خليل عبد اللطيف البدراني
-منح الله هذا الحيوان الكثير من الجمال والرشاقة والحنان تختلف عن بقية الحيوانات . والظباء مختلفة وهي عدة أصناف : منها الأرام وهي الظباء البيض، الواحدة ( ريم) وتسكن الرمال وهي ضآنة لأنها كثيرة الشحم واللحم . وصنف يسمى ( العطر) وألوانه حُمر وهي قصار الأعناق ، وأضعف الظباء عدواً وكان شائعاً في البادية الفراتية في الشامية والجزيرة . وصنف يسمى ( الأدم) طوال الأعناق والقوائم ، بيض البطون . ونوع يسمى ( الجازي) وهي أكبر حجماً من الغزال العادي ، قيل أنه يأتي إلى أنحاء الفرات من نجد . منذ سنين انقطع .. توصف الظباء بحدة البصر ودقة القوائم وحور العينين وطول الرقبة النسبي ، لذا يشبهون الرقبة الطويلة عند المرأة كأنها جيد ظبية .والشائع في الفرات لفظ الغزال ولد الظبية ذكراً أو أنثى والجمع غزلان ، والأنثى غزالة ، والذكر جدي والأنثى عناق والذكر الغزال أيضاً ، والكبير يسمى تيساً وقحماً والكبيرة عنزاً ونجوداً . والغزالةالتي تمشي في أول الصف عنود ، وهي من ذوات الظلف الذي يقابل الحافر عند الفرس.
يقول الشاعر المتنبي :
-بدت قمراًومالت خوط بان
وفاحت عنبراً ورنت غزالاَ
يرعى الغزال نباتات البادية ويستطيب الحنظل مع أنه شديد المرارة وهي ( بحجم البرتقالة المتوسطة) . ويشرب من العيون والغدران الموجودة في البادية ، ويشرب الماء العذب والماء المالح وحتى من ماء البحر. والغزال في البادية الفراتية يرد على عيون ماء مالحة قريبة من دير الزور تسمى ( المالحة) ومعظم أهالي ديرالزور يعرفون جيداً هذه المنطقة أيام الربيع والنزهات ( طلعات الجول)….
يلقح الغزال في الخريف ويبقى حملها نحو ستة أشهروأكثر ما تضع أوائل حزيران ، تلد خشفاً أو خشفين ، تلحس الظبية خشفها عند ولادتها لعدة أيام تنظفه من الدم ، ويمشي بعد ساعة أو ساعتين من ولادته ، ويرضع ثلاثة أشهر ثم يباشر الرعي . ولاينام الغزال إلا بالسهل إذا طورد واعترضه وعر يلجأ إليه ، وتبلغ سرعته (١٠٠كم) بالساعة . ويكون الغزال في قطيع ، ويزن التيس نحو (٢٠كغ) . يُأكل لحم الغزال مشوياً وحميساً ومطبوخاً ..يقول الرازي : ( لحم الظبي حار يابس وهو أصلح لحوم الصيد ) . وأجوده الخشف وأصلح ما أكل بالشتاء . تصنع عرب صليب من جلده ثياباً ويبشر جلده وتصنع منه الدفوف . ومن جلده يصنع حرامات ومعاطف ، ويتخذون من مقادمه مشاجب لتعليق الثياب ، ويحشون الرأس ويعلقونها للزينة ..يعيش الغزال نحو اثني عشرة سنة ، وللتيوس منه قرون يبلغ طوله (٤٠سم) …أشفق الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام على الظباء ولم يرعها، وكانت الظباء تلجأ إلى الحرم بمكة لايرعها أحد للقتل حتى ألفت الحرم وخصت به. ويقول المثل ( آمن من ظباء الحرم) . في الحرم بمكة محرم قتلها .
قال الشاعر (جرير) يصف نساء عفيفات وجميلات :
-حور حرائر ما هممن بريبة
كظباء مكة صيدهن حرام
يحسبن من لبن الحديث زوانياً
ويصدهن عن الخنا الاسلام
وتأتي ألفاظ الغزال والريم والخشفة والنجودفي الشعر العامي الغنائي الفراتي …ففي شعر العتابا :
-ي هل جنك غزال وترد طابان
ومتز علني يلولا تجر طابان
من شافتك جروح القلب طابن
ولارادن جحيم ولادوا
-ريام عل الشرايع وابرجن
ولسعني بهواهن وبرجن
نهض برق اللوامع وبرجن
تذكرهم دليلي واختفى
قلما عرفت مدينة من شؤون الغزال وأحواله وصيده وأخباره مثل ما عرفت دير الزور حاضرة وادي الفرات. وكبار السن يعرفون أسماء رجال كثر من أهالي دير الزور ولعهم بالصيد وخاصة الغزال والأرانب والقطا …..وفي زفة العروس يغنون :
-يا صيادين الخشف لا تطعنونه
عيون فلانه تشبه عيونه
كان ولع الدير بصيد الغزال قديم …حيث يخرجون إلى الصيد جماعة مترجلين إلى مواقع المالحة غربي دير الزور (١٥كم) ، ولما انتشرت السيارات و( المطورات) أخذوا يبعدون ويقصدون جبل البشري وموقع القصبي غربي شمال دير الزور(٤٠كم) حيث توجد عيون ماء عذبة في سهل يرد عليها الغزال ، يكمنون له في نوجات ( حفر) ويقيمون يومين أو أكثر يأكلون مما يصيدون . لكن من انحسار البادية والمحل الذي يصيبها هاجر الغزال إلى أماكن أخرى طلباً للعشب والماء ولاتخلو البادية منه ..ولايزال الديريون يخرجون في طلبه لكن أقل بكثير من ذي قبل…..
خليل عبد اللطيف
– المراجع:
– مجلة صوت الفرات ١٩٦٩ للباحث الكبير المرحوم عبد القادر عياش
– الحاوي..أبو بكر الرازي
– حياة الحيوان الكبرى..كمال الدين الدميري ١٣٤١- ١٤٠٥م
