اعداد : د. سمير ميخائيل نصير
– انسان اليوم… بقدر ما يحمل عوامل بقاء عالمنا, يحمل أيضا عوامل زواله.
– من الممكن أن يقبل المنطق النتائج الكارثية والضخمة للأوبئة والجائحات التي أصابت البشرية عبر التاريخ… نظرا لخلو تلك الأزمنة من سياسات لإدارة الأزمات والكوارث البشرية الكبيرة وبساطة المعالجات الطبية الكافية واللازمة والفعالة اضافة الى الضعف الشديد في أساليب التواصل لنقل أي معلومة أو توجيه العامة لفعل مفيد.
– يعيش عالمنا اليوم كابوسا… يتضخم ويتمدد… أو ينحسر ويتقلص… بقدر تجاوب الانسان مع ما هو مطلوب أن يقوم به… والمطلوب لمجابهة هذا الكابوس الكوروني ومنذ اللحظة الأولى لإعلانه يصل الى كل فرد منا يوميا عشرات المرات عبر وسائل التواصل التي تمطر صفحاتنا بما يتوجب أن نقوم به…
– ما هو مطلوب… يجب أن نقوم به بدقة وغيرة وطنية… بيدنا سلامتنا وسلامة سوريتنا…
*- البشرية عرفت الأوبئة منذ قدم التاريخ :
– ذكرت الأوبئة منذ 1500 عام ق.م وأشير فيها الى حدوث 40 وافدة وبائية حتى بداية القرون الميلادية. وذكرت نحو 100 وافدة حتى العام 1500 ميلادي.
– قديما وحتى القرن 17 م, كان يسمى بالطاعون (بالانكليزية – Plague بالفرنسية Peste), وبدون تمييز, كل وباء في العالم القديم. وهذا المصطلح مشتق من اللاتينية (Pestis) ويعني البلاء وأيضاً غضب وعقاب السماء. وقد ذكرت الكتب الدينية المسيحية والاسلامية والبوذية والهندوسية وغيرها كثرة وجود القوارض والحشرات مع انتشار وباء الطاعون.
– منذ وباء طاعون أثينا عام 400 ق.م وحتى القرن 17, كان يتم اضطهاد لليهود في أوربا عند حدوث الوباء, على اعتبار أن اليهود يعملون في السحر والشعوذة وهم مسببو الطاعون والجائحات الأخرى وهم من أنصار الشيطان وهم المستفيدون بعد انتهاء الوباء. ومازال اليهود حتى الآن يحقدون على الكثير من المجتمعات الغربية بسبب الاضطهادات التي تمت لهم ومن هذه الدول كفرنسا وبريطانيا وسويسرا وألمانيا…
– الأوبئة أو الجائحات التي أصابت العالم وبغض النظر عن حدود ومساحات انتشارها كانت : الطاعون، الجدري، الحصبة، الانفلونزا (أنف العنزة)، السل، الجذام، الجرب، الملاريا (الرعداء)، الكوليرا (الهيضة- الزرب), التيفوس (حمى المعسكرات).
*- أهم وأكبر الأوبئة والجائحات التي أصابت البشرية عبر التاريخ :
– طاعون أثينا : ظهر في الفترة من 430 إلى 426 ق.م خلال الحرب بين بين أثينا وسبارطة حيث قتلت حمى بكتيريا التيفوئيد ربع قوات أثينا العسكرية وربع سكانها خلال 4 أعوام.
– الطاعون الأنطوني: ظهر في الفترة ما بين (165- 180) م، وهو جُدريّ انتقل إلى شبه الجزيرة الايطالية من خلال الجنود العائدين من الشرق الأدني، وتسبب في وفاة ربع المصابين به، وما يصل إلى خمسة ملايين في المجمل. وفي إندلاعه الثاني، سُمي المرض ذاته بالطاعون القبرصي (215 – 266)م، وروي عن تسببه بوفاة خمسة ألاف فرد في يومٍ واحد في روما.
طاعون جستنيان: ظهر في الفترة ما بين عامي541-532 م، وتكرر حتى العام 750م. وسمي عند اندلاعه بالطاعون الدملي، وهو وباء أصاب الإمبراطورية البيزنطية وخاصة عاصمتها القسطنطينية، وكذلك الإمبراطورية الساسانية والمدن الساحلية حول البحر الأبيض المتوسط بأكمله.
– ملاحظة : الطاعون الدملي يسمى أيضا الطاعون الدبلي أو الطاعون الدبيلي أو الطاعون العقدي أو الطاعون النزفي. وهو مرض حيواني المنشأ ينتشر أساسًا بين القوارض يحمل عدوى بكتيرية نادرة خطيرة تنتقل عن طريق البراغيث عبر بكتريا تسمى اليرسينيا الطاعونية وهي المسؤولة عن ثلاث من أكثر الأوبئة فتكا بالبشرية على مدار التاريخ.
