لن يسهم خط أنابيب الصداقة لنقل الغاز في تخفيض تكاليف إنتاج الطاقة الكهربائية في الدول الأعضاء فحسب بل سيتحول إلى مصدر كبير للدخل جراء رسوم الترانزيت التي ستتقاضها هذه الدول لقاء مرور خط الأنابيب على أراضيها.
في الخامس و العشرين من تموز الماضي وقع وزراء النفط لكل من إيران، العراق و سوريا اتفاقية لنقل الغاز الإيراني إلى أوروبا عبر كل من العراق و سوريا و لبنان. و تم الاتفاق على المبادئ الأساسية لهذا المشروع الثلاثي بين وزيري النفط الإيراني و العراقي في الحادي عشر من مارس آذار الماضي. كما تم ارسال الاتفاقية إلى الجانب السوري من أجل إعلان الموافقة. و تبلغ كلفة هذا المشروع حوالي 10 مليار دولار.
و يتم تأمين تكاليف خط أنابيب تصدير الغاز الإيراني إلى أوروبا عبر العراق و سوريا، على طريقة بي. او. او. ومن المتوقع أن يبدأ استثمار خط الأنابيب هذا من قبل الدول الثلاث في الفترة ما بين العام 2013 و 2014.
و عليه فإن خط الأنابيب هذا و الذي يبلغ قطره 56 إينش و طوله حوالي 4900 كيلومتر، سيقوم بنقل الغاز الإيراني عن طريق العراق و سوريا و البحر المتوسط إلى اليونان و إيطاليا و بقية الدول الأوروبية.
و ينص الاتفاق الأساسي لهذا المشروع على إنشاء خط أنابيب بطول 1500 كيلومتر مع طاقة ضخ تصل إلى 110 مليون متر مكعب في اليوم و بتكلفة 10 مليارات دولار و يتم من خلاله نقل الغاز من ميناء عسلوية الإيراني عبر الأراضي العراقية ليصل دمشق.
المشروع في الوقت الراهن متوقف عند مرحلة المشاورات من أجل تعيين المسير و الأعمال الاستثمارية المتعلقة به، حيث تقضي الاتفاق بأن يسمح العراق و سوريا لإيران بعبور الغاز الإيراني عبر أراضيهم و في المقابل يقوم البلدان بتأمين احتياجاتهم من الغاز عن طريق هذا الأنبوب.
و قد أعلن المتحدث باسم وزارة النفط الإيرانية بأن معدل طلب العراق من الغاز يبلغ حوالي 30 مليون متر مكعب في المرحلة الأولى، و صرح بأنه وفقاً للبرنامج المعد مسبقاً فإن المرحلة الأولى من أنبوب غاز الصداقة ستصل إلى بغداد وسيبدأ الضخ في أواسط الصيف القادم.
إضافة إلى الطلب العراقي على الغاز، يبلغ معدل الطلب السوري على الغاز الإيراني حوالي 25 إلى 30 مليون متر مكعب يومياً، إلا أن تعيين مسير خط الأنابيب من بغداد إلى الحدود السورية و من الحدود السورية و حتى أماكن الاستفادة منه، لم يكتمل بعد. ولذلك لا يمكن التحدث عن طاقة الخط الاستيعابية بشكل قطعي. وبالتالي فإن خط أنابيب "الصداقة" سيكون لديه القدرة على زيادة طاقته التصديرية ليفوق معدل الطلب في البلدان المستهلكة و لكن طاقته الاستيعابية النهائية ينبغي تحديدها بعد دراسة معمقة.
و بالنظر إلى أوضاع الأقتصاد والطاقة في الدول التي تقع في مسير خط أنابيب الصداقة يمكن الاسنتناج أن إحداث خط أنابيب الغاز هذا والبالغ طوله 4900 كيلو متر لن يؤمن لهذه الدول وقوداً نظيفاً و رخيصاً فحسب، بل إنه سيعود عليها بدخل جيد نتيجة رسوم الترانزيت التي ستتقاضاها.
