الفينيق حسين صقور .. .. مكتب المعارض والصالات المركزي
لكل واحد فينا وطنان وطن نعيش فيه ووطن يعيش فينا نفضت غبار التعب عن روحي .. نزعت حزام الأمان ثم قصقصت الشريط اللاصق السجان لأحرر إحدى لوحاته من سفرها الطويل في خضم حياته وفي رحلة عشقه ومعاناته ثم لأحررها من رحلتها التي امتدت لساعات لأطلق العنان من وحيي حياته ولوحته للكلمات كانت الشمس قد مالت للغروب وكان الظلام الزاحف يفرش عتمته لتشتد رويداً رويداً ناشرة الزعر في القلوب .. أشعلت شمعة تأملت إحدى لوحاته فغرغرت الدمعة ليس الوطن أرضاً مرسومة الحدود أو بقعة جغرافية نعيش فيها الوطن ذكريات تعيش فينا وبلهيب الشوق تشعلنا وتغذينا على بعد مترين وساعة وعلى ضوء منبعه شمعة وولاعة سطرت أولى كلماتي كمقدمة لرحلة حياة ومعاناة من خلال تحليل لوحته التي أمامي بالذات إنه الفنان محمد الركوعي في خندق الدفاع عن قضية بلاد العرب وقضيته .. سلاحه لوحة و فرشاة تستعرض بالخطوط و الألوان رموزاً من التراث الفلسطيني بكل مفرداته الزي و الشملة أشجار زيتون وبيارات ليمون وجه أنثى يتداخل عبر منحنيات مع مسجد ومدينة تستنهض مشاعر كادت تغفو فيننا اتجاه شعبنا و أبنائنا الذين تشردوا في الخيام اتجاه عيون ساهرة لا تنام اتجاه نظرات طفل تحكي ودمعة قهر على خد أم تشكي اتجاه مقدساتنا التي استبيحت في بيت المقدس وأرض المعراج هو حق العودة واجب ومسؤولية هذا ما تذكرنا به الوصايا السماوية أما بعد قبل الدخول في تفاصيل ومفردات اللوحة التشكيلية ودلالاتها الرمزية لفنان العروبة الملتزم بجوهر قضيتنا الأساسي وهو القضية الفلسطينية محمد الركوعي أريد الاشارة لنقطتين هامتين إحداهما تتعلق بسؤال كان قد وجه لي من قبل أحد الإعلاميين يتعلق بدور الفن في خدمة القضايا المجتمعية وكان جوابي (الفن لأجل الفن ) يتركز حول مفهوم أشمل للإبداع حين أكدت أن الفن يخدم الحضارة الإنسانية بالمجمل
… أما فيما يتعلق بالقضايا المصيرية فهي استثناء وهي مسألة وجود وبقاء ضمن هذا الإطار سيكون للفن شكل آخر مختلف وحول ضرورته و أهميته في نشر الوعي القومي لن نختلف أما النقطة الثانية فهي تتعلق بعمق مفهوم العمل الإبداعي … فمن خلال تواصلي واتصالي بالفنان استفسارا عن فحوى إحدى رسائله .. كان رده كفيلاً بتذكيري أني أمام فنان حقيقي واستثنائي عبر موضوعاته وهو مدرك لماهية العمل الإبداعي والغاية منه .. هو لا يكرر العمل أو يعيده .. ومن البديهي أن اللوحات المعادة قسراً لن تنتمي سوا للمهنية وستفقد مشاعرها اللحظية حينها ستقسط عنها سمة الإبداع وستنضوي ضمن إطار الأعمال التجارية والتطبيقية وقوفي عند تلك النقطة بالذات مرتبط بأقاويل سمعتها من بعض الفنانين أنهم يعيدون رسم أي عمل أو لوحة تخرج من مرسمهم سواء بيعاً أو إهداءا بالعودة لأعمال الركوعي أقول للسنوات الطويلة التي قضاها الفنان في معتقلات العدو أثرها اللاحق في أعماله فتركيزه على أدوات بدائية متاحة كالاقلام المهربة وبعض الأوراق جعلت من الخط ركيزته الأساسية الأساسية في التعبير وتعكس خطوطه أثر التراث والزخرفة الإسلامية من حيث الأسلوبية والتعاطي معها كما تعكس من ناحية أخرى مشاعر القهر والرغبة في الاحتواء فهو يبحث عبر تلك المنحنيات عن الأمن والأمان وعن وطنه الغائب في ثنايا الذاكرة وهو يعكس مشاعر التحدي و القهر في أشكاله حين تصير لتلك الخطوط زوايا قاطعة وحادة يشكل من خلالها رموزه وأشكاله كأصيص الزرع المحاربة وأشجار النخيل والزيتون التي تحولت أغصانها لأشواك وتداخلت في بعض لوحاته مع صواريخ وطائرات ك هلال صار قريب ورموز دينية أخرى كالصليب تقودنا خطوط الفنان محمد الركوعي لرموز وأشكال لها دلالاتها الواضحة والأكثر فهما وشعبية وتلك سمة مطلوبة وأساسية في فن ملتزم يسعى لإيصال رسالته السياسية الهادفة للجميع ويخشى على فكرته أن تضيع فبيت المقدس حاضر دوما في الذاكرة والحمائم تحلم بفرش جناحيها وعيون أنثاه الشاخصة مكحلة بالأمل وشعرها المسافر يمهد الطريق ويستنجد بالنخوة العربية وبألف صديق وصديق الحصان الجامح سوف ينطلق ودربه ممهد بذكريات تراثية الشال والزي والشملة الفلسطينية شمس الأمل والعمل بخطوط زخرفية هكذا هي لوحة الركوعي المشبعة بالرموز وهي عبر تداخلاتها الهندسية وميوله الخطية تمتلك الخصوصية وهو لونيأ يعكس فهمه العميق للتوازنات إذ تكشف لوحاته عن درجات متقاربة ومساحات شفافة كما ترصد العلاقة مابين الفواتح والغوامق من خلال أسلوبية مسح وتوشيح اختم بالقول الصريح كان لي شرف التعرف على الفنان محمد الركوعي من خلال لقاء عابر به ضمن آخر مشاركة ومعرض وعكست كلماته القليلة جلده وصبره ومقدرته على التحمل والاحتمال كما ولدت في داخلي انطباعاً عن روح العفوية والبساطة المشكلة لكينونته رغم شظى العيش وقسوة الحياة