحنط ريثما يُطهر جسده النجس بمياه النيل والفرات؟
أم أن الحوار غاية لسوريا قوية ولعراق قوي يعيدان سطوة التاريخ والجغرافيا على العالم كله،؟ وهل هذا حلم بعيد المنال؟
وغايات وغايات ، بعضها ندركه وبعضها مبهمة أو منسية ، ولكن في جميعها
هل تبرر كل أنواع التدخل بالشأن السوري سلاحا ومالا وإعلاما، مؤتمرات وتصريحات ، حظرا اقتصاديا، وانفتاحا في فتاوي التكفير والجهاد على الأراضي السورية؟.
عواصف الفتاوى المضرجة بالدماء لم تشهدها الدول ذات الغالبية السكانية المسلمة لا في أواخر الستينات ولا في أوائل السبعينات ، واقتصر تحرير لبنان وحروب غزة والإساءة للرسول الكريم بمظاهرة هناك ومظاهرة هناك.
هل الحوار غاية لوأد "قلب العروبة النابض" في رمال "الصراع الشيعي السني القاتل" حيث يتحول الصراع من إطاره المشهدي إلى إطاره المخزي بإنجاز الأعراب كل عوامل الضعف في سوريا تمهيدا لتقاسم تركاتهم جميعا النفطية والبشرية بين الفرس والعثمان واليهود إقليميا والغرب والشرق دوليا؟.
3-هل الحوار غاية عربية؟:
ومتى كان للعرب هدف واحد موحد وقرار واحد متفق عليه ، موروثهم الثقافي قبلي لم يتحضر، وموروثهم الديني متشظي وغير متفق عليه، هناك مؤسسة واحدة يجلسون فيها على طاولة مستديرة اسمها الجامعة العربية، ما هي هذه الجامعة تاريخيا ، ما أسباب نشوئها، وما التيارات التي تتصارع فيها؟
متى حضرها زعيم لا يخاف اغتيالا أو اختطافا أو تهميشا ؟.
هل نترحم على الملك فؤاد أم على مصطفى النحاس أم نرميهم بالسباب والشتائم؟.
هل كانت الجامعة العربية قوة عظيمة حين حكم جمال عبد الناصر مصر كأقوى زعيم ناطق بالعربية، والملك فيصل بن سعود كأقوى ملك ناطق بالعربية قبل ثورة اليمن وبعد نكسة حزيران؟،
أم حين حضر البعث وتصارع فيها قبيل حرب تشرين وبعدها؟،
أم حين اتفق بعض أعضاؤها سرا لإقناع ياسر عرفات بجنوب لبنان وطننا بديلا ؟، ثم إقناع محمود عباس بإلغاء حق العودة من المباحثات النهائية؟ ، أو حين خرج فاروق القدومي في الجزائر يشتكي من أن سوريا تمنعهم من توقيع حضور مؤتمر سلام يسمح لهم بإشهار "سلطتهم الذاتية" بعد أن كان الاتفاق على ذلك قد أنهى كل التفاصيل عبر وسطاء من أعضاء الجامعة ذاتها.
هل كانت الجامعة العربية قوة بعيد انجاز أول تحرير لأرض عربية من الكيان الصهيوني في بداية الألفية الثالثة، وأقصد جنوب لبنان؟
رأينا قوتها في احتلال العراق وتقسيم السودان واحتلال ليبيا ، وتنظيم دول الخليج لكأس العالم للأندية وبطولة القارات والفوز بتنظيم "مونديال العالم" في عام لا ندري فيه إن كان سيبقى هناك علم عربي يرفرف فوق سماء قصر لحاكم ناطق بالعربية كل هذا ومظفر النواب قد تصبح عظامه مكاحل وقد بُح به صدى الصوت " القدس عروس عروبتكم….".