و نسعى فيما يلي إلى تسليط الضوء بشكل مختصر على القدرات الاقتصادية و القدرات في مجال الطاقة لكل من دول العراق، سوريا و لبنان:
أوضاع الاقتصاد و قطاع الطاقة العراقي
وفقاً للاحصاءات التي نشرتها شعبة المخابرات و الاحصاءات المركزية الأمريكية، يقدر إجمالي احتياطات العراق من الغاز الطبيعي حتى بداية كانون الثاني للعام 2012 بأكثر من 3.171 تريليون مكعب، و يقدر حجم احتياطي النفط الخام حتى بداية كانون الثاني 2012 حوالي 143.1 مليار برميل.
في العام 2010 بلغ اجمالي انتاج العراق من الكهرباء 47.4 مليار كيلوواط ساعي، و إجمالي استهلاك الكهرباء في هذا البلد حوالي 35.12 مليار كيلوواط ساعي.
وبلغت قدرة انتاج الكهرباء في العراق في العام 2012 حوالي 10.11 مليون كيلوواط في الساعة، كما استورد العراق في تلك السنة حوالي 12.28 مليار كيلوواط ساعي. ويعتمد العراق في إنتاج الكهرباء على الوقود السائل بنسبة 69 بالمئة و على محطات توليد الطاقة الكهربائية التي تعمل بالماء و الغاز بنسبة 31 بالمئة.
وقد بلغ انتاج العراق من النفط الخام في العام 2012 حوالي 3 مليون و 300 ألف برميل في اليوم كما بلغت صادرات النفط الخام في هذا البلد حوالي 2 مليون و 600 ألف برميل يومياً.
وقد وصل إنتاج العراق من الغاز الطبيعي في العام 2010 حوالي 1303 مليار متر مكعب، و قام باستهلاك المقدار نفسه. و على هذا الأساس فإن استهلاك هذا البلد من الغاز الطبيعي في العام 2011 كان حوالي 3570 مليون متر مكعب في اليوم الواحد.
وبلغ طول أنابيب النفط التي تعبر الأراضي العراقية في نهاية العام 2010 حوالي: 2447 كيلو متر لنقل الغاز الطبيعي، 5104 كيلومتر لنقل النفط، 1637 كيلومتر لنقل المشتقات النفطية و 918 كيلومتر لنقل الغاز المسال.
ووفقاً لتقديرات وزارة النفط و الغاز العراقية، فإنه من المتوقع أن يرتفع طلب هذا البلد على الغاز الطبيعي بشكل ملحوظ خلال الأعوام القادمة. كما أن العراق في صدد توسيع الاستفادة من الغاز في مشاريع الجيل الجديد من محطات توليد الطاقة، الأمر الذي سيزيد من حاجة هذا البلد إلى الغاز أكثر من السابق.
ويبلغ عدد سكان العراق حوالي 31 مليون و 129 ألف نسمة و تبلغ مساحته 438 ألف كيلومتر مربع و يقع بجوار كل من إيران و الأردن و الكويت و السعودية و سوريا و تركيا.
ويبلغ الناتج المحلي الاجمالي لهذا البلد حوالي 130.6 مليار دولار في العام 2012 و تتمتع بمعدل نمو اقتصادي يبلغ 10.2 بالمئة. و يبلغ متوسط الانتاج المحلي الاجمالي للفرد الواحد (الذي يعين على أساس القدرة الشرائية) أكثر من 4600 دولار.
ويسهم قطاع الزراعة بـ 8.7 بالمئة من الناتج المحلي الاجمالي للعراق فيما يسهم القطاع الصناعي بنسبة 63.8 بالمئة فيما يسهم قطاع الخدمات بنسبة 25.1 بالمئة.
وتشير احصاءات العام 2012 إلى أن مجموع القوى العاملة في هذا البلد يبلغ حوالي 8.9 مليون نسمة و معدل البطالة حوالي 16 بالمئة.
وفي العام 2012 بلغت ميزانية الدولة العراقية حوالي 104.4 مليار دولار و بلغت مصاريفها حوالي 98.49 مليار دولار.
