د .نعمه العبادي\ العراق
حيثما تولي وجهك في العالمين الواقعي والافتراضي، فثم حديث عن المثلية/الشذوذ، ويزداد هذا الحضور في العالم الافتراضي.
حكومات تتعهد، ومؤسسات تلتزم، وشركات تنفق، ومسيرات تحتشد، وعقوبات تفرض، وقوانين تشرع، وأصرار يتبعه إلحاح، وإلحاح يرافقه عناد، وزعيق يملأ الارض، دفاعا عن المثلية وشرعيتها، بل وضرورتها، وكأنها التحدي الاوحد والاهم في حياة الانسانية والعالم.
يتزايد هذا العناد والوقاحة السياسية والثقافية والاعلامية في الاشهار والمجاهرة بهذا السلوك السافل، رغم معرفة كل المدافعين، انهم يتجاوزون على حرية وقيم ومشاعر معظم سكان اهل الارض، ويصر هؤلاء على فرض وجودهم الواقعي والقانوني والثقافي عنوة على كل أحد.
لا يمكن تفسير ما يجري في العالم بشأن هذا الملف من باب الصدفة او انه موجة عابرة، فالشذوذ قديم قدم الانسانية، والمواقف منه معروفة ومشخصة سواء كانت الرافضة وهي الغالبية او المؤيدة وهي قلة شاذة، فلماذا يتغول الحديث عن هذا الموضوع بهذه الطريقة؟ فهل تمثل المثلية الحاجة الاهم في سلم اولويات البشرية ليكون النضال من اجل تحقيقها بهذه الطريقة؟ ام هل ان منعها او تحجيمها هو الخطر الاهم الذي يواجه البشري، فيكون السعي لتدارك هذا الخطر هو الضرورة القصوى؟
بالامس القريب، خرج العالم من محنة جائحة كورونا التي جعلت البشرية تترجل طوعا عن كل فعاليات الحياة، فقد لزم الجميع الجدران والتصقوا بها، وصار الفرار من الجمع طريق النجاة، واعادت كورونا تعريف المرض والصحة وقوة الدول ومفهوم الاخطار والاستراتيجيات ومفاهيم كثيرة، ولا يزال العالم الى هذه اللحظة لم يستكمل قراءة ما جرى خلال كورونا، وكيف صار، ولماذا، وكيف السبيل للتعامل الامثل مع الجوائح التي يمكن ان تتكرر، وقد رافق كورونا شعور بالانكسار الذاتي والجماعي، ونحو من التأدب الداخلي جراء سطوة هذا الفايروس العجيب، إلا ان العالم الذي ضربته كورونا بقسوة، واوقعت منه ملايين الضحايا، يقف اليوم بشكل غريب وبممارسة عاهرة للمجاهرة بدعم المثلية وكأنها سر الخلاص من كل محن الارض.
لا ينبغي النظر الى هذا الملف منفصلا عن سياق عام جاء في اطاره، فهذه التحولات العالمية العميقة في الثقافة والفكر والسياسة والاخلاق والاقتصاد والانتاج والستهلاك، بل وفي كل مناحي الحياة، مدفوعة بتنفذ غربي يتمركز حول حرب (الانسان) مقابل (الإله) في معركة يتم طرحها بنماذج واشكال مختلفة، كل حسب السياق الذي تظهر فيه، ومع تباعد المجالات إلا ان الخيط الناظم بينها واضح لكل حصيف، كما، انه، لا يمكن النظر إليها وكأنها إنشاءات ادبية او تأملات فردية، بل هي رؤية متماسكة تستند على منطلق عقدي يغذيها ويدعمها ويمنحها البركة والمشروعية.
(نشر الرذيلة والفساد) عنوان تتدرع ضده الفطرة السليمة والقيم الموضوعية إلا انه في إتجاه آخر، يقدم على انه ضرورة عقائدية في اكثر من منظور، والامر لا يتعلق بفكرة المؤامرة او الانسياق خلف الخطابات التعبوية، فهل يستطيع احد ان ينكر وجود عقيدة منظمة، لها كيانها وادبياتها واتباعها، اسمها عبادة الشيطان، ام هل يمكن انكار، ان هناك اكثر من رؤية خلاصية تبشيرية تجعل إظهار الفساد وشيوعه مقدمة ضرورية لتحقيق الخلاص.
هناك تشابك معقد في هذا الموضوع بين الديني والسياسي والثقافي والتجاري بطريقة تم من خلالها مركزة جميع هذه الاتجاهات نحو اهداف واحدة، الامر الذي جعل تلك الادوات تخدم جميع تلك الاتجاهات لجهة تحقيقها لاهدافها، فالديني منتفع، والسياسي مستفيد، والتجاري رابح، والاداة واحدة هي نشر الرذيلة والفساد.
من الجدير بالذكر، عندما نتحدث عن المثلية/الشذوذ، لا نقصد بها الممارسة البايلوجية الشاذة فحسب، بل نتحدث عن الاطار الثقافي والسياسي والاجتماعي والاعلامي والقانوني الذي وضع لهذه الممارسة، وبعد ان كانت شذوذا فرديا، نقلت الى حاجة جماعية، ثم خيار طبيعي، ثم عنصر اساسي للامن الاجتماعي والنفسي، ثم قيمة سياسية واجتماعية، ثم توجه وعلامة مميزة، وبعدها الى هوية جماعية، وبعدها الى حق مجتمعي، ويجري النضال الان تجاه تحويلها إلى مائز قانوني للتجريم مثل ما يسمى بمعادة السامية، بحيث نكون امام معاداة المثلية.
ان معاداة المثلية كمحدد للتجريم الفردي والجماعي، كفيل بإنتاج تنميط طوعي ونفاقي، يخفض قدرة الممانعة أمام اي مطلب مهما كانت دنائته ولا شرفيته، وستكون المطية التي يحمل على ظهرها كل الدعوات الاخرى التي تدخل ضمن عنوان عام اسمه نشر الرذائل والموبقات.
ليعلم الجميع، ان الرهان الاكبر يتمثل في تدجين العالم غير المثلي على السكوت والاذعان والتماهي ثم القبول والتعايش مع المثلية ونظائرها، فالتعايش هو اللغز الذي يمكن ان يجمع من خلاله بين الماء والزيت.
كل التفاعلات:
أنت و١٧ شخصًا آخر