آسيا يوسف
كتب الدكتور جليل البيضاني في ديوان
صرخةٌ بفمٍ مغلق قصيدة حملت عنوان الديوان واستوقفتني لعمق الصور وما تضمنته
إذ كتب : صرخةٌ بفمٍ مغلق
و أنا أصرخُ بفمٍ مغلق
من يسمع صوتي ؟
فلستُ أنا
من أفتى بجهاد النسوة
في الليل نكاحاً و بغاء
و لستُ أنا
من يقتل آلاف الأطفال بصنعاء
ولست أنا
من غيّر تاريخَ الخلفاء
ولستُ أنا
من يتبع آثار العرب الجبناء
البحرُ هنا يسألني
يا هذا النائم بين خطاياك
والليل على شاطئ دجلةَ يغفو
في أحضان المارينز
أصرخُ بالشّعراء
من منكم يقفُ بأعتابي
ويكتب إن الوطنَ جريح
وإن حمائمَ أمريكا
تغفو في النخل بصوتِ فحيح
وإنّ الوطن تضاجعه أمريكا
برعاية نخّاس المنطقة الخضراء
وإن لصوصَ بلادي كالحرباء
بوجوهٍ متعددةٍ
وعمائمَ سوداء و بيضاء
و إن ثكالى سبايكر
ويتامى سبايكر
يلتحفون الوجعَ في كلّ مساء
وإن قبور بلادي تمتد على أفقِ سماء
كيف سأصرخُ بفمٍ
يملؤهُ حزن الأعوام
و طين الأرض السّبخة
و خفايا ألم الغربة و الأيام
أينَ عليٌّ ؟
يأتينا بالطهر
ويعلّمنا كيف نثور على حكم الغرباء
و كيف سنصرخ بفمٍ مغلق
حين نكونُ عراة
و الناسُ آذان صمّاء
د. جليل البيضاني
القراءة النّقديّة :
……………….
استخدم المبدع الواو في قوله :
وأنا أصرخ بفمٍ مغلق…
الواو لاستدراك ما فات والصراخ هنا بصيغة المضارع المستمر ليدلَ على ديمومة الحدث
تعبيراً عن رفضٍ ما، ولماذا بفمٍ مغلق أهو الدليل على كبت حرية التعبير …أأغلق الفم بإرادة صاحبه أم بفعل ما يحدث في بلده
ثم يتساءل الشّاعر :من يسمع صوتي ؟
وكيف للصوت أن يصل طالما صاحبه يصرخ بفمٍ أغُلقَ بإرادته أو بسلبها منه ……..
ويسترسل قائلاً
فلستُ أنا من أفتى بجهاد النسوة
فالشّاعر شاهد عصر جاءت فيه أفكار داعشية
تفتي بجهاد النكاح و هو أسوء ما أتى عن فكرٍ
يُقال عنه متدين أو متسلم فأحلَّ ما كان محرماً في عرفنا الإسلامي….
وتزداد صرخة المبدع ارتفاعاً مع كبر حجم الجريمة الإنسانية فيقول :
ولست أنا من يقتل آلاف الأطفال بصنعاء وفي هذا إشارة لأكبر جرائم العصر وهي قتل
الطفولة البريئة نتيجة لأطماع الحكام ، والجريمة الأدهى هي تزوير التاريخ اذا يقول : ولست أنا من غيّر تاريخ الخلفاء
فالصورة الشّعريّة تقدم لوحةً متكاملةً من جرائم العصر ليؤكد المبدع أن تتبع آثار الحكام
والملوك الجبناء هي حصيلة هذه الجرائم
……..
و ظاهرة التدوير الشّعريّ تؤكد ما لمّح إليه فتدور الحياة ليقفَ أمام البحر ويسأل نفسه
يا هذا النائم بين خطاياك
فهو كشاعرٍ لا يتبرئ من مسؤوليته ولا من ذنوبه وهو يوبخ ذاته العليا و يتابع قائلاً
يا هذا النائم بين خطاياك
والليل على شاطئ دجلة يغفو
في أحضان المارنيز
فكيف يستطع النوم وبلده تعاني من سطوة الاحتلال الأمريكي وكأن حلوله الفردية قد انتهت ، ولهذا شعر بانتمائه العربي وقدم لسورية ليتخذها موئلاً يحتضن حريته الشعرية و الفكرية دون أن يوبخه التاريخ فهو يحمل الوطن قضيةً في أشعاره وانتماءً في قلبه …..
ونتابع الدراسة في حلقة قادمة …