وقد بلغ اجمالي الصادرات العراقية في العام 2012 حوالي 88.27 مليار دولار، و اجمالي الواردات في نفس السنة حوالي 56.89 مليار دولار، كلما بلغ مقدار الدين العام لهذا البلد حتى 31 كانون الأول من العام 2012 حوالي 50.26 مليار دولار.
أوضاع الاقتصاد و قطاع الطاقة السوري
تشير التقديرات إلى أن حجم احتياطات الغازالطبيعي المؤكدة في سوريا قد بلغت حتى بداية العام كانون الثاني من العام 2012 أكثر من 240.7 مليار متر مكعب، و أن حجم الاحتياطي المؤكد من النفط قد بلغ في هذا البلد حوالي 2.183 مليار برميل من النفط.
و قد بلغ اجمالي توليد الطاقة الكهربائية في سوريا في العام 2009 حوالي 40.86 مليار كيلوواط ساعي، فيما كان حجم الاستهلاك من الطاقة الكهربائية لهذا البلد حوالي 28.87 مليار كيلوواط ساعي.
ومن مجموع الطاقة الكهربائية المنتجة في سوريا، يتم انتاج حوالي حوالي 84.8 بالمئة عن طريق الوقود السائل و 15.2 بالمئة يتم انتاجها عن طريق محطات الطاقة الكهرومائية.
و قد بلغ انتاج سوريا من النفط الخام في العام 2011 حوالي 333 ألف و 900 برميل في اليوم الواحد.
و قد بلغ انتاج سوريا من الغاز الطبيعي في العام 2010 حوالي 8.94 مليار متر مكعب. و اضطرت سوريا في ذلك العام إلى استيراد 690 مليون متر مكعب من الغاز لتغطي استهلاكها لذلك العام و الذي بلغ حوالي 9.63 مليار متر مكعب. أي أن معدل استهلاك سوريا من الغاز في العام 2010 بلغ حوالي 26 مليون و 384 ألف متر مكعب في اليوم الواحد.
ووفقاً لتقديرات وزارة النفط و الغاز السورية، فإنه من المتوقع أن يرتفع حجم الطلب على الغاز خلال الأعوام القليلة القادمة بشكل ملحوظ. كما أن سوريا في صدد أن تعتمد في الجيل الجديد من محطات توليد الطاقة الكهربائية على الغاز الطبيعي، الأمر الذي سيزيد من حاجة هذا البلد إلى الغاز الطبيعي أكثر من السابق.
ووفقاً للاحصاءات التي تمت في تموز من العام 2012 يبلغ عدد سكان سوريا حوالي 22 مليون و 531 ألف نسمة، و تبلغ مساحة هذا البلد حوالي 185 ألف كيلومر مربع و يحدها إضافة إلى العراق كل من الأردن و الكيان الصهيوني و لبنان و تركيا.
وقد بلغ الدخل المحلي الاجمالي للعام 2011 حوالي 64.7 مليار في العام 2011 و سجلت سوريا معدل نمو اقتصادي بمقدار ناقص 2.3 بالمئة، كما يبلغ متوسط الدخل الاجمالي المحلي للفرد الواحد (حسب القدرة الشرائية) حوالي 5100 دولار.
ويسهم قطاع الزراعة بحوالي 18 بالمئة من الدخل الاجمالي المحلي، فيها يسهم قطاع الصناعة بنسبة 25 بالمئة و قطاع الخدمات بنسبة 57 بالمئة.
وتشير احصاءات العام 2012 أن مجموع القوى العاملة في هذا البلد تزيد على 5.54 مليون نسمة و يبلغ معدل البطالة في سوريا حوالي 18 بالمئة.
وقد بلغت ميزانية الدولة السورية في العام 2012، حوالي 6.5 بالمئة و بلغ الانفاق العام حوالي 12.68 مليار دولار.
وقد بلغ إجمالي الصادرات السورية في العام 2012 حوالي 4.981 مليار دولار، واجمالي الواردات في ذلك العام 10.01 مليار دولار وميدان الدين العام حتى 31 كانون الأول 2012 حوالي 8.818 مليار دولار.
