“الذات والآخر الحضاري: نحو حوار حضاري فعّال”، عنوان البحث الذي تشرفت بتقديمه في مؤتمر “الانفتاح على الذات والآخر: قراءة في سمات اللحظة البشرية القادمة”، الذي أقامه المنتدى الثقافي العربي الإسترالي Australian Arab culture Forum ( AACF)، في مدينة سدني، يومي 9، 10، سبتمبر 2023، خالص الشكر والتحية لرئيسة المؤتمر والمنتدى الدكتورة أميرة عيسى Amira Issa على حسن إدارتها لفعاليات المؤتمر، وإثرائها للنقاش.
ولكل الحضور الكريم وللصديق الغالي المبدع والمفكر الكبير البروفيسور د. Mohammad Ikbal Harb
وقد ذكرت في مداخلتي أن المستهدف في هذا البحث تبيان علاقة الإسلام بالآخر الحضاري، وسبل الحوار مع الحضارات الأخرى، دون الذوبان فيها، مع مناقشة سبل الوعي بذاتنا الحضارية، وتحقيق شروط الحوار الحضاري، وأيضا الحوار الحضاري وعلاقه بحوار الأديان، ثم التطرق إلى قضية العولمة وصدام الحضارات وتقديم عدد من الأسس التي ينبغي أن يقوم عليها حوار حضاري فعّال، إيجابي، نستفيد من خلاله بإبداعات الحضارات الأخرى، ونعرّف بذاتنا الحضارية وهويتها الثقافية.
كما ذكرت مفهوم مفهوم حوار الحضارات بأنه حالة من التشاور، والتفاعل، والقدرة على التكيف بين الشعوب المختلفة بما تحمله جميع الأطراف من أفكارٍ مخالفة، والقدرة على التعامل مع جميع الأفكار والآراء السياسيّة والدينيّة والثقافيّة، ويكون الهدف من هذا الحوار القدرة على التعارف والتواصل والتفاعل والاحتكاك الحضاري بين الشعوب، ويمكن الاستفادة من قيم الحضارات المختلفة وعلومها، وتبادلها عند حدوث الحوار الحضاري.
والحوار الحضاري يعني: نبذ الصراعات العرقية والقبلية والدينية، وهي هويات تندرج تحت الهوية الحضارية، ولكن لها تأثيرات هائلة في مجريات السياسة العالمية وأحداثها، فالصراعات المريرة بين قبائل الهوتو والتوتسي في أفريقيا، وبين الصرب والمسلمين والألبان في البلقان، والتاميل والسريلانكيين في جنوبي شرقي آسيا، تعود إلى إحياء هذه الهويات، التي تحمل ضغائن لا حصر لها .
فعندما نغيّب الحوار الحضاري، سيحتل الساحة مفهوم الصراع الحضاري، ويستثمر في ذلك أحداث صغيرة ويضخمها، والأدهى أن إحياء فكرة “الغرور الحضاري”، التي تعني أن أصحاب حضارة ما يستعلون / يتكبرون على سائر الشعوب، ويرون أنهم في قمة الهرم الحضاري العالمي، وكل ما عداهم أدنى وأحقر منهم. وهي فكرة شديدة السطحية، ضد حركة التاريخ، ومنطق قيام وأفول الحضارات، ولا تنتبه إلى “ميكانزم” الحضارات نفسها جغرافيا، ولكنها تشبع – دون شك – الشعوب، ويجد فيها السياسيون الشعبويون – خاصة التيارات اليمينية المتطرفة – سبيلا لحشد الأصوات الانتخابية لهم. والمثال قائم الآن في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، مع صعود قوى اليمين، التي تحمل شعارات عنصرية عدائية ضد المهاجرين, وضد شعوب بعينها، خاصة الشعوب الإسلامية، غير ناظرين إلى عواقب ذلك عليهم، على المدى المتوسط والبعيد، لأنه يؤجج المشاعر، ويوغر الصدور، وينشئ العداءات.