لماذا الانثربولوجيا
د. فرج احمد فرج
باحث انثروبولوجيا
بداية ما هو علم الانثربولوجيا؟
احيانا ما كان يطلق عليه ” بعلم الاستعمار” ولكن هو ليس كذلك بل استخدمته الدول الاستعمارية لدراسة الدول التي تريد استعمارها ، وعندما وصم بهذه العبارة ، كان علماء الانثربولوجيا ان يؤكدون عمق هذا العلم وشموليته هم اول من ضع مسودة حقوق الانسان ابان الحرب العالمية الثانية وتوجهوا لدراسة اجناس البشرية وخاصة ” الانسان” حيث يطلب الكثير من العمل والدراسة لانه يشمل جميع زوايا نشاط ذلك الانسان ” الاختصاصات”.
منذ صغري وانا اتابع الناس واهتم بهم واتسال لماذا هذا اسمر واخر ابيض وشعوب صفراء وهذا طويل القامة واخر قصير وسلوكهم مختلف من بيئة لاخري ولو في بلد واحد فما بالك لو كان هؤلاء البشر من اجناس مختلفة وبلاد مختلفة ، وزملائي في الدراسة يصفوني بأني مفتون بالنظر الي البشر وكم كنت مولعا بالقصص التي كان يحكيها لنا استاذ الاجتماعيات عندما كان معارا للتعليم في لبنان وهو يحكي عن الانسان البناني ويصف عاداته وتقاليده ومهاراته وحبه للحياة واسعاد نفسه وحكاويه عندما كان معارا في الجزائر ويحكي قصص اخري مختلفة تماما عن الناس في الشام .
كنت اتوق للسفر لهذه الاماكن كي اتعرف عن قرب لهذه الحياوات المختلفة للبشر ويتجلي ذلك للناس في السودان فهم يعيشون في ثقافات مختلفة علي انماط حياة ومعتقدات واخرين عندما سافرت لليونان .
وأتسال كيف حدث هذا؟
كيف يفعلون هذه الامور ؟
وكلما قرأت وتعلمت وتنقلت من دراسة الفنون والتاريخ وهندسة الطباعة ودراسة القانون ، ازددت فتونا وخاصة وانا في اوروبا واختلاطي بنوعية هؤلاء البشر وكونهم كائنات حيه ولكنهم مختلفين عنا في امور كثيرة ولو نظرنا للانسان كونه كائنا ضمن الكائنات في الارض نجده في مرتبة عالية ومختلفة عن الكائنات الاخري كما في عالم الحيوانات والطيور والزواحف والنباتات .
الانسان كائن متميز غير عادي .. لديه عقل ومخ ويمشي منتصبا علي اقدامه ولديه قدرة استيعاب هائلة ونراه الان كيف يتعامل مع مستحدثات التكنولوجيا المعقدة .
اتناول الثقافات الاخري واتسأل .. كيف حدث هذا حقا ؟
وكيف ومتي ولماذا؟
وولادة افكار حقوق الانسان امامي لا تغادر مخيلتي وشغفي في الدراسات العليا ةعند مناقشة من حولي في رغبتي الحصول علي دراسات عليا في حقوق الانسان .
كان الرد دائما حاضرا .. اولا ادرس الانسان الذي تريد البحث عن حقوقه ، وقد كان فوجدت ضالتي حينما التحقت بقسم الانثربولوجيا بكلية الدراسات العليا الافريقية بجامعة القاهرة وجدت فيه ما كنت ابحث واهتم لمعرفته منذ زمن طويل رغم فروع الدراسات الكثيرة التي درستها من قبل .
وجدت نفسي في علم الانثربولوجيا في كثير من الاماكن من العالم مرورا بالتاريخ والسنين وتطور الانسان في تلك الاماكن ، اتاح لي ان اجوب من خلال الدراسة قبائل وبلاد افريقيا بؤرة دراستنا ، وفي بحوثي كان يغمرني حالة المعايشة الافتراضية والتخيلية وكأنني اعيش معهم ومشاركا انسانيا افراحهم واتراحهم واعيادهم ومحنهم ومشاركا معهم في بناء بيوتهم واعداد طعامهم ومتاملا كل طقوسهم وعاداتهم وتقاليدهم ورقصهم وغنائهم وملابسهم واقنعتهم والهتهم وعبادتهم ونشاط يومهم في العمل .
كم كنت اسعد عند تكليفي من قبل اساتذتي لعمل بحثا ما عن بلدا او قبيلة ، فاتنقل بين سهولها وبين الاحراش والغابات والحيوانات ومتابعة الجيران والاصدقاء لنا ، ولكن هذا لا يكفي لان علماء الانثربولوجيا للخوض في ابحاثهم .. يكون لازاما لهم العيش مع مجتمع البحث دورة كاملة من العام لتلمس تلك الثقافات المختلفة والتعلم ومعايشة عن قرب لمختلف الجوانب في تلك الثقافة لهذه الشعوب من حيث تكوينهم الجسدي وتكيفهم البيئي فعلي سبيل المثال الذين يعيشون في المرتفعات العالية تتكيف اجسادهم لمواجهة نقص الاوكسجين ” اي دراسة فيزولوجيا” كما مهم للتفاهم ايضا ايجاد وسيله لتعلم اللغات ” اللسانيات” ودراسة عصور ما قبل التاريخ من خلال علم الاثار ومحاولة فهم ما يصنعون ويسخدمون من اواني وادوات وكيف يعيشون حياتهم اليومية ويتكيفون مع محيطهم .
وعلماء الانثربولوجيا الحيوية يدرسون الحفائر والهياكل العظمية للانسان الذي كان يعيش في هذا المكان واثار المرافقين من الحياوات الاخري .
وكما نري ان هذا العلم ثري ويلجأ لعلوم اخري وخاصة التي تدرس التطور البشري والثقافي مثل علماء الاثار والحفريات والجيولوجيون وكلما توقفوا وتسالوا اين الحلقة المفقودة يتوصل اخرون بعد فترة للحقيقة .. لا توجد حلقة مفقودة .. بل كل الحلقات موجودة ومتشابكة .
فرج احمد فرج
باحث انثربولوجيا