أوضاعالاقتصاد و قطاع الطاقة اللبناني
حتى بداية كانون الثاني من العام 2012 لم يسجل في لبنان وجود أي من احتياطات النفط و الغاز.
و قد بلغ في العام 2009 اجمالي انتاج الطاقة الكهربائية في لبنان 12.98 مليار كيلوواط ساعي، فيما بلغ اجمالي الاستهلاك المحلي من الطاقة الكهربائية حوالي 12.34 مليار كيلوواط ساعي، و بلغت واردات هذا البلد من الكهرباء 1.155 مليار كيلو واط ساعي. و بلغت القدرة الاستيعابية لانتاج الطاقة الكهربائية في لبنان في العام 2009 حوالي 2.314 مليون كيلو واط في الساعة.
و لم يسجل أي استهلاك للغاز الطبيعي في لبنان حتى العام 2010، لذلك فإن معدل استهلاك لبنان من الغاز الطبيعي صفر.
من المتوقع أن يرتفع استهلاك لبنان من الغاز الطبيعي بعد إتمام مشروع خط أنابيب الصداقة و الذي سيتم من خلال نقل الغاز الإيراني إلى إوروبا عبر لبنان. كما يسعى لبنان لاستخدام الغاز في مشاريع الجيل الجديد من محطات توليد الطاقة الكهربائية. الأمر الذي سيزيد من استهلاك لبنان للغاز الطبيعي.
و قد بلغ عدد سكان لبنان حتى تموز 2012 حوالي 4 مليون و 140 ألف نسمة، و تبلغ مساحته حوالي 10400 كيلومتر مربع و يقع في جوار كل من سوريا و الكيان الصهيوني.
بلغ الانتاج الاجمالي المحلي للبنان في العام 2012 حوالي 41.77 مليار دولار، و وصل معدل النمو الاقتصادي إلى 2 بالمئة، كما بلغ متوسط الانتاج المحلي الاجمالي للفرد الواحد ( حسب القدرة الشرائية) حوالي 15900 دولار.
ويسهم قطاع الزراعة بحوالي 4.6 بالمئة من اجمالي الانتاج المحلي الاجمالي فيها يسهم قطاع الصناعة بـ 19.7 بالمئة و قطاع الخدمات بنسبة 75.8 بالمئة.
وبلغ عدد القوى العاملة في العام 2012 حوالي 1.5 مليون نسمة فيما بلغت نسبة البطالة صفر بالمئة.
وقد بلغت ميزانية الدولة اللبنانية في العام 2012 حوالي 9.37 مليار دولار فيما بلغ الانفاق العام 12.57 مليار دولار.
وقد بلغ اجمالي الصادرات اللبنانية في العام 2012 حوالي 5.655 مليار دولار، فيما بلغ اجمالي الواردات لذلك العام 20.73 مليار، فيما وصل حجم الدين العام لهذا البلد حتى 31 كانون الأول 2012 حوالي 32.64 مليار دولار.
نلاحظ مما سبق أن كلاً من البلدان الثلاثة أي العراق و سوريا و لبنان و التي يبلغ عدد سكانها مجتمعة 58 مليون نسمة و يبلغ اجمالي انتاجها المحلي 238 مليار دولار، تعاني من نقص في الغاز الطبيعي و لهذا فإن هذه الدول تعتمد بشكل أساسي في انتاجها للطاقة الكهربائية على الوقود السائل. و عليه فإن مرور خط انابيب "الصداقة" من أراضي هذه البلدان لن يسهم في تخفيض تكاليف محطات الطاقة الكهربائية و توفير الطاقة في هذه البلدان فحسب بل سيتحول إلى منبع كبير للربح جراء رسوم الترانزيت التي ستتقاضها هذه البلدان لقاء مرور خط الأنابيب على أراضيها.
الدول الأوروبية أيضاً سيكون بوسعها من خلال مشروع خط أنابيب الصداقة أن تتمع بنعمة الوصول إلى مصادر الوقود الإيرانية المستقرة والآمنة و النظيفة، و بالنتيجة سوف يقلل هذا من مخاطر تأمين مصادر مستقرة للطاقة.