– الطاعون الأسود: ظهر في الفترة ما بين عامي 1330- 1353م، وقُدِرَ عدد المتوفين بسببه حول العالم بحوالي 75 مليون فردًا. وليعود بعد 800 عام من الاندلاع الأول له حيث ظهر المرض مجددًا في أوروبا. انطلق المرض من آسيا ليصل لدول البحر المتوسط وغرب أوروبا عام 1348م حيث تسبب في وفاة ما يقدر بحوالي 20 إلى 30 مليون أوروبي في 6 سنوات. وكانت هذه هي الدورة الأولى لتفشي هذا الطاعون الأوروبي وقد تفشى ما يزيد عن 100 طاعون في أوروبا خلال هذه الفترة. وصار المرض يتكرر في إنكلترا بمعدل مرة كل 2 أو 3 أو 4 أو 5 سنوات وذلك خلال الفترة بين عامي 1361م إلى 1480م. ويعد طاعون لندن العظيم في عامي 1665، 1666م آخر اندلاعات هذا المرض في إنجلترا حيث تسبب في وفاة حوالي 100 ألف فردًا، بما يمثل 20% من سكان لندن.
– الوباء الثالث : بدأ في الصين عام 1855م، وانتقل إلى الهند مسببًا وفاة 10 ملايين فردا. وخلال تفشي المرض، عاصرته الولايات المتحدة الأمريكية باسم طاعون سان فرانسيسكو بين عامي 1900- 1904م.
– الأنفلونزا الأسبانية : سميت بجائحة أنفلونزا 1918- 1920م، وأصيب بها 500 مليون فرد حول العالم وصولا الى جزر المحيط الهادي والمنطقة القطبية الشمالية، وقد تسببت في وفاة ما بين 50 إلى 100 مليون فردًا. ويعتقد أن اتساعها نتج عن تحركات القوات العسكرية وتغيير الثكنات وضعُف مناعة الجنود والاجهاد وسوء التغذية للمدنيين والعسكريين واستخدام الأسلحة الكيميائية.
*- دور المستكشفين الأوروبيين في انتشار الأوبئة (الجوائح) المحلية في بقية أرجاء العالم :
حمل المستكشفون الأوروبيون معهم جوائح العالم القديم من جدري وحصبة وانفلونزا الى العوالم الجديدة… اذ لم يكن لدى السكان الأصليين أي مناعة تجاه هذه الأمراض. وتسببت المواجهات بين بين الطرفين بانتشار الجوائح ذات الآثار المهلكة والكارثية… ومن هذه الأحداث :
– ظهر الجدري بالمكسيك بين عامي 1520- 1530 م وأدى لوفاة 150 ألف فردًا. وفي البيرو بين عامي 1530 – 1540م
– في عامي 1618- 1619م، قض الجدري على 90 % من الأميركيين الأصليين بخليج ماساتشوستس.
– بين عامي 1770- 1780م، أدى الجدري لوفاة 30% من الأمريكيين الأصليين في إقليم الشمال الغربي الهاديء…
– أحدثت جائحة الجدري في أمريكا الشمالية بين عامي 1775- 1782م، وجائحة جدري السهول الكبرى بين عامي 1837- 1838م دمارًا شاملاً، وتسببتا بإجلاء السكان وهم هنود السهول.
– أيضا قضى الجدري على السكان الأصليين في استراليا، وأهلك 50% منهم في الأعوام الأولى من الاستعمار البريطاني.
– قدر عدد الضحايا من سكان هاواي نتاج أمراض الحصبة والسعال الديكي والانفلونزا خلال عامي 1848- 1849م بحوالي 40 ألف فرد من أصل 150 ألف فرد يمثلون عدد السكان الكلي.
*- استغلال الغرب لمسببات الجائحات في حروبه :
– في القرن 19 وفي ولاية ماساشوستس بأمريكا كان يتم تقديم الهدايا لزعماء الهنود الحمر. وكانت الهدايا تتضمن أقمشة وأغطية وملابس استعملها مرضى الجدري, فانتشر الوباء وتوفى عدد كبير من الهنود ليتم الاستيلاء على أراضيهم لاحقا.
– أرسلت دفعة من القماش من لندن عام 1664 إلى مناطق عديدة بأمريكا لنشر الجدري, وكانت الأقمشة ملوثة بفعل استخدامها من طرف مرضى الجدري.
– استخدمت الجراثيم وبقية الميكروبات لنشر الأوبئة في الحروب الأوربية والحرب الأهلية الأمريكية. كانت الولايات المتحدة أول من أدخل السلاح البيولوجي في نظريتها العسكرية واستخدمته في الحرب الكورية في الشهر 10 من العام 1950 لتستخدم الى اليوم هذه الأسلحة الفتاكة من جرثومية الى كيميائية في كل حروبها.
*- أصدقائي… ساعات السماح بالتجول لا تعني بالمطلق أن نحيا وكأن كابوس الكورونا قد انزوى وفي اجازة… لتكن حركتنا بحجم حاجتنا…