نفحات القلم
معينة جرعة – منيرة احمد
المعارضات الشعرية نشأتها وتصنيفها محاضرة قدمها الأستاذ علي إبراهيم مدرس لغة عربية في مركز ثقافي عين الشرقية وسط حضور مميز من المهتمين .
المعارضة في اللغة هي مصدر للفعل المزيد عارض الذي هو على وزن فاعل وتفيد صيغته المشاركة وهي نسبة معنى الحدث إلى الفاعل على المفعول أي اشتراكهما في العمل ، واقتسامهما الفاعلية والمفعولية، نحو عارض فلاٌنٌ فلاناً ناقضه في كلامه وقاومه، وعارضه باراهُ ، فالنقائض مفردها نقيضه والنقيصة قصيدة يرد بها شاعر على خصمه الشعري بقصيدة تماثلها وزناً وقافية وموضوعاً فيقلب مديح خصمه هجاءً، وفخراً بنفسه وقومه،ومن أهم شعرائها ثلاثة : الفرزدق وجرير والأخطل.
وقد كان لهذا الفن شان كبير في ذلك العصر، حيث ملأ فراغاً اجتماعياً جمع الناس إليه وشغلهم وآنسهم زمناً طويلاً.
أما المعارضة فهي أن يُجيب شاعر بقصيدة شاعر سبقه من كبار الشعراء ومشاهيرهم فينظم قصيدة على وزنها وقافيتها وقد يكون الموضوع مختلفاً أو متشابهاً بغرض المباراة وتكريس فكرة جيدة. وإذا ما أوغلنا في نسب هذه المعارضات فإننا سنصل إلى المعلقات التي كانت العربُ تفاخر بها الأمم الأخرى، وقد كتبوها بماء الذهب وعلقوها على جدار الكعبة مما يدل على مكانتها السامية في حياتهم ونفوسهم، وقد عدوها معياراً للشعر الجميل ، وحذوا حذو شعرائها.
وقد نشأت المعارضة في عصر النهضة بعد ما أصاب الأدب العربي وفنونه ما أصابها من ضروب الضعف والانحطاط بسبب محاربته واعتباره بضاعة كاسدةً، والحكام والسلاطين الذين تحولوا عنه ومن مبدعين منصرفين إلى تفاهات الأمر وسخافاتها من لهو وكنز للأموال وتحصيل الضرائب وسوى ذلك إضافة إلى ما تعرض له وطننا العربي من شتى صنوف الغزو بدءاً بالمغول وانتهاءً بالأتراك.
تابع الأستاذ علي قائلا: يمكننا تصنيف المعارضات حسب أهداف مبدعها، فمنهم من عارض لاستعادة فخامة الشعر العربي ونصاعة لغته كمحمود سامي البارودي في هذه الأبيات التي عارض فيها شاعرين كبيرين هما المتنبي والكميت من بائيتين فريدتين قائلاً:
سواي بتحنان الأغاريد يطربُ وغيري باللذات يلهو ويعجب
وما أنا من تأسر الخرمُ..كبّهُ ويملك سمعيه الهراع المثقَّبُ
مطلع قصيدة الكميت :
طربت وما شوقاً إلى البيض أطربُ ولا لعباً مني وذو الشيب يلعبُ؟
مطلع قصيدة المتنبي :
لأي صروف الدهر فيه نعاتبُ وأي رزاياه بوتر نطالبُ
ومن الشعراء من عارض نقداً للواقع الاجتماعي ومعاناة الإنسان فيه من بعض الأزمات كأزمة النقل التي حلّت ببلدنا في القرن الماضي مما جعل الروائي والصحافي الكبير يوسف المحمود ينظم هذه القصيدة الساخرة مصوراً واقع الازدحام في حافلة لنقل الركاب، معارضاً الملك في إدراكه لثأر أبيه بعد أن خذله قومه.
بكى صاحبي لمّا رأى الدرب دون وأيقن أنا لاحقان بقيصرا
فقلت له: لا تبك عينك إنما نحاول مُلكاً أو نموت فنُغدرا
وختم الأستاذ علي إبراهيم محاضرته :
أخر ما وصلنا من المعارضات الجميلة والرائعة وقرأناه معارضة الشاعر السوري المبدع عوض فلاحة لبائية الشاعر الكبير بدوي الجيل الشهيرة التي أهداها لحفيده ( محمد) من مغتربه ومطلعها:
سلي الجمر هل غالى وجنّ وعذَّبا كفرت به حتى يشوق ويعذبا
دياري وأهلي بارك الله فيهما ورد الرياح الهوج أحنى من الصَّبا
وقد نالت هذه القصيدة إعجاب الشاعر الجولاني السوري عوض فلاحة فعارضها بقصيدةٍ تماثلها:
خيال جلالي الربع حين تسرَّبا وأدنى لعينيّ الديار وقرّبا
وجال فغاض الشوق حتى كأنه لوحٌ من المزن السخيِّ تصبّبا
وحيّا فأحيا القلب فيضٌ من المنى وهز بأوتار القلوب فطرّبا