هل الحوار غاية سورية:
هل الحوار غاية تبرر وصولنا في كل الغايات الدولية – الإقليمية – العربية إلى درك الورقة بديلا عن اللاعب ؟وأوجه سؤالي هنا إلى منظري ما يسمى "ثورة" ومريديهم ، والى مفكري ما يسمى "المعارضة العلمانية " ومريديهم ، والى صقور الفساد في الدولة (النظام) ومريديهم.
هل الحوار غاية يبرر كل وسائل تحقيق السكينة بالقوة الأمنية ثم المحافظة على كيان الدولة ونظامها السياسي بالجيش والقوات المسلحة؟ أم الحوار غاية يبرر كل وسائل تطبيق الفوضى ونشر الذعر وقطع أوصال الوطن وحظر التنقل بعض أطياف الفسيفساء السورية خارج مناطقهم ؟ ..
ما هي المادة اللاصقة الجديدة التي قد تعيد الفسيفساء السورية (النعمة – النقمة) إلى تجمعها على تراب الوطن وتحت سقفه؟
هل الحوار غاية تبررها وسائل السطوة والنهب ، التدمير والتخريب، السرقة والاستعلاء ، التشبيح (بالمعنى الذي يتفق عليه كل سوري) والتدبيح (بالمعنى الذي يتفق عليه كل سوري)، التشظي والشرذمة ،أم هو غاية لتحقيق دولة القانون والمحاسبة ، نظام البناء والإصلاح ، هيئات المراقبة والمتابعة ، مجتمع التلاقي والتشبيك ؟.
هل الحوار غاية لتبرير غايات الصلح مع الكيان الصهيوني من بوابة الكنتونات الدينية العرقية ، أو استمرار الممانعة بإقناع كل الأطياف أن ليس لهم إلا أن يرضوا بهذا الخيار عبر طبخة مسبقة من الأحزاب السياسية وعبر مؤسسة وحيدة جامعة هي الجيش العربي السوري؟
هل الحوار غاية يبرر دوران طواحين الهواء السياسية واستخدام كامل أدوات المماحكة والمناورة والحيلة من بعض المحللين المواليين للسلطة ولنهجها السياسي أو من المعارضين للسلطة ولنهجها السياسي بعيدا عن أي رؤى واضحة وحقيقية، ثابتة ومتينة، ناهضة ومحفزة لطبيعة النظام السياسي القادم أو لطبيعة الإصلاحات المتطلبة لذلك في النظام القائم ثقافيا اجتماعيا اقتصاديا قبل أن نبحر في هلوسات السياسة البعيدة جدا عن أي تصور للقواعد الناظمة للعلاقة بين الدولة والمجتمع؟
هل الحوار غاية تبرره كل وسائل التسلح والتسليح والتدمير الممنهج لكل ما كانت تملكه سوريا من صناعة تسعى نحو العالمية وسياحة تحتاج للتطور الممنهج ، و بنى تحتية للطاقة والاعمار والخدمات ، وجيش عقائدي يمتلك القوى الصاروخية الضاربة ونظرية المعركة القريبة فيحفظ بها توازن الردع مع العدو الذي يفترض أنه العدو الأوحد لكل سوري ثقافيا حضاريا قبل أن يرتبط ذلك بالحالة الوطنية العقائدية؟.
هل الحوار غاية تبرره كل وسائل إعطاء الدروس والعبر للتكاتف الوطني والعودة إلى الاستقرار في حالة الـ لا- محاكمة لأي فاسد في الدولة أو في المجتمع ، الصفح عن كل من استغل منصبا إداريا أو سياسيا أو موقعا دينيا أو منطقيا .
ختاما لهذا الجزء:
هل يتضح من تساؤلاتنا الدولية الإقليمية العربية الوطنية أن الحوار القادم أو القائم أو المنجز يفضي إلى وقف نزيف الدم أو أنه الشرط اللازم أو الكافي أو اللازم والكافي لوقف نزيف الدم؟