نعمه العبادي
غادرنا عالمنا المفكر وعالم السوسيولوجيا الابرز آلان تورين عن 97 سنة.
تورين المولود عام 1925 في فرنسا، والحاصل على الدكتوراه عام 1955، نظر الى السوسيولوجيا بوصفها اداة لتغيير العالم، فقد انتصرت فلسفته الى الفعل مقابل النسق، حيث سيطرت النظريات النسقية التي وصفت المجتمع بكونه نسقا منتظما تتحرك كل مكوناته في اطار تراتبية وظيفية، ثم اعقب ذلك نزوعا مفرطا نحو اهمية الفعل ومكانته في الحراك الاجتماعي، فجاء تورين ليقول بأولوية الفعل المرتبط بشرط النسق.
قدم تورين منتجا معرفيا متميزا في دراسة الحركات الاجتماعية، ونظر للسوسيولوجيا بوصفها وعيا لميكانزمات التسلط والقهر، ومنهجا لكيفية السبيل الى التمرد عليها والخروج من اسرها.
سعت السوسيولوجيا مع تورين إلى الانتصار للفعل بدلا من الانتصار لما يسمى بالنسق، إلا ان الفعل في نظر تورين مقيدا بنسقه الذي يتحرك من خلاله، فهو لم يسقط وظيفية عناصر المجتمع، ولم يجعل هذا النسق حاكما ومهيمنا على عناصر المشهد ومجردا لفاعليتها، بل، استعاد مكانة الفاعل وتأثيره وقدرته على التغيير، لكن في ظل شروط محددة للبيئة التي يتحرك فيها.
يمزج تورين بين الالتزام العلمي والالتزام الأخلاقي في سوسيولوجيته من خلال منهجية التدخل السوسيولوجي التي تجمع بين الملاحظة بالمشاركة والمنهج التاريخي بهدف إحداث تلك المسافة الضرورية بين الباحث وموضوعه، حيث يمكن اعتبار هذه الطريقة تصورا جديدا لحرفة عالم الاجتماع من أجل تجاوز أدوار الاستكشاف فقط والتحليل الموضوعي للعالم الاجتماعي عبر الانخراط في تغييره، مستلهما بذلك كل المعارف العلمية في مساعدة الحركات الاجتماعية على صياغة وعيها برهاناتها وخصومها ومشروعها التاريخي الذي تحمله للمجتمع شريطة ألا يسعى عالم الاجتماع إلى فرض نفسه على الجماعة.
يدافع تورين عن فكرة مهمة، وهي ألا يصبح الفرد قطعة شطرنج يتم التلاعب بها من طرف النظم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية؛ أي ألا يكون الفرد مستعبدا أو داخل مصفوفة اجتماعية يتم برمجته وفق نمط اجتماعي وإيديولوجي يخدم فئة أقلية متحكمة، فالفرد عند تورين يمكن أن يكون فاعلا، لأنه حرّ في توجهاته واختياراته وقادر على تغيير محيطه، ولا يمكن له أن يكون ذات فاعلة إلا حينما يؤمن بفرديته على الفعل، وهذا ما يميز الذات الفاعلة عند تورين، لأنها تسعى إلى تحرير نفسها من كل أشكال التحكم التي يمارسها المجتمع المبرمج.
عاش تورين مؤمنا بالثورة واهميتها، وقد نظر للتغيير من المنطلقات التي يؤمن بها، وظل مخلصا لأفكاره الى آخر ايام حياته.
لا تعني هذه الاشارات تطابقنا مع كل افكار تورين او تبنيها، بل ان الانصاف المعرفي، يقتضي الاشارة الى هذا العلم المهم، والذي اخلص للمعرفة، ونذر حياته في سبيلها، تاركا عشرات المنجزات العلمية المهمة.